همتك نعدل الكفة
148   مشاهدة  

لبنان بعد أعوام من الحدث الذي هز العالم.. لا إعمار ولا عدالة ” حوار “

لبنان


لم تلقب لبنان في فترة الخمسينات والستينات بـ”سويسرا الشرق” عبثًا، بل كان ذلك وفقًا لأسباب شتى منها الطبيعة الخلابة التي تنعم بها لبنان من شؤاطي ساحرة وجبال شاهقة وآبار عذبة لذا فإن السياح يتوافدون إليها من كل حدبٍ وصوب من أجل الاستجمام بالطقس المعتدل والتمتع بهذه المناظر الرائعة، وكذلك بسبب تمتُعها بموقع جغرافي متميز واستراتيجي فكانت بمثابة نقطة الوصل بين الثلاث قارات واجتمعت بها الحضارتين الشرقية والغربية واندمجت اندماجًا مبهرًا.

 

لكن “سويسرا الشرق” تدهورت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية خلال الـ 30 عامًا الأخيرة بسبب تفشي الفساد في مؤسسات الدولة فظل ينخر في أعمدتها حتى انهارت الأوضاع، ولطالما عانت لبنان من ويلات الحرب الأهلية وتوالت الأزمات إلى أن ازداد الأمر سوءً بالانفجار الغاشم لمرفأ بيروت الذي وقع منذ 3 أعوام، وانتشرت مشاهده المؤلمة التي من الصعب نسيانها انتشار النار في الهشيم وانقلبت جميع القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي بأخباره المتسارعة وعما خلفه من خسائر في الأرواح قدرت بتلقي أكثر من 200 شخص حتفهم وإصابة أكثر من 6500 فرد، أما الخسائر المالية فقد قدرت بحوالي بأكثر من 15 مليار دولار، وتمثلت الأسباب المحتملة لحدوثه في نشوب حريق بأحد المستودعات والمخزن بها مئات الأطنان من نترات الأمونيوم وما زالت هذه الاحتمالية غير مؤكدة إلى يومنا هذا.

أحببت أن أطل على لبنان الحبيبة بعد مرور 3 أعوام على هذا الحدث الذي مزق قلوبنا جميعًا، ولنطلع على آخر التطورات بشأن المرفأ والذي لا زال على حالة الدمار الذي أصيب بها منذ وقوع الانفجار، فهناك بطء شديد في سير عملية الإعمار رُغم الكثير من العروض المطروحة من قِبل دول شتى للبدء في إعمار مرفأ بيروت، و لاقتناعي بالمثل الشعبي “أهل مكة أدرى بشعابها” تواصلت مع الصحفية اللبنانية “فالنتين نسر” لتضعنا في المشهد اللبناني ونرى الصورة أكثر وضوحًا.

لبنان
الصحفية اللبنانية “فالنتين نسر”

هلا أخبرتينا “فالنتين” عن السبب الفعلي في عدم البدء في إعادة إعمار مرفأ بيروت إلى الآن رغم وجود عروض من دول شتى كروسيا والصين وفرنسا وتركيا؟

إعمار المرفأ هو أحد المسائل المثار حولها حالة من البلبلة لكنه ليس هناك سبب مباشر في البطء بسير عملية الإعمار، فالوضع في لبنان مختلف دائمًا حيث يتوقف على عدة أمور، منها على سبيل المثال تفضيل ثلة من السياسيين للاستفادة المادية وتقاسم المنافع بالبلاد، وقد تكون المناقصات المطروحة ليست ذات نسب ربحية جيدة لتعود على هؤلاء بالنفع لذا لم يتم الاتفاق على أي مناقصة إلى اليوم من وجهة نظري.

تم الاتفاق مع البنك الدولي لتمويل إعادة الإعمار لكن لا جديد، فما هي العقبات المسببة لتوقف التمويل؟

كان اتفاق البنك الدولي مشروط بعدة إصلاحات تكون في صالح المواطن اللبناني، لكن الدولة لم تلتزم بأي من هذه الإصلاحات بل بالعكس فهي تسعى جاهدة من أجل المراوغة من تنفيذها، فلم نرى إلى وقتنا الحالي خطة جادة في إصلاح الأزمات المتعلقة بالطاقة والكهرباء وغيرها من الخدمات المطلوبة حيث أن المواطن بلبنان في أمس الحاجة لها.

ما زال المنصب الرئاسي في لبنان شاغرًا ومجلس الوزراء لا يتمتع بكامل الصلاحيات فهل برأيك أن هذا سببًا أساسيًا في بطء عملية الإعمار أم الركود الاقتصادي وارتفاع نسب التضخم هو السبب؟

من المؤكد أن شغور المنصب الرئاسي يؤثر على الدولة بشكلٍ عام لكنه ليس السبب الرئيسي في كل هذه الأزمات أو بالأخص البطء في الإعمار، حيث أنه من المعتاد بلبنان وجود محدودية في الصلاحيات الرئاسية مقابل الاتساع في صلاحيات مجلسي الوزراء والنواب.

وكذلك الركود الاقتصادي وارتفاع نسب التضخم ساهم في توغل الأزمات بالبلاد وهو يرجع بالأساس لسياسة البنك المركزي اللبناني والتي اعتمدت على مدار 30 عامًا، ومن المؤسف أنه بعد معاناة الدولة اللبنانية من انهيار اقتصادي كبير لم نجد جدية في البحث عن خطة تكون كزورق النجاة ليأخذ الاقتصاد اللبناني إلى بر الأمان، مع العلم بأنه بحلول الصيف أي في هذا التوقيت تحديدًا يكون هناك نوع من أنواع الحركة الاقتصادية تبعًا لإقبال السائحين فينتج عن ذلك حركة مالية من خلال عمليات البيع والشراء، ويُتوقع عادةً توغل الأزمة الاقتصادية بانقضاء هذه الفترة.

بمناسبة حديثنا عن الاقتصاد فقد وردت بعض الأخبار في مارس الماضي عن أزمة حانقة دفعت الكثير من المحال لإغلاق أبوابها، ولجأ البعض الآخر لبيع السلع بالدولار، فهل هذا حدث بالفعل؟

هناك شقين بهذا الاستفسار أحدهما ليس صوابًا والآخر صحيحًا، الشق الخطأ هو إغلاق المحال لأبوابها فنحن كمواطنين لبنانين لم نلمس هذا على أرض الواقع بل إن الأمر يسير كالمعتاد وهناك محال تفتح لتُسير رزقها، أما الشق الصحيح فهو تسبب التدهور الاقتصادي في انخفاض قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار وهذا أدى إلى تحول بعض التعاملات المالية إلى الدولار وتسعير البضائع في السوق اللبناني بالدولار، فلكم أن تتخيلوا وصول قيمة الليرة اللبنانية إلى 88 ألف مقابل الدولار.

 

حدثينا “فالنتين” عن قيام منظمات المجتمع المدني بدورها فهل يشعر المواطن بدعمها أم هناك غياب لمهامها؟

لم تتهاون منظمات المجتمع المدني في دورها بأي وقت، بل إنها في ظل غياب الدولة وإهمالها لبعض المتطلبات تضطر هذه المجتمعات والجمعيات أحيانًا للقيام بعض الأدوار الغير ملزمة بها، وتحمل على عاتقها مهمة سد بعض الثغرات المجتمعية.

عندما حدث انفجار المرفأ تضررت صوامع تخزين القمح والحبوب بشكلٍ كامل تقريبًا كما ذُكر، وبما أن الصوامع ما زالت مدمرة كما هي فهل ما زال هناك أزمة في توافر هذه السلع الأساسية بالنسبة لأي مواطن؟

تضرُر صوامع تخزين القمح والحبوب لم تسبب بمشكلة كبرى في توافر هذه السلع والسبب في ذلك هو وجود صوامع أخرى بطرابلس شمال لبنان تستعين بها الدولة لتلبية احتياجات السوق، وإذا تحدثنا عن السبب الأكبر في العرقلة التي أصابت البلاد عقب الانفجار فهو برأيي السعي الحثيث من قِبل المسؤولين لرفع الدولار.

 

بما أن المرفأ يعمل بشكل جزئي تبعًا لتضرر حوالي 80% منه وهو ما أثر بالتأكيد على إيرادات المرفأ فهل تعتقدي زيادة الإيرادات إذا تم الإعمار بالفعل؟

اعتقد أنه من المؤكد زيادة إيرادات المرفأ بعد الإعمار لكن من المهم الأخذ بعين الاعتبار وجود عدد من الشركات الخاصة المطلة على المرفأ حتى من قبل وقوع الانفجار، وهذه الشركات تابعة لسياسيين ورجال أعمال يتمتعون بحرية مطلقة في طرق الكسب وتتاح لهم كافة السبل لتأمينهم من القانون والمحاسبة، لذا فإن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول المرفأ وكذلك تُسطَر حوله العديد من قصص الفساد.

مرفأ بيروت بعد وقوع الانفجار بات له رمزية وطابع خاص عند الشعب اللبناني، فهل الشعب يميل للإعمار لإعادة الروح إلى المدينة الجميلة ولاستعادة عمل المرفأ بشكل كلي أم أن الشعب ضد الإعمار لتظل هذه الذكرى حية في الأذهان؟

نسبة كبيرة من المواطنين مع الإعمار بشرط الحفاظ في نفس الوقت على ذكرى الانفجار لقدسية أرواح الشهداء الذين راحوا ضحية هذا الحدث المؤلم، ومن جانب آخر هناك ثلة من الناس يتعجبون من فكرة الحفاظ على ذكرى الشهداء دون السعي لأخذ حق دمائهم التي هُدرت ويرون أنه من الأحرى لتخليد ذكرى هؤلاء الشهداء هو أن تأخذ العدالة مجراها لترجع حقوق مَن ضحوا بأرواحهم ومعاقبة المسؤولين عن وقوع الانفجار والتوصل إلى أسباب الحقيقية لحدوثه.

 

دعينا “فالنتين” ننتقل للجانب القضائي فحسب ما توارد إلى أسماعنا عبر الأخبار أنه بعد الانفجار توقفت التحقيقات أكثر من مرة فما مصير التحقيقات بشأن المرفأ الآن؟

إقرأ أيضا
أسوان

يحزنني أن أقول أنه ما زالت التحقيقات في حالة من الثبات فلم تتقدم خطوة للأمام وذلك بسبب محاولات صد سير التحقيق المحلي اللبناني بشأن انفجار المرفأ عدة مرات، فبدأت المطالبات من أهالي الضحايا بالسعي لتحقيق دولي أملًا في شفاء صدورهم بمعاقبة المتسببين في فقدان ذويهم.

لماذا لم يتم الإفصاح عن المسؤولين أو المتسببين في الانفجار أو الإثبات بالأدلة على أن كميات نترات الأمونيوم المخزنة في المرفأ هي السبب في الانفجار؟

لقد تم الإعلان عن المسؤولين المباشرين في وقوع الانفجار وكان من بينهم وزراء ونواب وعدد من الشركات الأجنبية وبعض رجال أعمال سوريين، لكنه لم يتم اتخاذ أي خطوة قضائية ضدهم بتوقفيهم أو التحقيق معهم حتى الآن، ولذلك لم تُحسم المسألة القانونية بشأن الانفجار بعد، كما يرجع ذلك أيضًا إلى إقصاء القاضي طارق البيطار الذي كان يطالب باتباع مثل هذه الإجراءات الحاسمة.

 

ما قد يجعلنا نقف قليلًا في مسألة عدم محاسبة المسؤولين هو دراية بعضٍ منهم بشأن كميات نترات الأمونيوم المخزنة وأنهم كانوا على علم بمدى خطورتها؟

هذا الأمر يتوقف بالدرجة الأولى على تبعية هؤلاء المسؤولين لعدد من الأحزاب والطوائف التي تقوم بحمايتهم، كما أنهم رفضوا المثول أمام القضاء رفضًا قاطعًا، ولن يتجرأ أحد على مطاردتهم قانونيًا بسبب ظل الحماية الحزبية أو الطائفية الذي يحتمون به.

برأيك “فالنتين” هل تعتقدي أنه لا جديد وستنتهى التحقيقات بشأن الانفجار مثلما انتهت سابقًا في الكثير من حوادث الانفجارات والاغتيالات دون محاسبة المسؤولين أو الوصول إلى الأسباب على أقل تقدير؟

نعم، قد لا نصل إلى نتيجة ملموسة وهذا يرجع إلى أن القضاء اللبناني مُسيس، وهذا لا يعني بالتأكيد إنكار وجود بعض القضاة الشرفاء لكنهم وللأسف يمثلون قلة قليلة في مقابل شريحة عريضة من القضاة المستخدمين لصالح سياسيين ورجال من الدولة، ما يجعل الأمر صعبًا في تجلي الحقائق من خلال تحقيقات شفافة وعادلة، ومن الواضح أنه ليس هناك نية من قِبل الساسة بلبنان لاستكمال التحقيقات بشأن انفجار مرفأ بيروت بل يسعون سعيًا حثيثًا للتستر على هذه المسألة وإغلاق هذا الباب.

 

كان هذا الحوار نابعًا من شعورنا الدائم للانتماء لهذا الوطن العربي بأكمله دون النظر إلى الحدود التي بمثابة السراب بالنسبة لنا كعرب، ونأمل للبنان الشقيقة بتغيير قريب يشع منه نور العدالة حتى تُخَّلد ذكرى الانفجار برائحة الانتصار لأرواح الشهداء.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان