لماذا فضّل المصريون القدماء المكفوفين للاشتغال بالموسيقى؟وكيف تم تدوينها لهم؟
-
خالد سعد
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
«يجب على الموسيقي أن يعيش دائمًا في نفسه، وأن يهتم بتهذيب باطنه حتى يبرزه نقيًا صافيًا، وأن لا يرضى حاسة النظر فالعين شديدة التأثير في الأذن كما أنها تأخذ على النفس مسالكها للظهور»
هكذا يقول الشاعر الألماني «جيتا» عن الكيفية التي لابد أن يتعامل بها الموسيقيون مع أنفسهم، وتفضيل الأذن على العين، فإن أعدى أعداء الموسيقار هى حاسة النظر
يصل الشخص الكفيف في الموسيقى لمكانة عالية، وقد يتفوق فيها على الشخص الطبيعي السليم، وقد يكون فنه أكثر أثرًا وأقوى، وهو ما كشف عنه التاريخ البشري خاصة في القرن الثامن عشر، فقد كان القدماء المصريين يختارون أكثر المشتغلين بالموسيقى من طبقة المكفوفين، ويتضح ذلك بشكل كبير في رسوماتهم العديدة في آثارهم ومعابدهم
كذلك كانت الممالك القديمة الأخرى، كالصين والهند واليونان، تنتقي الشخص الكفيف ليشتغل بالموسيقى، كما كان الحال ايضًا في العصور الوسطى وفي الممالك الأوربية
وهو ما وضع مسألة تدوين الموسيقى على عاتق تلك الأمم حتى لايتم التلاعب فيها والمحافظة عليها، كما كان لابد من تدوينها بطرق خاصة ليستفيد منها الشخص الكفيف، حتى لا يُحرم من مزايا يتمتع بها المبصرون
العازف الأعمي
يقول الباحث الآثري بكلية الآثار جامعة جنوب الوادي «علي سرحان» إن تلك الفئة مارست بعض الأعمال في مجتمع مصر القديمة، فهناك العازف الأعمي الذي يظهر في معظم الحفلات، وها هي المقابر بالدولة القديمة والدولة الوسطى ع، والدولة الحديثة، تمتلىء بمناظر من فقدوا بصرهم من العازفين الذين تميزوا بالقدرة على حفظ الترانيم الدينية والجنائزية والمقامات الموسيقية، وبالإحساس الموسيقي وسجلت تلك المناظر المنقوشة على جدران المقابر والعديد من التماثيل الجيرية الصغيرة في المتحف المصري
كان المصريون القدماء يقدسون الموسيقى وعازفيها
وهو ما نجح فيه أيضا الموسيقى الكفيف «لويس براي» فقد اخترع عام 1839 طريقة لتدوين الموسيقى للعميان، وانتشرت بعد ذلك في أوربا، فقد كان هذا النوع من التدوين مؤديًا للغرض، من حيث تعينه لنوع الضرب والميزان واثباته لجميع الحلي الموسيقية وكل ما يتطلبه التدوين الموسيقى للمبصر
والغريب أن الشخص الكفيف يستطيع قراءة وكتابة العلامات الموسيقية بسرعة قد تمحو الفارق بينه وبين الشخص المبصر، وهو ما جعل الممالك الأوربية، وعلى رأسهم ايطاليا التي تزيد فيها نسبتهم على غيرها من باقي الممالك، فقد وصل العميان فيها على اكبر الفرق الموسيقي المسرحية
وفي ألمانيا توجد مكتبة تحت اسم «المكتبة الموسيقية للعميان» بمدينة كولونيا، تحتوى على العديد من كتب الفن بلغات عديدة، ولايقل فهرس تلك المكتبة عن محتويات فهارس المكاتب الموسيقية الأخرى
وفي مدينة هامبورج، خصصت دار الكتب قسمًا خاص بالمطبوعات الموسيقية للعميان، كما أصدر «فالتر فوجل» بمدينة هامبروح مجلة موسيقية خاصة بهم.ولم تكن هى الخاصة بهم فقط، فقد كان في ألمانيا وانجلترا وفرنسا والنمسا .حسبما ذكر الدكتور «محمود الحفني» في مجلة الموسيقى 1935
الكاتب
-
خالد سعد
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال