ليالي الأولمبياد (1) .. حكاية الشعلة التي سرقها البشر من الإله
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم تكن أبدًا قطعة من المعدن تُنقل من يد لأخرى كطقس عادي من طقوس دورات الألعاب الرياضية ، ولم تكن فكرة طرأت على رأس أحد المديرين الرياضيين فتم إقرارها وتعميمها ، ولم تكن مثلًا في مقدار قدسية حفلات افتتاح بطولات كأس العالم لكرة القدم ، ولا هي ذات تاريخ سطحي يحكى في سطرين أو ثلاثة في زاوية رياضية من زوايا الصحف .. بل إننا أمام حكاية ولا حكايات أبو زيد ، بل هي فعلًا أعرق من حكايات أبو زيد .. تاريخ ديني مجتمعًا مع التاريخ المجتمعي والرياضي ، بل هي جزء من ضمير الحضارة الغربية ، أو قل جزء مأصّل من تاريخ العالم .. أيها السادة .. نحن أمام الشعلة الأولمبية .. فما هذا الطلسم العجيب ؟ !
أسطورة الشعلة والإله
تقول الأسطورة في الميثولوجيا الإغريقية (والميثولوجيا الإغريقية هي مجموعة من الحكايات والأساطير التى آمن بها القدماء الإغريق ، ومن ثم كثيرين داخل وخارج اليونان ) أن زيوس (وزيوس هنا كان إله البشر العظيم) كان يستحوذ على النار ، ويرفض بتاتًا أن يمتلك واحد من البشر لتلك القوة الرهيبة التي يمتلكها الإله المتمثلة في النار .. وكان للإله زيوس مستشارًا عملاقًا يدعى بروميثيوس لديه القدرة على التنبؤ بالمستقبل ، وكان هذا المستشار على خلاف دائم مع الإله وآلهة المواقد بشأن النار ، فكان بروميثيوس مؤيدًا وبشدة لفكرة إعطاء النار للبشرية لصناعة الحضارة والتقدم وبداية ركب المسيرة ، وكان الإله رافضًا تمامًا لتلك الفكرة .. حتى قرر بروميثيوس بسرقة النار .. وذهب متلصصًا إلى مقر هيفيستوس وهو إله الحدادة والنار في الميثولوجيا الإغريقية ، وسرق منها شعلة من النار ، وفي الأسطورة فإن كانت المعابد تعج بالشعلات التي لا تنطفئ أبدًا ، وكانت واحدة من هؤلاء هي غنيمة عملية السرقة الكبيرة التي كان بطلها بروميثيوس وأعطى شعلة النار للبشر كأكبر هدية في التاريخ البشري .
بعد أن اكتشف الإله زيوس تلك المصيبة قرر أن يعاقب بروميثيوس العقاب الأليم والأبدي ، وهو عبارة عن صلبه على جبال القوقاز وكان على موعد مؤلم في كل صباح حيث كان يأتيه نسر عملاق يدعى النسر آثون فينهش جزء من كبده ، وفي اليوم التالي ينمو هذا الكبد مرة أخرى ، فينهش منه النسر مرة أخرى ، وكان هذا العقاب الأليم الذي ناله برومثيوس جزاء فعلته .
طقوس الشعلة
في جنوب اليونان ، وبالتحديد في معبد هيرا الواقع في مدينة أولمبيا ، وهو من أقدم المعابد في اليونان ، منذ عام 950 ق.م ، ويسمى بالبقعة المقدسة .. يتم إشعال شعلة الأولمبياد من أشعة الشمس بواسطة مرآة مقعرة ، وذلك بعد فقرات مطولة من بعض الطبول والأناشيد ذات الأبعاد الدينية والتراثية في بلاد الإغريق ، والمشاركين من الأفراد في المعبد يرتدون بعض الملابس الدينية وما شابهها ، ومن ثم تذهب الشعلة لعدة مواقع في اليونان ، من ضمنها مساكن اللاجئين ، لكن أبرزها ستاد باناثينايكوس، قبل تسليمها للدولة المضيفة ، والتي بدورها تكمل رحلة الشعلة بأيدي العديد من الأبطال الرياضيين ورموز البلاد المشاركة .
جزء من طقوس الشعلة الأولمبية
صناعة شعلة الأولمبياد
تختلف شعلة الأولمبياد منذ نشأتها حتى الآن ، لكن فكرتها ثابته ، وفكرتها الأساسية أن تظل شعلة النار متقدة لا تنطفئ ، وكان التصميم الأشهر للشعلة هو عمود من معدن الألومنيوم مثبت في أعلاه وعاء اسطواني يحافظ على شعلة النار متقدة ، وكان لهذا التصميم عدة عيوب أبرزها أن وزنه كان ثقيل للغاية وكانت حرارة الشعلة تصل أحيانًا ليد الممسك بالجسم المعدني ، لكن التصميمات الجديدة جائت خفيفة إلى حد كبير حيث تم مراعاة حمل الشعلة من قِبَل الأطفال في بعض من الدول ، وبأسفله جزء عازل للحرارة كي لا تصل الحرارة ليد الممسك، كما أن هناك 8000 آلاف ثقب في جسم المعدن ، وعدد الثقوب هنا يحكي عن عدد حاملي الشعلة حتى تصل إلى نهاية الرحلة ، وفي أوسط الجسم أو أعلاه قليلًا يلصق اللوجو المتفق عليه والذي يختلف كل أربعة أعوام ، وهما الفترة التي تفصل كل دورة أولمبية عن التي تليها.. يُذكر أن أول تصميم رسمي للشعلة جاء في عام 1948 على يد المصمم رالف لافرس ، ومن ثم تناوبت على صناعتها بعض المصانع المخصصة للشعلة .
حكاية أول شعلة
على الرغم من بداية فكرة لعبة الأولمبياد في القرن الثامن قبل الميلاد حيث كانت تقام بعض المهرجانات الدينية والرياضية في حرم الإله زيوس في الأسطورة الإغريقية ، وبدايتها رسميًا ف عام 1894 ، إلا إن أول شعلة أولمبية لم تتقد في اليونان نفسها ، بل أشعلها موظفي في إدارة الكهرباء بملعب ماراثون في الملعب الأوليمبي في أمستردام بهولاندا عام 1928 ، وكان كارل ديم مديرًا للرياضة في ألمانيا النازية ، هو صاحب فكرة تثبيت الشعلة كتقليد رسمي لافتتاح الدورة ، وكان ذلك بعد تنظيمة للدورة الأولمبية عام 1936 .
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال