ليه فيلم غزل البنات أعظم فيلم غنائي في تاريخ السينما المصرية
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في فترة الأربعينيات كانت الأفلام الغنائية تسيطر على السينما بشكل كبير, نجحت أفلامًا كثيرًا نجاحًا وقتيًا لم يستمر طويلًا، حتى وصلنا إلى عام 1949 حيث صدر فيلم “غزل البنات” الذي يعتبر أهم فيلم غنائي في تلك الحقبة وبمرور الوقت نال شعبية ضخمة جدًا واثبت قدرة الفيلم الغنائي على الصمود طويلًا في ذاكرة المشاهد حيث يصنفه الكثير كأفضل فيلم غنائي في تاريخ السينما المصرية ولا يبارح قائمة أفضل عشرة أفلام في العموم.
الفيلم قام ببطولته المطربة الكبيرة “ليلى مراد” التي تملك شعبية كاسحة بين جمهور السينما مع العظيم “نجيب الريحاني” في أخر ظهور له في السينما وكانه كان يرسل لنا تحية وداع وهو في أقصى حالات توهجه الفني
تدور القصة حول شخصية الأستاذ “حمام” المدرس البسيط مظهره الخارجي من ملابس رثة ولحية غير مهذبة تكشف لنا عن طبيعة حياته البائسة وعن مرتبه الذي يكفيه بالكاد، تطارده اللعنات و سوء الحظ من يوم مولده حيث ضرب البلاد زلزالَا عنيفًا، ثم السمكة الفاسدة التي انتقاها من بين عشرة الالاّف سمكة صالحة للأكل، حتى يصل إلى ذروة سوء الحظ عندما يطرد من المدرسة التي يعمل بها بعد مكيدة دبرتها له أحدى الطالبات واتهام مدير المدرسة بأنه ضعيف الشخصية لا يستطيع السيطرة على الطالبات.
يبتسم له الحظ أخيرًا عندما يستعين به مرزوق أفندي “عبد الوارث عسر” الذي يعمل سكرتيرًا لـ “مراد باشا” سليمان نجيب؛ كي يقوم بتدريس مادة اللغة العربية لابنة الباشا المدللة “ليلى” بعد أن رسبت في تلك المادة.
يسيطر نجيب الريحاني “الاستاذ حمام” على مشاهد الفيلم الأولية حيث تتفجر المواقف الكوميدية عند دخوله إلى قصر الباشا ويرى ملامح الثراء والبذخ التي عليها القصر بشكل لم يشاهده من قبل في حياته، يصطدم بالخادم الذي يظن من هيئته أنه الباشا ثم يتكرر نفس الأمر مع مربي الكلاب حتي يصل إلي ذروة الكوميديا عندما يصطدم من شخص يبدو من هيئته أنه جنايني القصر ويشتبك معه حتى يتفاجئ بأنه الباشا نفسه ثم يأمر بطره حتى تظهر “ليلى” وهي تبحث عن سوار من الألماظ فقدته ويتم اتهام حمام بالسرقة حتى تجده ليلى وتعتذر له ويمنحه الباشا وظيفة المدرس شريطة أن يغير من هيئته الرثة ويحلق لحيته ومن هنا تبدأ مغامراته مع ليلى الفتاة المستهترة حتى يقع في حبها ويحاول منعها من التورط في علاقة حب مع أحد الأشخاص الذي يبتزها ويظهر في النهاية الطيار وحيد “أنور وجدي” الذي يستعين به “حمام” في التخلص من هذا الشخص ثم تنطلق شرارة الحب بين ليلى ووحيد ويتخلى حمام عن حبه لـ “ليلى” في سبيل سعادتها مع “وحيد”.
على عكس أغلب الأفلام الغنائية في تلك الفترة التي كانت تدور في حي شعبي وترصد حياة الملاهي الليلية والكباريهات مع الكثير من الاستعراضات الراقصة المبالغ فيها، دارت قصة الفيلم داخل قصر أحد الباشاوات مع ظهور عدد ضخم من النجوم مثل “سليمان نجيب، عبد الوارث عسر، محمود المليجي، استيفان روستي،زينات صدقي، فريد شوقي” مع ظهور شرفي لافت لـكلًا من “يوسف وهبي” والموسيقار “محمد عبد الوهاب” بشخصيتهما الحقيقية.
كتب حوار الفيلم “بديع خيري” بالاشتراك مع رفيق دربه “نجيب الريحاني” حيث عالجا قصة “أنور وجدي” بشكل كوميدي فلسفي خصوصًا في المواقف التي يقع فيها الأستاذ حمام، مع أداء تمثيلي عالي جدًا من نجيب الريحاني وليلى مراد التي وصلت إلى ذروة تألقها في دور ابنة الباشا المدللة.
كتب أغنيات الفيلم الشاعر “حسين السيد” ووضع لها الألحان الموسيقار “محمد عبد الوهاب” وغنتها بطلة الفيلم “ليلى مراد” وهي “اتمخطري يا خيل، أبجد هوز، الدنيا غنوة، الحب جميل، ماليش أمل، عيني بترف” واشترك معها نجيب الريحاني في غناء “أبجد هوز، عيني بترف” مع حضور قوي للموسيقار محمد عبد الوهاب في أغنية “عاشق الروح” أهم أغنيات الفيلم والتي جسدت معاناة الاستاذ حمام في عشق تلميذته “ليلى”.
وظفت أغنيات الفيلم بشكل جيد جدًا بداية من الأغنية الافتتاحية “اتمخطري يا خيل” التي تكشف الحياة المرفهة التي تعيشها بطلة الفيلم “ليلى” ثم “أبجد هوز” والتي كانت تسخر فيها من صعوبة تعلم اللغة العربية، ثم أغنيتان رومانسيتان “الدنيا غنوة ، الحب جميل” حيث بداية وقوع الاستاذ حمام في غرامها، ثم المحاورة الأروع بينهما في “عيني بترف” ثم أغنية رومانسية أخرى “ماليش أمل في الدنيا” حتى نصل إلى ذروة الأحداث في أغنية “عاشق الروح” والتي يتأثر بها الأستاذ حمام لدرجة البكاء في واحد من أهم مشاهد السينما المصرية على الإطلاق.
تثبت أغنيات الفيلم زعامة الموسيقار محمد عبد الوهاب في تطوير الأغنية السينمائية، حيث قام بتوظيف إيقاع السامبا كي يتناسب مع إيقاع حوافر الخيل في أغنية “اتمخطرى يا خيل” ثم المزج الجيد بين الموسيقى الشرقية والغربية في “الحب جميل، ماليش أمل، الدنيا غنوة”ثم الوصول إلى الذروة في تجسيد المشاعر الإنسانية في أغنية “عاشق الروح” واهتمامه القوي بالتوزيع الموسيقي واستخدامه لأوركسترا ضخم جدًا لا نراه كثيرًا على شاشة السينما ثم التشخيص اللحني الجيد في محاورات “عيني بترف وأبجد هوز” مع مسحة كاريكاتورية في الألحان التي يؤديها نجيب الريحاني، وكان الفيلم استكمالًا لمسيرته مع ليلى مراد بعد النجاح الكبير في فيلم “عنبر”.
كعادته لم يبخل المخرج والمنتج وكاتب قصة الفيلم “أنور وجدي” إنتاجيًا على الفيلم، ظهور عدد ضخم من النجوم في فيلم واحد وفي أدوار صغيرة جدًا صحيح أن بعضهم لم يكن قد نال شهرته الكاسحة بعد لكنها من العوامل التي ساهمت في تخليد الفيلم، أيضًا اهتمامه القوي بالاستعراضات حيث ظهرت فرقة الراقصة الاستعراضية “جينا” ذات الملامح الأوروبية المميزة والتي اعتمد عليها في كثير من أفلامه.
تضافرت كل العوامل لنجاح فيلم “غزل البنات” بداية من قصة الفيلم والسيناريو الملئ بالمفاجآت والتنقل السريع بين أحداثه مع حوار كوميدي فلسفي، مع قدرة المخرج أنور وجدي على قيادة هذا الجمع الكبير من الممثلين الكبار بشكل لم نراه من قبل في السينما، بالإضافة ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب مع صوت ليلى مراد الساحر والتي كانت فتحًا جديدًا في تاريخ السينما الغنائية المصرية.
هناك أفلامًا عند إعادتها لا يمكن للمشاهد أن يتجنبها بأي حال من الأحوال حتى لو كان يحفظ جميع مشاهدها بالكامل ومنها فيلم غزل البنات الذي يعتبر أقصى تطور وصلت إليه السينما الغنائية في مصر فاستحق أن يكون أفضلها على الإطلاق.
أغنيات في الذاكرة : الله غالب وكسر قواعد الأغنية الضاربة
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال