لا تصدق كل ما يحكيه الروائيون .. قصة ولادة نجيب محفوظ مزيفة!!!

أخذ اسم نجيب محفوظ الأديب الكبير نصيبه الذي يستحقه من الشهرة والصيت كروائيٍ كبير له بصمة في تاريخ الأدب المصري المعاصر.

اقرأ أيضًا 
الدكتور نحيب محفوظ .. رائد طب الولادة المنسي بسبب أديب نوبل

لكن اسم نجيب محفوظ نفسه له قصة مشهورة وشهيرة مفادها أن أم الأديب كانت في حالة ولادة متعسرة وجاء والده بطبيب الولادة الشهير نجيب محفوظ ونجح في  توليد الأم ولأن الأخيرة كانت بين الحياة والموت وكذلك جنينها، فأرادت التعبير عن عرفانها له فسمت ابنها على اسمه.

القصة المشهورة حول اسم نجيب محفوظ مشكوك فيها أم محيرة ؟

أسباب متعددة تجعل المهتم بالسير الذاتية يتشكك في تلك القصة، أول هذه الأسباب أن نجيب محفوظ الطبيب قد تزوج في نوفمبر سنة 1911م وأخذ أجازة مدتها شهرين (شهر عسل) خارج القُطْر المصري، وقد ذكر تاريخ زواجه في مذكراته[1]، وأورد تفصيلاً ما حدث في سفره وشهريّ عسله.[2]

بينما نجيب محفوظ الأديب ولد في ديسمبر عام 1911م في منزل نمرة 8 بميدان بيت القاضي التابع لقسم الجمالية، أي أنه ولد وكان الطبيب خارج مصر أصلاً.

سبب آخر يزيد الموضوع ارتباكًا وهو أن الأديب نجيب محفوظ هو مصدر القصة الشهيرة إذ قال في حواره مع رجاء النقاش الذي أجراه في الفترة من أغسطس 1990م إلى أواخر 1991م، أنه عقب تخرجه من الجامعة سنة  كان سيسافر إلى فرنسا لكن بسبب اسمه لم يسافر.

وحكى نجيب محفوظ أنه عند الاستعداد للتقديم على السفر بالبعثة كان اثنين من الأقباط على قائمة المسافرين بواسطة من شخصيات هامة، ولم تُرِد إدارة البعثات أن تجعل 3 من الأقباط يسافروا؛ وحكى أن اسمه مركب وسمته أمه به على اسم نجيب محفوظ الطبيب الشهير لأنه أنقذ حياتها وحياة جنينها، ونجيب محفوظ الطبيب مسيحي ويبدو أن الاسم كان يخص الأقباط في الصورة الذهنية للناس لأن الطبيب الشهير كان قبطيًا واسمه كاملاً نجيب ميخائيل محفوظ.[3]

ورغم أن نجيب محفوظ الأديب هو مصدر القصة الشهيرة في حواره مع رجاء النقاش، لكن هو نفسه ليس متأكدًا منها، ففي لقاءٍ إذاعي بينه وبين المفكر توفيق الحكيم والصحفي كمال الملاخ مع الإذاعية نادية صالح في برنامج زيارة إلى مكتبة فلان، قال القصة المشهورة لكنه أضاف قصة أخرى مفادها «أن أهله رغبوا في أن يسموه حافظ نجيب على اسم الصحفي المشهور بالتنكر حافظ نجيب والذي اشتهر باسم اللص الشريف، والذي ذهب إلى مكتب الصحة ليسجل اسمه نسي وأطلق عليه اسم نجيب محفوظ لشهرة الطبيب، واختتم نجيب محفوظ كلامه بقوله «دا اللي قيل لي والله أعلم بالحقيقة»؛ ومما يزيد الأمر غرابةً قصة أخرى ليس لها مصدر واضح أن ثروت أباظة أخذ نجيب محفوظ الأديب للطبيب وقال هذا أحد مواليدك يا باشا !.[4]

ترجيح القصة بالميزان التاريخي العقلاني

ملحوظة || هذا الترجيح ليس حقيقة تاريخية مطلقة
فهو اجتهاد من كاتب موقع الميزان
 ومن حق القارئ أن يقبله أو يرفضه ويذهب لترجيحٍ آخر

بما أن حكاية اختيار اسم نجيب محفوظ لها أوجه متعددة ومتنوعة ومختلف عليها، فإن الرأي الراجح لدى كاتب موقع الميزان، أن قصة الولادة لا يمكن الاقتناع بها لأسباب كثيرة، وأن الصحيح والمقبول منطقيًا هو حكاية الخلط بين حافظ نجيب ونجيب محفوظ.

أول هذه الأسباب أن نجيب محفوظ الأديب لم يحدد من الذي حكى له تلك القصة المشهورة هل هو والده أم والدته، فقط اكتفى بقوله في برنامج زيارة إلى مكتبة فلان «ربنا أعلم بالحقيقة، وقد تكون هذه الحكايات مجرد أساطير اخترعت، ويكون اللي خلفونا روائيين زينا».

ثاني هذه الأسباب أنه وإن كان من المحتمل ميلاد الأديب على يد الطبيب، لكن الدكتور نجيب محفوظ في مذكراته ذكر بشكل واضح أنه لم يكن موجودًا وقت ميلاد الأديب؛ فضلاً عن أنه لم يترك موقفًا إنسانيًا تعرض له في بدايات عمله بالولادة إلا وحكاه، فكيف لم يتطرق إلى قصة نجيب محفوظ الأديب وعرفان أمه به في مذكراته، خاصةً وأن نجيب محفوظ الأديب وقت كتابة مذكرات الطبيب (1963م) كان له شهرة كبيرة إلى حدٍ ما.

إقرأ أيضا

زغرطي ياللي أنتي مش غرمانة

ثالث هذه الأسباب أن مسألة اسم حافظ نجيب وشهرته مقنعة لأن قصصه وإن كانت تخص العامة لكن مصدرهم من القراءة وكانت أم نجيب محفوظ من النساء اللواتي تستهوينها الثقافة، فلربما وصلها نبأ حافظ نجيب خصوصًا وأن أول كتاب يتكلم عنه صدر في سنة 1909م لجورج طنوس.

رابع هذه الأسباب وآخرها أن شهرة الطبيب نجيب محفوظ كان معروفة لدى أوساط الناس في القاهرة في الفترة من سنة 1902م إلى سنة 1904م كطبيب مكافح لوباء الكوليرا وأخذ شهرة أوسع من سنة 1908م إلى سنة 1910م طبيب متخصص في إنجاز حالات الولادة المتعسرة بل وعلاج العقم عند النساء خصوصًا أثناء عمله في مستشفى القصر العيني؛ وبالتالي فإن شهرته لا تخص النساء وحدهم بل الرجال أيضًا ومن الطبيعي أن يتم ذكر اسمه كثيرًا على لسان العوام المتعلم منهم والجاهل.

الجدير بالذكر أن الطبيب نجيب ميخائيل محفوظ توفي في 25 يوليو 1974م، ونُشِر نعيه في اليوم التالي بعدد جريدة الأهرام وفي نفس العدد كان نجيب محفوظ الأديب قد أنهى الجزء الأخير على صفحات العدد الأسبوعي للأهرام من روايته حكايات حارتنا (وهي غير أولاد حارتنا) وطبعت في العام التالي.

[1]  نجيب محفوظ، حياة طبيب، ط/1، دار المعارف، 1963م، القاهرة، ص147.
* وانظر أيضًا نفس المرجع، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، (مشروع مكتبة الأسرة 2013م)، ص153.
[2]  المرجع السابق، طبعة دار المعارف، ص ص135–137.
* وانظر طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، (مشروع مكتبة الأسرة 2013م)، ص ص139–141.
[3]  رجاء النقاش، صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، ط/1، دار الشروق، القاهرة، 2011م، ص174.
[4]  محمد شعير، أم محفوظ أطلقت عليه منذ صغره لقب «أبوالتفانين الرايق»، موقع صوت الأمة، 29 أغسطس 2017م.