لا يتمنى السفر إلا من لم يذق طعم الغربة
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في بداية ٢٠١٤ كنت على موعد مع تجربة جديدة، لم أتخيل يوماً ما أن أخوضها، السفر للعمل في الخليج، لم أحلم يوماً بمغادرة مصر، كنت أشعر بالغربة خلال وجودي في الإسماعيلية أثناء فترة خدمتي في القوات المسلحة.
علاقة خاصة بيني وبين القاهرة التي يكرهونها، بين تلك الوجوده الكادحة السمراء التي تملأ شوارعها نهاراً، وتلك الأخرى الضاحكة العابثة التي تجوبها ليلاً، تلك الأرصفة المهترئة كالحة اللون وأشجار حدائقها التي خاصمت اللون الأخضر.
هناك بعيداً في الخليج وبعيداً عن درجات الحرارة التي تجبرك على التساؤل عن ذلك القرار الذي اتخذه إنسان ما قديماً بسكنى بلاد لها مثل هذا الجو، تبدو الشوارع لامعة، وتبدو المباني وديعة ومتناسقة.
تحمل الدول الخليجية في جنباتها عشرات الجنسيات لكنها بلا روح، تبدو مدناً بلاستيكية لامعة تصلح لقضاء إجازة ما لفترة قصيرة لكنها أبعد ما يكون عن السكن.
للجدران في بلادي دفء ما حتى ولو ملأتها الشروخ، أما جدران الغربة فهيا شديدة القسوة، نتعلق بقناة تليفزيونية مصرية تبدو في خلفية الفراغ حنيناً للوطن، نلتقي برفاقنا المصريين فلا نتحدث سوى عن الوطن.
تصبح رحلتنا للمطار هي الفرصة الأمثل لقلوبنا للرقص و”التنطيط ” كالأطفال.
في الغربة أصبت بداء السكري والاكتئاب، لم أحتمل الحياة بعيداً عن وطني وحبيبتي وذكرياتي، في الغربة تنتصر الوحدة حيث نكتشف أن هناك سبب أخر للإرتجاف غير الخوف والبرد….هو الوحدة.
وعندما نعود لديارنا في الوطن ويأتي موعد الرحيل تنقبض القلوب، وكنت أعاني من “عصرة” شديدة عندما تلامس عجلات الطائرة مدرج الهبوط في مطارات الخليج، وأفقد النطق لدقائق أعجز فيها عن التنفس.
يقولون الأن – في موضة جديدة – أن المجانين فقط هما من يعتقدون أن في بلادنا روحاً لا تملكها دبي مثلاً، يخلعون الوطن من قلوبهم وكأنهم عابري سبيل.
في الحقيقة لم أحتمل وعدت، شفيت من اكتئابي وغادرني السقم.
اختلف معي عندما تقرأ هذا المقال لكن لا تحكم عليه قبل أن تجرب الغربة.
قبل أن تذوق اليتم عندما تبكي فيبتسم الأخرون في وجهك قبل أن تلوك ذكرياتك، التي ستجعلك أكثر ألماً، فالذكريات شوك فراش الغربة.
إقرأ أيضاً
هل حديث شد الرحال دليل على حرمانية السفر لزيارة الأولياء وآل البيت
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال