لغة المواجهة في شعر فاروق شوشة.. انتماء ووجوه متعددة
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عرف الجَمهور الشاعر والإذاعي الكبير فاروق شوشة من خلال صوته العذب الراقِِ عبر أثير الإذاعة المصرية مع أولى برامجه ” مع النقاد ” بإذاعة البرنامَج الثقافي التي كان يرأسها الكبير سعد لبيب آن ذاك، لم يكن “شوشة” فقط مجرد إذاعي فهو شاعر كبير له إسهامات أدبية ومقالات خالدة جعلته أحد حراس العربية خلال القرن الماضي .
شوشة من قرية الشعراء فكان له من اسمها نصيب
فاروق شوشة من قرية الشعراء القريبة من نهر النيل ومن سد العنانية الذي يفصل بين المياه العذبة والمياه المالحة وهي قرية زراعية تزرع المحاصيل الاعتيادية في الوجه البحري كالأرز والذرة وغيرها من المحاصيل .
حفظ القرآن الكريم في سن صغيره كغيره من أبناء القرى ومن هذه الطبيعة التي ذكرناها استمد رقته ونُبله المشهور بهما، كما استمد رحمته بطلاب العلم والمحبين له، وانعكس ذلك في خامة صوته كإذاعي، فصوته معشوقًا لدى ربات البيوت وأصحاب المقاهي من خلال تجربته عبر أثير الإذاعة المصرية و برنامَج” لغتنا الجميلة” كان صوتًا أنيسًا وملهمًا ليس للمصريين فقط بل للعالم العربي أجمع .
“شوشة” أحد صناع الوجدان المصري الحديث فهو من الشعراء المحلقين بجناحيه كونه مطلع بشكل كبير على التراث الجديد المعاصرة لذلك فهو يكتب القصيدة العمودية المتكأة على ما لديه من تراث، والقصيدة الحرة التي تعبر عن ذاته الشاعرة.
يقول “الشاعر عبد المعطي حجازي” عن تجرِبة ” شوشة”: ” هو شاعر يمتعنا في كل قصيدة يمزج فيها بين ما نعرف وما لا نعرف يذكرنا بالذي نسيناه من هذا الفن فنغنيه معًا، ثم يتلوه بالجديد الذي نقف أمامه مبهورين هذه الحرية التي يتمتع هذه الحرية التي يتمتع بها فاروق شوشة لها ثمنها وثمنها أن يكون صوتًا لبلاده وصوتًا لزمنه وبمعنى آخر لغته ناطقة بحال المجتمع عبر وعي مركَب بالأحدث” .
قدم” شوشة” ديوان “الجميلة تنزل إلى النهر “؛ وهو ديوان مكون من عشر قصائد احتوى الديوان على عشر قصائد طويلة، يتضح فيها صوت الوطن، وأزمة الشاعر النفسية، إزاء ما يحدث في فلسطين المحتلة، وفي العراق، وفي أماكن شتى من الوطن العربي والإسلامي، استطاع من خلال هذا الديوان أن يربط بين الذاتية الفردية وذاتيته القومية، فالأصل في التجربة الشعرية والشعورية لفاروق شوشة تعتمد على فكرة ” الانتماء”.
واهتم ” شوشة” بالجماليات؛ جماليات اللغة العربية مصحوبة بالقضايا والانفعالات الإنسانية كما في ديوان” يقول الدَّم العربي”و استفاد من اللغة الصوفية حيث يرصد في كتاب هام التجليات” وهو” أحلى عشرين قصيدة في العشق الإلهي، بالإضافة إلى الاستفادة الهامة من التراث من خلال التناص الواقع في شعره فجاء في بنية تظهر الواقع وأبعاده.
سأذكر بارقة من حنين
أضاءت بقلبي فراغ السنين
وأذكر موجة حب دفين
تداعب أحلامنا كل حين
وتطفو على صفحات العيون
سأذكر ما عشت هل تذكرين.
كما كتب لنا بعض الأغنيات التي غنتها الفنانة” ميادة الحناوي” و لحنها الكبير “محمد الموجي”، ومن كلماتها
عبتني في هـواك
قيدتني في خطاكَ
ألقيت حولي شباكا
أنــىّ اتجهت أراك
تصيبني فـأذوب
يا غائبــاً لا يــغـيـــبُ
يا قــلبُ رفقـًا فأني
قد حار في الحب ظني
بين الأسى والتمـــــني
أشكو حبيبي وأشكو
لكنني لا أتـوب
يـــا غائـــــبًا لا يــــغيب
أغنية” و اتجمعنا تاني يا قمر” التي تغنت بها صباح، ولحنها “محمد الموجي”، ومن كلماتها :
معقول يا محبوب ما يطل القمر
معقول ما نشوف الشمس بنهارنا
معقول يفنى الكاس ويدوب الوتر
معقول تدبل بالجبل أزهارنا
بس مش معقول ساعة من الزمان
ننساكي يا مصر من أفكارنا
يابا
لغة المواجهة
تقترب لغة” شوشة ” من المواجهة وهذا ما نراه واضح في قصيدة “يقول الدَّم العربي” التي يقول فيها “أخيرًا/ يقول الدَّم العربي: تتساوى الماء/ أصبحت : لا لون / لا طعم / لا رائحة !أخيرًا .. يقول الدَّم العربي:رخصتم وأرخصتموني/أسيل.. فلا يتداعى ورائي النخيل/ ولا ينبت الشجر المستحيل / ولا يتراءى السبيل/أسيل ..أروي الشقوق العطاش / وأسكب ذاكرتي للرمال، فلا يتخلف وجه المليحة /أو وجه فارس المستطار.
كما ظل ” شوشة” عبر دواوينه المختلفة محافظًا على تقاليد الخطاب الشعري لجيل الستينيات المتكأ على توظيف الأقنعة التراثية واستحضار أبطال العرب من قلب التاريخ ومن لنماذج التي كتبها شوشة في هذا النسق قصيدة” القصيدة الرعد”التي يقول فيها:
كان بين القصيدة والرعد ثأر قديم
كلما نزفت يومها دمًا
لاحقتها شباكه بالغبار الرجيم
فتهاوت على درج الأرجوان
ودافئة همها في انعقاد الغيوم
القصيدة باكية تستجير
وللرعد مطرقة وزئير
ودمدمة
وفضاء حميم
الشاعر الكبير فاروق شوشة لديه مقدرة فائقة على تصوير وتجسيد الشخصيات داخل نصوصه فاستطاع بجدارة رسم الملامح والسمات النفسية الشخصية للشخصية تمثل تجرِبة الشاعر مستحضرًا أمات مختلفة ومؤثرات عديدة.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال