لأننا نعيش في عالم مرعب حقًا
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
التعبير حقيقي لا مجازي؛ فأنا أعني أن العالم الذي نعيش فيه مرعب، يحمل بين حناياه رعبا ما، وقد ظللت لسنوات من هواة الأفلام المرعبة، وجدت فيها الجيد ووجدت الردئ، ككل الأشياء، لكنني أفقت على صدمة هائلة: الرعب المجسد حولك يا سيد وليس على الشاشة!
أفقت مبكرا من حسن الحظ، بل حولت الفكرة إلى ديوان شعر، وظلت التجربة فريدة بين أخواتها حتى الساعة، وقد مررت في الحياة بما يخيف، كما مر الناس، لكن لا أدري هل انتبهوا، كما انتبهت، إلى أن الحياة نفسها مخيفة أم لا؟!
يوم جاء فيروس كورونا فطن كثيرون إلى شيء كالذي أتحدث عنه هنا الآن؛ ففي لحظة واحدة صار الهواء الذي هو أسهل ما في المتناول صعب بدرجة محبطة، ويجب أن ينفذ إلى الأنوف من خلال كمامات معقمة، وإلا فالخطر متوقع.. مات الناس فعلا، ماتوا بالألوف حول العالم، وكان العالم أشبه بمستشفى تعاني حالة طارئة، تستقبل مرضى طوال الأوقات، وترسل جثثا إلى المدافن، لو أمكن، أو المحارق لأنها الأكثر أمانا!!
حصل هذا الرعب بلا تنويه، حصل في غمضة عين، صار العالم موبوءا ومغلق الآفاق، بعد أن كان سليما ومنفتحا وعامرا بالحيوية والصخب، والمشكلة زوال الفطنة التي تولدت بحلول الوباء وانتشاره بزوال موجاته القاسية المتتابعة؛ كأن عودته مستحيلة..
على المستوى الشخصي تحدث لجميع الأفراد كوراث خاصة كالتي تحدث على المستوى العمومي، لكن إيقاعها خافت بالبداهة، وإن كانت لاتقل من حيث الثقل والدلالة، مثلا شخص عاجز وجد نفسه محاصرا بمجموعة من الكلاب الشرسة في ليل مدلهم، ولا يبدو بالجوار أحد، سيتخيل نفسه وجبة دسمة لهذه الكلاب الضارية ما لم يتنزل إنقاذ إلهي سريع أو يبرز إنسان بوسعه النجدة عاجلا، وهكذا حتى بعيدا عن الكائنات المتوحشة، هناك امرأة قد تلد، فجأة، في طريق مقطوع أو حتى دورة مياه، وللآخرين أن يتاملوا مدى فزعها ومعاناتها وغرقها في الدماء بلا مناشف ولا مساندة..
الأمثلة وافرة، والمهم هو الصحو من الرعب الفيلمي، أو الذي تمتلئ به قصص
الأشباح وكتب القبور وما إليهما؛ فهي قصص في الأول والآخر، مهما تكن أحداثها اللامفهومة تعرضت لتقييم ما أو خضعت لدراسات نفسية بالذات أو حتى أضحت علوما لها مبادئ وأصول، يدرسها دارسون مهتمون، أو يصنع لها وثائقيون محترفون سلاسل تثبت حقيقيتها، وتؤكد صدقها، وتنفي الخرافة عنها.
الرعب الآخر المقصود، رعب أكبر من كل رعب محكي، وهو موجود، بأدلة قطعية، وما علينا إلا التأمل الطويل الثاقب، موجود في البيت والشارع، في المدينة والريف، في الظلام والشمس، في الأعلى وفي الأسفل، في الوحدة وفي قاعة الاجتماع، في مكاتب الأعمال وفي استراحات السفر، في المشاعر الحزينة ووسط موسيقى الأفراح، في التعلق والانفصال، في الأشرار والطيبين، في كل الاتجاهات والجدران والملابس والأخشاب والحشائش والروائح والألوان والمرايا والصور الذكريات.. (في كل الأشياء إجمالا)، وليس بالبسيط بل المركب، وقد تكون الأقدار جعلته جاريا في الأرض لكي تكون اليقظة أدنى إلينا من الغفلة بشكل سرمدي؛ فالمأزق قد يكون الوجود لا ما وراء الوجود، لكننا نظنه ما وراءه على الدوام جاهلين بمداه القريب!
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد