رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
176   مشاهدة  

لهم المال والجمال ولنا الدين.. دا عند أمك

المال والجمال
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



وعدل الأسطى أحمد من وضع التسريحة قبل أن يقول: «ومين بقى اللى قال لك إن الغرب ربنا إداهم المال والجمال وإحنا خدنا الدين؟».

رد الشاب بلا تردد: «أمى».

وكتم أحمد النجار ضحكة كادت أن تنفلت وهو يقول لزبونه الشاب: «أمك امرأة طيبة، ولكن ما أخبرتك به غير صحيح».

وعلى الفور انعقد حاجب الشاب، وتساءل: «إزاى؟ ألم ترَ أن الله وهبهم الدنيا وما فيها؟!».

والتقط الأسطى أحمد الشاكوش الصغير وبدأ في الدق وهو يرد: «دول أوروبا التى تعرفها اليوم غير أوروبا أمس، لقد عانوا وعاشوا عصور في غاية القسوة، ولم يتمكنوا من النجاح غير بعد نضال طويل».

واستغرب الشاب جدًا، وتساءل: »هل عرفت أوروبا الفقر والجهل والطغيان مثلنا؟».

وقال النجار: «بل أبشع مما تتصور، وكان السبب وقتها سلطة الدين».

ولم يتمالك الشاب نفسه: «الدين!».

علم الإمبراطورية الرومانية الغربية
علم الإمبراطورية الرومانية الغربية

وأوضح النجار: «أي نعم.. والحكاية تبدأ مع سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية سنة ٤٧٦ على يد الجرمان، وقد استمرت تلك العصور لما يقارب الألف سنة؛ لذا فقد وصفها المؤرخ إدوارد جيبون بأنها ألف سنة من الهمجية والدين.

وجيبون مؤرخ إنجليزى له كتاب في غاية الأهمية (اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها)، يرصد فيه ما حدث بصورة دقيقة.. المهم أن في تلك الفترة سيطرت الكنيسة على مقاليد الحكم والتشريع، وشيدت محاكم التفتيش الشهيرة لتفتش عن أفكار البشر بحجة محاربة الهرطقةَ! وكانت الهرطقة من وجهة نظر رجال الدين تتعلق بكل ما هو بعيد عن تعاليم الكنيسة، وبذلك تدهور التفكير العقلي، وأصبح الإيمان بالغيبيات هو أساس الحياة والموت، وقد أشار سلامة موسي في كتابه (ما هي النهضة؟) قائلاً: إذا كنت تريد أن تلخص لنفسك معني الانحطاط في القرون الوسطى، وكيف هجر العقل البشرى الفلسفة اليونانية والهندسة الإقليدية والنزعة الصناعية في روما للدين والغيبيات وصوامع رجال الدين، فأعرف أن الثقافة أصبحت تخدم شؤون العالم الآخر بدلاً من خدمة الإنسان!

وهو ما يجرى معنا اليوم، نفسد الحياة من أجل الآخرة، نقتل ونتقاتل في سبيل العالم الغيبي!

سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية
سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية

ومحاكم التفتيش شهدت أبشع أنواع التعذيب المتعارف عليها في التاريخ البشري بأسره.. كانوا يتهمون الخارجين عليهم بالكفر والزندقة، ثم يحرقونهم، أو يجعلون القوارض تأكل أحشائهم ثم يلقون بهم في الماء المغلي.. وتُعرف تلك الطريقة بـ«السلق». أما عن أدوات التعذيب فلا داعي لذكرها حتي لا يقشعر جسدك، وقد رضخ الناس لسلطة الدين الغاشمة، فتركوا عقولهم، واختفت الكتب المفيدة، وماتت الأفكار الخلّاقة، فانحدرت الثقافة تمامًا لتحل مكانها الخرافات والسحر وطرد العفاريت، وانشغل الناس بالمجادلات العقيمة عن الملائكة والشياطين، تاركين أصل مشكلاتهم، وقد أثر ذلك على الحالة الاقتصادية بالطبع، فاستغل الإقطاعيون رجال الدين، أو يمكن أن تقول إنها كانت مصلحة متبادلة بين الدين والحكم ورأس المال من أجل استغلال الفلاح البسيط الذى أصبح عبدًا يمكن استغلاله في الأرض».

وبدا أن الشاب قد سرح بخياله نحو العصور البعيدة، ربما بداخل غرفة مظلمة يتعذب إنسان بها لأنه يمارس إنسانيته في التفكير، وربما لذلك أيضًا شحب وجه الشاب. بينما انتهي الأسطى أحمد من تظبيط التسريحة فثبتها فوق البنك وشرع في إزالة أوراق الجرائد عن المرآه الكبير.  وتساءل الشاب بحيرة واجبة: «ولكن كيف أصبحت أوروبا على النحو الذى نراه اليوم؟ كيف خرجت من هذا المأزق؟ هل قتلت رجال الدين وأتباعهم؟ ما الذي حدث؟».

وقال الأسطى أحمد: «القتل ليس من العقل، والعقل بيت الحكمة والبلاء، وكان لأصحاب العقول أن يتحركوا، أن يحرروا عقول العامة من تفكير عقيم متعفن إلى آخر منتج ومثمر.. فاسمع ما جري..

رجال الدين أعداء أزليون للتفكير العقلى السليم، لماذا؟ لأن التفكير السليم قادر على نسف حججهم الهشة؛ لذا فقد تعمدوا منذ البداية أن يحتكروا المعرفة أو يدعوا أنهم يملكون المعرفة كاملة، كل رجال الدين كذلك، ولنعود إلى العصور الوسطى، لقد حرموا الناس من ممارسة الكتابة بلغتهم المحلية، واستبدلوا المعلم برجل الدين، فتحول العلم إلى دين، ومنعواعنهم الكتب وصادروها أيضًا، بل حرقوا أصحابها، وتلك مأساة عظيمة نعيشها اليوم.

في الحقيقة نحن نمر بكل الظروف التي مرت بها أوروبا في عصورها المظلمة، محاربة المبدعين والمفكرين، مصادرة الكتب، تعذيب وسجن أصحاب الأفكار التنويرية، إحلال الدين بدل العلم في المدارس، التعصب، واحتكار المعرفة، فرض الوصاية الفكرية، حتي محاكم التفتيش تكفل الأزهر ليلعب دورها!

إقرأ أيضا
حسام حسن

بالطبع لم يصح المجتمع الأوروبى ليجد النهضة، وإنما مهد لها المفكرون، لعل كتابات أبيلار وهو رجل دين في المقام الأول كانت بمثابة البوابة الأولى، وهي كتابات دينية ذات صبغة فكرية، فقد دعا للشك كطريق للإيمان، والشك مرحلة فكرية ومحورية هامة في العقل البشرى، فالذي يظن نفسه يقف عند رقعة اليقين تعطل عقله وفسد!

وبذلك كان انتقال الإنسان الأوروبى من مرحلة اليقين في الغيبيات إلى الشك من دعائم تقدمه. ورغم ذلك حرقت الكنيسة كتبه!

ثم ظهر فرانسيس بيكون وحاول أن يوفق بين العقل والدين، وقد كانت كتبه أكثر جراءة، ودافع عن قيمة العقل وأهميته، وأن العقل يجب أن يطلع على الثقافات الأخرى والمعارف، وأنه بعكس الدين لا يفضل اجترار الماضى والحفظ دون فهم، بل على التطوير والابتكار.. وتعتبر رؤية بيكون للعقل ثورة   فـ (العقل) يتغذي على المعرفة الجديدة، وقادر أيضًا على إعلان تمرد واضح على المفاهيم الدينية الجامدة، والتي تتسم بالغيبيات والخرافات والأساطير، وقد وجد مذهبه الفكري صدي عند الكثير، فانفتحوا على حضارات أخرى مثل الإغريق واليونان، وقد خرجوا عن سيطرة رجال الدين فقرروا أن يقرؤوا ما يريدون.

مارتن لوثر
مارتن لوثر

أما مارتن لوثر فقد أسس لنهضة أخرى، وهي  ثاني حجر في تأسيس النهضة الأوروبية والتي اعتمدت على الحرية الدينية في اختيار المذهب أو حتي تركه، ومنها جاءت إصلاحات أخرى تخص السياسة والاقتصاد».

وتعجب الشاب من تلك الحكاية، وكان يظن أن الغرب خلقهم الله هكذا، وأن الأمر ليس به رحلة كفاح ومقاومة طويلة، وانتابه الشك فى كلام أمه، بل راوده الشك فى أمه نفسها! وراح يفكر: هل من الممكن أن نصبح مثل أوروبا؟ هل من الممكن أن نخرج نصبح يوم من سلطة الدين ورجالهم ودواعشهم إلى النور؟ أن نعرف طريق العلم الحقيقى ونترك الجهل خلف ظهورنا؟ كانت التساؤلات تعج برأسه، وكان ينظر إلى المرآة فاندهش بكونه وسيمًا، كان يملك الجمال أيضًا وهي منحة ربانية أما المال فالعمل يتكفل به، ويهز رأسه وهو يتساءل: هل من الممكن أن نحلم بـ غد أفضل؟

الكاتب

  • المال والجمال عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان