ليلة في منزل كاجمني الحكيم ورسائله لجيل الفيسبوك
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أظن أن كل ما تعلمه عن تاريخك الفرعوني القديم يتمحور حول الحروب .. من انتصر على من؟ ، بالإضافة للتاريخ المعتاد عن أصل كل عادة وكل اختراع التي تجد بالضرورة أن أحد جدودك هو الذي بدعه .. لكني الآن سأصطحبك معي لتاريخ من نوع آخر .. تاريخ الطعام والكلام .. تاريخ الملبس والنوم وطريقة التعامل .. إليكم تفاصيل هذا الليلة الغريبة :
كانت نهاية فيلم سمير وشهير وبهير هي الوقوع في العالم الفرعوني دون الخروج .. ضحك الناس في النهاية بينما تركوا الثلاثي في هذا الأسر .. ارتكبت أنا خطأ بعدها أظنه الأكبر في تاريخ أبحث عن الثلاثي .. الأرض متسعة .. المساحات فارغة كثيرًا .. اشتد البرد وتقلصت الحرارة بشكل قاتل فقررت أن أستنجد بأحد البيوت الموجودة بجوار نهر النيل واستأذنت رب البيت : لو سمحت عايز ابات عندك لحين طلوع النهار .. فرحب بكل حفاوة
عرفني الرجل على أسرته الصغيرة .. زوجة وإبن ، ودخلت في غرفة في زاوية بعيدة من منزله وقررت أن أنام .. فجاء الرجل وأخرج من جيبه شيئًا لفافة بنية صغيرة وأشار لي أن آخذ منه وأشار لي على الفم .. فجأة وجدته “أفيون” فنظرت خلفي وورائي وقولت له : “دسه في أي مكان بعيد” من الممكن أن تطب الحكومة علينا ! فأخبرني الرجل أن في عصرهم استخدام الأفيون شائعًا، وأخبرني أيضًا أنهم يستخدمونه لتهدئة الأطفال وسرعة تنويمهم.
الملابس عند الفراعنة
خرج الرجل ثم عاد مرة أخرى ورأيته يمسك بيده مجموعة من الخرق والأقمشة وأخبرني أنه لابد أن ألبس لبسًا بديلًا غير الذي أتيت به من عالم المستقبل .. الملابس عبارة عن قطعة بيضاء مستقيمة من الكتان تثبتت حول الوسط بحزام، منها تظهر الركبتين ، وأخبرني الرجل أن هذا الشئ اسمه “النقبة” وهي استمرت رداء رسمي للمجتمع من الأسرة الأولى للأسرة الرابعة وكان يرتديها فقط رجال الدولة والنبلاء لكن الآن يرتديها الكتبة والخدم والفلاحين .. فهي عادة فرعونية أصيلة .. أن تبدأ الموضة عند النبلاء وحينما تُعمم الموضة يبدأون بابتكار الجديد .. هي عادة النخبة والنبلاء
الطعام عند الفراعنة
أما عن الطعام فقحدث ولا حرج .. خرج الرجل من غرفتي وعاد بإناء من البوظة الفاخرة ، دقيق وسكر وماء وأخبرني أنها تنشط الكلى وتطرد الأملاح من الجسد .. ثم سألته عن نوعية الطعام الذين اعتادوا عليه فقال لي أن للفجل والكرات والخضار شأن كبير على السفرة الفرعونية المتوسطة .. ويعد التين والجميز والعنب والنبق والبرقوق أحد أهم الفواكه المحببة .. وأما عن أطعمة القرابين فقد قدم الفراعنة الحساء المطبوخ والفاكهة والعسل والبلح والفطائر والعجول والسمك .. وأما عن أكثر الأطعمة على موائد النبلاء (كبار القوم) فإن لحم الثور والأوز هما الأكثر انتشارًا.
الموسيقى والفن عند الفراعنة
بعد أن ارتديت الملابس المريحة واتعشيت ، انجلى المزاج وأخذت أدندن “أوصفلك يا حيببي ازاي” ففهم كاجمني الحكيم أن ما اقوله له علاقة بالموسيقى وأخذ يحكي لي عن هذا العالم عندهم وقال :لدينا اختراع لآلة موسيقية على شكل صندوق مصنوع من عدة قصبات بها درجات السلم الموسيقي كله .. نستخدمها في طقوس العبادة وترسل النساء للرقص على أوتارها في البلاط الملكي ومعهم آلات النقر التي تمسك في اليد لتصنع تماسكًا موسيقيًا للآلة الكبيرة، ونحن هنا نطلق على عازف الموسيقى “ابن الأبدية” ذلك لأن الموسيقى أحد أركان طقوس العبادة ، ولدينا فرقتين من الغناء ونحترم فكرة الموسيقى ونراها غذاء أساسي للروح.
لاحظت نزول شمس النهار بعد أن أطلنا السهر فسألته أن أخرج من منزله بعد شكره كثيرًا على هذا الواجب .. فسألني ما حال الأطفال الصغار في زمنكم .. فقلت له أن الأمر ليس على ما يرام خلقًا وعلمًا .. فأعطاني بردية مكتوب عليها بعض النصائح وسـألني أن أخبرها لكل الأطفال بقدر المستطاع .. خرجت من منزله وقرأت البرديه :
أبنائي في المستقبل .. أنا جدكم كاجمني الحكيم .. هذه بعض نصائحي التي إن لم تحيد عنها فقد هنئت حياتك وعشت مستقيمًا في مجتمعك ..
- اسمع يا بني .. الثراء لا يأتي وحده، إنه يفد على من يريده ويعمل له، إذا سعيت وراءه فإن الرب ينيلك إياه
- إذا كنت وضيعًا فسر في ركاب رجل عظيم فتكون أعمالك مباركة أمام الرب
- إذا كنت مكلفًا بنقل رسالة، فانقلها كما هي لا تغيير ولا تبديل ولا تقلّب نبيلًا على نبيًا بقلب الحقائق واتباع الزيف .
- إذا كنت مزارعًا فاحصد نتاج حقلك، وسيبارك لك الرب فيه، ولا تملأ فمك على مائدة جارك
- الرجل العظيم قراراته تأتي من روحه فقط
- لا تنشر الرعب بين الناس، فهذا أمر يعاقب عليه الرب
- يا بني .. هناك نوع من الناس قد أغدق عليه الرب فيمشي في الأرض متكبرًا فيجازيه الرب بالحرمان
- إذا كنت بين جماعة من الناس ، فاجعل حب الناس هدفك ومنيتك، ومبتغى قلبك وهواك فيقول من يراك : هذا هو الرجل الناجح ، سأقلّده
سرحت بعد القراة ، وفكرت .. حينما أعود لعام 2020 .. وأكتب هذه النصائح في بوست على فيس بوك .. ماذا سيقول لي أبناء الجيل الحالي ! .. أعتقد أنه أمر صعب التخيل كما هو الحال في البحث عن الثلاثي سمير وشهير وبهير !
المصادر :
أرشيف جريدة الوقائع
أعداد جريدة البيان
كتاب الحكم والأمثال والنصائح عند المصريين القدماء
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال