لماذا صعد مسلسل ريا وسكينة إلى التريند بعد ثمانية عشر عامًا ؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وفيها ريا وألاضيشها .. موال جرحها وخربشها .. وفيها سيد درويشها .. لونها بالصوت والمنظر .. الصبح جنية ميّة .. والضهر سمكة بلطية .. والعصر ناعمة ولعبية، والليل عريسك يا عروسة .
كان الفاجومي أحمد فؤاد نجم يكتب تتر مسلسل ريا وسكينة “اسكندرية المحروسة” والذي غنّاه الفنان ثقيل الموهبة خالد عجاج .. وفيه وضع “نجم” خريطة جغرافية شاملة للإسكندرية يمكنها أن تصبح مرجعًا لكل من قصد اسكندرية، لكن أهم ما معنى وصف احمد فؤاد نجم اسكندرية كان في أغنيته مع الشيخ امام “يا اسكندرية بحرك عجايب” .
وإحدي هذه (العجايب) أن يعود مسلسل تحكي قصة عن عصابة تقتل (النسوان) في الإسكندرية بعد إنتاجه في عام ٢٠٠٥ إلى تريند جماهيري بدون سبب واضح، فما الذي يجعل مسلسل ريا وسكينة التريند الأول في الاهتمام والمشاهدات بعد كل هذه السنين ؟
ريا، وسكينة، وعبد العال، وعبد الرازق، وعرابي، وعديلة الكحكية، وأمينة بنت منصور، ومحمد خفاجة، وأبو العلا، ومحمد علي القادوسي، وزنوبة، وخضرة اللامي، وأنيسة .. إلخ . وكل تلك الشخصيات التي عادت إلى الواجهة وأصبحت تتردد على لسان أجيال جديدة وشرائح جماهيرية متجددة، وعلى عكس حركة آلة التريند التي تعتمد نظرية الإغراق في التسويق، فتجد مثلا صفحات فيسبوكية رياضية لكنها تروج للمسلسل الفولاني، وتجد صفحات شبابية خاصة بالموضة أو العلاقات العاطفية لكنها تروج فجأة للمسلسل العلّاني، ما يجعلك كمشاهد غارقًا في المسلسل فلا فكاك منه أينما ذهبت .. لكن أن يذهب الجمهور بإرادته لمسلسل سبق إنتاجه قبل انتشار الفيسبوك نفسه، فيجب أن نقف هنا ونسأل .. ما الذي حدث؟ ماذا حصل كي يصبح إفيه قاله فنان في مسلسل مرت عليه السنين هو الإفيه رقم واحد، ولا هاه؟
اشتاق الجمهور لمسلسل من النوع الثقيل، أي أن الشخصيات التي أخرجها المؤرخ والكاتب الكبير صلاح عيسى إلى الأوراق، وغزلها السيناريست مصطفى محرم غزلًا منضبطًا، بلا قشرية ولا تسطيح ولا أحداث خفيفة منزوعة الدسم التاريخي والاجتماعي، هذا ما يجعل الجمهور يذهب سعيًا إلى مسلسل يضعهم في قلب الحدث لا يمر عليهم مرور الكرام .. ناهيك طبعًا عن إتقان الفنانين لأدوارهم، بما فيها البُعد الكوميدي أحيانًا، والذي لم يخل بشخصية مثل عبد الرازق الذي مثله الفنان صلاح عبد الله الذي جاء كقاتل خبيث وسخيف لكنه ومع كل ذلك استطاع أن ينتزع منك الابتسامة .. ولّا هاه ؟
اقرأ أيضا…فيلم شفت مسائي حلقة يدور فيها جيل بأكمله
وخذ عندك سببًا مهمًا، وهو اشتياق الجمهور لمشاهدة شخصيات مركّبة، فلا شر جهنمي ولا خير ملائكي، وهذا ما حققه المسلسل، فقد أوضح لك الكاتب والمخرج ما يجعلك تقف على الدوافع الحقيقية لتحوّل هاتين المرأتين لمجرمتين، كما إن الشخصيات أظهرت طبيعتها النفسية التي هي بعيدة عن الأصل والإنسانية في أكثر من موقف بغير القتل، وتحديدًا في موقف اقتراح ريا على سكينة أن يسرقوا المواطنين المقتولين في كفاحهم ضد الاحتلال، في خسة واضحة في تلك الشخصية.
وأخيرًا وليس بآخر هو إن الاسكندرية لك تنفصل عن المشهد، أي إنها لم تكن مجرد مكانًا شهد على أحداث القتل، فكان صناع المسلسل مهتمين جدا باللهجة وتغيرها مع الأحداث، وأسماء وطباع السكندريين، والحالة السكندرية العامة في تحريك الأحداث في خصال وطبائع الناس، وما ساعد على الجرائم، وما ساعد على كشفها في الاسكندرية. وغيرها كثيرًا من الأسباب التي جعلت من المسلسل تريند أول، ودرس لابد أن يقف عنده صانع الدراما الحالي ويسأل، هل ما يصنعه من دراما سوف يهتم به الجمهور بعد عشرة سنوات على الأقل؟
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال