لماذا نغني للألم كأننا بلد الـ100 مليون اللي حب ولا طالش؟
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
مهجورًا أو مشتاقًا حتما ستجد ضالتك في الأغنية المصرية، منذ التاريخ الموسيقى الحديث الحب يستحوذ على نصيب الأسد والنمر وكل الحيوانات المفترسة من مجمل الأغاني، وقلة قليلة باقية تتنوع بين كافة الأغراض الأخرى، في هذا النصيب الكبير ستجد أن النسبة الأكبر من الأغاني تتحدث عن موضوعين الهجر والشوق نتيجة الهجر أو الغياب، وكأنما الحب توقف عند كتاب الأغاني في تلك النقطة أو ربما هناك سببًا أخر!
يعكس الفن حالة البشر في مجتمع واحد، فإذا كانت أغلب الأغاني عن فكرة الهجر والخصام والشوق واللوعة، فمعنى هذا أنه ربما يعاني هذا المجتمع من فهم خاطئ للحب، دعنا نجري تجربة عملية سريعة إذا كنت من محبي أم كلثوم مثلا أذكر لي 5 أغنيات ليست من بينهم أنت عمري المشهورة لسبب غير محتوى الأغنية، أول خمس أغنيات يخطرون على ذهنك الآن.
سأضع إجابتي هنا “لسه فاكر/ رق الحبيب/ غلبت أصالح في روحي/ اسأل روحك/ إن كنت أسامح”، لا يوجد بينهم أغنية واحدة بعيدًا عن عذابات الحب والهجر والفراق والشوق، كرر التجربة بينك وبين نفسك على أي مطرب قديما أو حديثا ستجد إن أغلب الأغنيات التي تتذكرها هي تتحدث عن ذلك.
وقياسا على ذلك ستجد أن الأغنية الشعبية مثلًا، في التسعينات وبداية الألفية كانت تسيطر عليها الحالة البكائية، حالة النحيب المتواصل، أي مطرب بالمعني الحرفي لأي مطرب قدم الكثير منها، ومع احتلالها لسوق الكاسيت الشعبي وصالونات الميكروباصات تشنفت أذاننا بالعديد من المآسي الإغريقية التي تغنيها حناجر رمضان البرنس وشفيقة وعدوية وطارق الشيخ، قبل أن يأتي مصطفى كامل ليقلب الميكروباصات لسرادق عزاء.
- قالت لي والدتي إنها في إحدى المرات وكانت عائدة من القاهرة إلى طور سيناء، أنها استمتعت إلى مصطفى كامل طوال ساعات السفر، والتي قضت أغلبها في البكاء على لبن مسكوب حاليا، بل أنها تذكرت قصة حبها القديمة وبكت عليها كما لم تبكي عليها وقت نهايتها.
فكان طبيعي أن تنعكس تلك الطبيعة على كتابة الأغنية، والغريب أنك لم تعد تدرك من فيهم النار ومن فيهم القش، هل تغذي الأغنية تقديس الألم لدينا، أم العكس ما يحدث الأهم أن الحالة باقية وتتمدد، نحب فنتحدث عن ألم الحب، نهجر فنتجرع ألم الهجر، تتم خيانتنا فننتحب على أرواحنا، نلتقي بعد غياب فنتحدث عن مرارة أيام البعد، وكأن أحدهم ألقى تعويذة على كتاب الأغاني وعلينا بشكل عام ألا نرى من الحب غير هذا الوجه.
الغريب أن هذا الوجه من الحب وتلك الأغنيات أصبحت سلمًا لشهرة المطربين، حتى لو لم يقدم سوى أغنية واحدة، مثلا أشهر أغاني هيثم شاكر ” أحلف بالله” أشهر أغاني وليد سعد مطربًا ” سابني وراح يا هوا” إيساف نجم ستار أكاديمي ” زي غيرها”، ربما لا تذكر سيد مصطفى الذي ظهر في برنامج ستار أكاديمي أيضا ولكنك بالطبع ستذكر أغنية ” ماتقلبش المواجع”، بل الأغرب أن هناك مطربين ارتبطت أسمائهم بأغاني الحزن والفراق والهجر والغدر، محمد محيي وحسام عاشور ليسوا بحالات جديدة، فلدينا في هاني شاكر مثال أقدم، وغيرهم الكثير والكثير.
نحن نقدس الألم، هذه قاعدة عامة، نحترم الذين عانوا في حياتهم كثيرا ووصلوا إلى أحلامهم، ونتحسر على الذين يعانوا، حينما نتعرض لحادث أو لمأساة أو ألم نشاركه وكأننا نتحسر على حالنا، ولكننا في الواقع جزء ولو بسيط من ذاتنا يتفاخر بكونه مر بهذا الألم ونجا منه، أيًا كان نوع الألم نفسي جسدي عاطفي، يتفاخر جزء من أرواحنا بذلك كما يتفاخر جندي قديم بإصابات الحرب.
إقرأ أيضاً
كلمات حزينة وألحان مبهجة.. توليفة نجاح الأغاني في مصر
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال