لحظة غضب.. مش سامع الموعظة أصل المزيكا عالية
-
منار خالد
ناقدة سينمائية مصرية
لحظة غضب هو عمل درامي مكون من “١٥ حلقة” تم تقديمه في النصف الأول من شهر رمضان، من تأليف “مهاب طارق”، وإخراج “عبدالعزيز النجار”
تناول العمل ثيمة درامية شهيرة للغاية (قتل زوجة زوجها) ولكن يكمن اختلافه في طريقة الطرح والتناول، ولو تتبعنا الأمر منذ بدايته، نجد أن سبب ارتكاب الجريمة ليس بفضل عنف قوي من قِبل الزوج، بينما هو مجرد تعليق سلبي على فستان زوجته، يبدو الأمر هزلي إلى حد كبير وهذا ما اتبعه المسلسل بالفعل كأسلوب عرض الثيمة، ولكن قبل الهزل، ظهرت إشارات واضحة بأن الزوجة محملة بالكثير من مشاعر الغضب بسبب معاملة الزوج لها، وصلت بها إلى الكوابيس، ومنها وعلى مستوى الهزل يظهر تصرفه منزه من أي عنف كما اعتادت الدراما أن تظهر مبرر للقتل بسبب الخيانة أو التعنيف، ولكن هو في الوقت نفسه يحمل العديد من التعنيف، لكنه تعنيف نفسي، وليس جسدي، ويعتبر هذا التناول في ذاته هو نقطة الاختلاف الأولى لهذا العمل، المستثني للصور الذهنية الاعتيادية لما سبقه من تاريخ طويل في الدراما.
وعن الهزل، يأتي في المقدمة وكأسلوب خاص بالعمل للتخفيف من وطأة الحدث، فمثل تلك الأحداث كما هو متعارف عليه عادة ما تكون داخل سياق تراجيدي بحت، وكافة العناصر المصاحبة أيضًا تساعدها على ذلك، والتخفيف من تلك الوطأة يتضمن مفاد في تخفيف ذنب القتل من على عاتق البطلة، بل يسير بها ليصل قبل النهاية قليلًا بوصفها بطلة ناجحة وليست مذنبة، أي يتوجه المسلسل لعدم ادانتها، بقدر التركيز على رحلتها كسيدة من وإلى.
-رحلة استقلال البطلة
من “يمنى/ صبا مبارك” تلك الشخصية المترددة الخائفة، بسبب تقليل الزوج منها دائمًا إلى تلك الناضجة التي تساعد أخريات في التخلص من أزواجهم، تخوض البطلة رحلة استقلال كاملة منذ ليلة القتل واستكشافها لقدرات كامنة بها لم تتعرف عليها من قبل، سواء في موقف التخلص من الجثة، أو الثبات الانفعالي أمام أهل الزوج والنيابة التي تحقق بالقضية، كما يتتبع العمل رحلتها أيضًا مع صديقتهاً “نيرة/ ناردين فرج” التي تظهر في البداية كشخصية قوية مساندة ليمنى في أزمتها، مؤكدة لها أنها لم ترتكب جرمًا، لأنها سبقتها وتخلصت من زوجها عن طريق السم ولم ينكشف سرها حتى اليوم، وبعد أن تستمد يمنى منها جرعة شجاعة تدفعها خطوات للأمام في رحلتها، يظهر المسلسل جانب نيرة الخفي، نحو كذبها في قضية قتل زوجها، فهو مازال على قيد الحياة، ومن هنا تبدأ الدراما في اتباع أسلوب أشبه باللعبة المتأرجحة داخل البناء الدامي، حيث معلومة يصدقها الجميع والمُشاهد، وكذلك نيرة التي تتوحد مع حكايتها درجة تصل إلى وصف مشهد قتلها لزوجها تفصيليًا، ثم بصدمة للمُشاهد بحقيقة بقاء الزوج على قيد الحياة، لا تقل عن صدمة نيرة ذاتها عند مواجهتها التامة بالحقيقة.
ومنها يتضح الأمر بصورة أكبر، فكل ما قدمته نيرة ليمنى لم يكن بدعم ومساندة في موقفها، بقدر كونه تعويضًا عما فشلت هي في تحقيقه، وكأنها تحيا داخل حيوات الأخريات، وتتوحد مع كذبتها كي تستطيع الاستمرار.
لم يظهرها مسلسل لحظة غضب بكونها كاذبة مدعية، بقدر التعاطف معها، وتسببها في نمو شخصية يمنى في رحلة استقلالها، بجانب شخصية الجار “آسر/ علي قاسم” المبتز ليمنى بسبب معرفته بحقيقة قتلها، ولكن لم يستغرق العمل كثيرًا في وصفه كونه مبتزًا، وسرعان ما يكشف كونه ضحية ابتزاز شخص آخر، ولكن بالمهام التي يمليها على يمنى يساعدها في صقل رحلتها بالخبرات نحو تحقيق استقلال كامل وتحول واضح في الشخصية.
ومنها يكون العمل متناولًا لكافة الوقائع التي من الممكن أن تصنفها مجتمعات وقوانين “جرائم” بصفتها مواقف نابعة من نفوس بشرية مضطربة، لها أبعادها وأسبابها البعيدة عن الإدانة الكاملة.
-الموسيقى والأغاني
لذلك اتبعت موسيقى لحظة غضب حالة أشبه بـ “الديالكتك” وذلك التنافر بين الأحداث الساخنة من قتل وإخفاء جثة، المصاحبة لموسيقى خفيفة تنم عن مفارقة كوميدية أكثر من وصفها ذنبًا كبيرًا، ليس فقط للتخفيف من وطأة الحدث، بينما لتقديم تلك الرؤية المتتبعة لحياة امرأة قاتلة بسلاسة دون أحكام بالعقاب من قِبل العناصر المصاحبة للصورة، ليظهر العمل في مجمله كجريمة لايت كوميدي.
وكذلك استخدام أغنيات “دنيا وائل” وكلمات اغنية تتر المسلسل “هي كام حاجة مش متشافة” كتوضيح تام أن المسلسل معني بالأساس بتلك الرحلة الخاصة بـ “هي” البطلة، وتلك التخبطات المختلطة داخلها، لا يراها أحد، علاوة على تهميش زوجها لها، ومنها سنتتبع قرارها في التغيير النابع من “لحظة غصب” وإلى أي نقطة ستصل.
وكذلك أغنيات أخرى في مواقف بعينها للمطربة نفسها تحمل جملًا مثل “حياتك بقيت مسرح جريمة مش مسموح حد يبقى فيها، مجمد نفسك عامل فيها شجيع السيما بس جوا قلبك محفور أسامينا وأنا، أنا ارتكبت جريمة بس بصماتك على السكينة” في لحظات استبصار كاملة لفعلة البطلة، لكنها متحررة من تلك القيود فيؤكد شريط الصوت بتلك الكلمات أنها واعية لما فعلت، لكنها تتخذ مواقف أكثر شجاعة بسبب ارتكاب تلك الجريمة، ولزيادة التأكيد أكثر تصاحب بعض المشاهد أيضًا كلمات “أنتهى صلاحية العسل، طاقتك كافية تحسسني بالفشل” فهي غير نادمة على فعل القتل مطلقًا، لكنها أيضًا غير مدبرة له لأنها ليست مجرمة، بل محاولة إنقاذ نفسها من هذه الطاقة التي كانت تشعرها دائمًا بالفشل، وربما جملة “مش سامع الموعظة أصل المزيكا عالية” الموجودة في الأغنية نفسها، وبخلاف ترابطها مع الموقف الدرامي، إلا أنها تتسق كليًا مع موقف العمل نفسه من “الجريمة” ذلك العمل الذي لا يهتم بالموعظة، لأنه معني بتفاصيل أخرى، والمزيكا جملة وتفصيلًا عالية ومسيطرة على الحدث، ومكملة له.
-نهاية غير متسقة
هناك دائمًا أقاويل نحو نهايات المسلسلات وبخاصة هذا العام، تدعم أن النهاية في لحظة غضب جنت على سياق العمل بأكمله بالفشل، أو ربما بتحطيمه، وهذا ما حدث بالفعل مع نهاية مسلسل “لحظة غضب” حيث تم إلقاء القبض على يمنى وحبسها لمدة ثلاث سنوات، بالفعل هي لم يُحكم عليها بالإعدام أو تطبيق القصاص والخلاص فهي مازالت حية، وربما رأى صناع العمل أن ذلك يتسق مع الطابع الهزلي القائم عليه المسلسل بأكمله، لكنه لم يتحقق بشكل متسق كليًا كباقي العناصر ووفقًا لكل هذه التأسيسات السابقة المتحررة تمامًا من أي إدانة، والتي كانت تنتظر نهاية أكثر هزلًا خارجة عن حدود المنطق، لا عقاب فيها مطلقًا، ودون البحث عن مبرر لما قدمه المخرج من نهاية بها شيء من الإدانة ك”إستايل” لم يتبعه في بناؤه بأكمله والخوف من موقف المشاهد المصري غير المعتاد على ذلك الكم الهائل من الهزل، ومراضاته بنهاية تقف في منطقة أمان، وإضافة مشهد لمجموعة سيدات في زيارة ليمنى بالسجن يتخذونها قدوة يسألونها عن طريقة التخلص من أزواجهن، كمشهد يعيد من جديد الحس الهزلي للعمل، ولكن كل تلك التفاصيل التي تم كتابتها لتوازن النهاية، لم تعيد التوازن كليًا، على الرغم من أن النهاية كادت أن تبقى متسقة تمامًا إذا حدث تحرر كامل من عبء التلقي من قِبل الجماهير، والسير على منوال السرد المطروح منذ الحلقة الأولى، بكل ما تضمنه العمل من عناصر،
مع الأسف لم يتحقق ذلك للنهاية، ولكنه لا ينفي أيضًا تلك المحاولة في التحرر من تابوهات كثيرة وطرق الطرح المعتادة لمثل هذه الموضوعات.
الكاتب
-
منار خالد
ناقدة سينمائية مصرية