همتك نعدل الكفة
3٬756   مشاهدة  

لماذا سقط الكسار وظل الريحاني على العرش؟

الريحاني


في العشرينات والثلاثينات كان شاع عماد الدين مسرحاً لواحدة من أشرس المعارك الفنية في تاريخ المسرح المصري، معركة كان طرفيها قطبي الكوميديا في مصر في ذلك الوقت بربري مصر وكشكش بيه عمدة كفر البلاص، على الكسار ونجيب الريحاني وفرقتيهما، والصراع على عرش الكوميديا في مصر بينهما كان على أشده.

لم يقتصر الصراع على شباك التذاكر والنجاح الجماهيري، بل كانت افيشات المسرحيات بينهم عباره عن ردح فني متبادل، هذا الردح كان يصب في مصلحة الجماهير حيث تلقوا جرعة من الكوميديا ربما لم ينتجها المسرح المصري من قبل أو من بعد، وانتعشت الحالة المسرحية المصرية أكثر وأكثر فكانت العشرينات والثلاثينات في مصر هي بحق مرحلة النمو المسرحي في مصر.

الغريب في الأمر أن كلاً من الريحاني والكسار بدأ صراعهما بنفس الطريقة، كان الريحاني قد ابتكر مع بديع خيري شخصية كشكش بيه عمدة كفر البلاص لتحقق نجاحاً كبيراً في المسرح ليبتكر الكسار شخصيته الوحيدة عثمان عبدالباسط، النوبي خفيف الظل، وكأنما كل شخصية منهما تحولت إلى سيف، ليمسك الريحاني بكشكش ويمسك الكسار بعثمان ويتبارزا.

الريحاني

حتى هذه اللحظة كان الصراع سجال، يفوز أحدهم في جولة ويفوز الأخر في التالية، هكذا دائرة مغلقة، ولم يستطع أحد من نجوم المسرح الكوميدي في تلك الفترة مثل فوزي الجزايرلي أن يقتحم دائرة الصراع بين القطبين، ولكن فجأة ظهرت انفراجه في الصراع وبدا كأنه حسم، كانت تلك الانفراجه هي السينما.

كان الكسار أسبق للدخول لعالم السينما عن الريحاني، الكسار الذي قدمه فيلمه الأول بعنوان الخالة الأمريكانية 1920، ولكن هذا الفيلم لم يحسم الصراع، إلا أن النجاح الأول كان عام 1935 حينما قدم الكسار شخصيته عثمان عبدالباسط في فيلم بواب العمارة.

على جانب أخر كان بين الريحاني والسينما ما صنع الحداد في البداية، الظهور في فيلم باسم (جحا) جاء متأخرا عن خالة الكسار الأمريكانية بسنوات حيث ظهر الريحاني في السينما عام 1929، لم ينجح الفيلم وفق المراجع القليلة التي ذكرته، فذهب إلى شخصيته الناجحة كشكش بيه ليقدم فيلم صاحب السعادة كشك بيه عام 1931، ولكنه لم ينجح ليعاود الكره عام 1934 بفيلم حوادث كشك بيه ولكنه أيضا فشل، لتتشكل عقدة الريحاني من السينما.

بعد عام 1935 كانت النجومية والنجاح هما حليف شخصية عثمان عبدالباسط التي قدمها الكسار في السينما في عدة أفلام، ليكون نجم الكوميديا الأول في السينما المصرية، اما الريحاني فكان يتعثر في السينما حتى مع الفيلم الفرنسي ياقوت عام 1934 وفيلم بسلامته عايز يتجوز عام 1936، كان الفشل حليفه ليصرف الريحاني نظره عن السينما تماما، ويتركها للكسار ليهنأ بها.

في تلك اللحظة ظن الجميع أن المعركة حسمت بالفعل، الكسار ربح العرش منفردا، ولكن فجأة تغير كل شيء، وبدأت كفة الميزان تتحول، حينما ظهر نيازي مصطفى، الذي تذوق معه الريحاني لأول مرة النجاح السينمائي الكبير بفيلم سلامة في خير، في حين ذاق الريحاني السقوط الأول مع فيلم الساعة 7.

الريحاني

ولكن الريحاني فعل أخر شيء تخيله أحد، ترك الساحة السينمائية للكسار 4 سنوات كاملة، وكان على الكسار أن يستغل الفرص ويقدم كل ما هو جديد، ولكنه تمسك بشخصية عثمان عبدالباسط كتمسك الطفل بملابس والدته في سوق مزدحم، ولم يبارحها قط، ليعود الريحاني الذي لم يعرف طعم الفشل السينمائي في كافة تجاربه التالية، بينما كانت الأضواء تخفت تدريجيا عن الكسار، لينزوي ويعتزل بينما الريحاني يتسيد العرش.

ولكن لماذا انزوى الكسار وتسيد الريحاني؟ الإجابة ببساطة الاختيارات، الريحاني كان متنوعا في ادواره السينمائية، صحيح أنه قد يبدو للوهلة الأولى أنه تمسك هو الأخر بشخصية الموظف الأمين المطحون، ولكنه من تلك الشخصية استطاع ان ينتج قماشه واسعة للغاية تحرك فيها بحرية تامة.

إقرأ أيضا
مهرجان الاسكندرية للفيلم القصير

في الوقت الذي كان الريحاني يقترب فيه من رجل الشارع، كان الكسار يبتعد عنه، يكفي فقط ان ترى أسماء أفلام الكسار، نور الدين والبحارة الثلاثة وعلى بابا والأربعين حرامي، في الوقت الذي كان يقدم فيه الريحاني أفلام مثل لعبة الست وأحمر شفايف وسي عمر، الأفلام التي كانت بالفعل شخصيته التي يؤديها فيها قريبة لرجل الشارع، وهو الامر الذي حمل الريحاني سريعا إلى القمة.

وأيضا شكل الكوميديا التي يقدمها الريحاني والتي يقدمها الكسار، الكسار لم يهتم ان يخلق مدرسة كوميديا، بالطبع فهو أخذ من شخصية واحدة سلاحاً لم يطورها أو ينوع فيها، والفكرة في الأساس التي انتجت عثمان عبدالباسط كانت تقليد لفكرة الريحاني في كشكش بيه، فكشكش بيه كان نموذج للرجل الثري الساذج في نقد صريح وواضح لطبقة الأعيان، بينما كان عثمان عبدالباسط شخصية خلقت لتنتقد هي الطبقات الأعلى منها وهي جرأة من الكسار بالطبع، ولكن أن تستمتع للنقد شيء وأن ترى الأفعال التي تقدمها الشخصيات التي يتم انتقادها شيء أخر، شخصية عثمان ظلت كما هي منذ نضجها على المسرح ونقلتها للسينما لم تتغير الشخصية قيد انملة، وقم بنفسك بإجراء تجربة، وتوقف أمام أي مشهد للكسار في أي فيلم وأتحداك أن تعرف من أداء الكسار وحده اسم الفيلم فأداءه واحد في الأفلام كلها، بينما إذا قمت بنفس التجربة مع الريحاني ستجد الوضع مختلف تماما، ستدرك جيدا على أي فيلم تتفرج وتشاهد.

ولان الكسار كما ذكرنا سلفا لم يهتم بخلق مدرسة كوميديا خاصة به مثلما فعل الريحاني، ذهبت فرقة الكسار ادراج الرياح وذهب معه تاريخه المسرحي، أما الريحاني صاحب مدرسة الكوميديا شديدة الخصوصية ظلت فرقته راسخة ثابته حتى بعد وفاته، بنجومها قبل أن ينعشها عادل خيري، لتصاب بالصدمة بعد وفاته، ولكن فريد شوقي يعود وينعشها مرة أخرى ويعيد إحياءها.

حتى فؤاد المهندس تأثر بالريحاني في شكل شخصية الموظف الساذج البسيط الأمين النقي وقدمها في العديد من الأفلام، بينما لم يتأثر أحد بالكسار، ولولا أفلامه لما عرفنا يوما أن هناك فنان كان يدعى على الكسار، اما أسوأ ما في الامر أن الكسار قادرا وبسهوله أن يتربع على العرش لو كان فقط تخلص من عثمان عبدالباسط، ولكن التاريخ حسم المعركة، ليسقط الكسار ويعتلي الريحاني العرش دون منازع.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
7
أحزنني
1
أعجبني
15
أغضبني
2
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان