“مأساة لم يوقفها الموت” وفاة الخديوي عباس حلمي الثاني ودفنه مرتين
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تجسدت مأساة عباس حلمي الثاني في طريقة عزله عن الحكم، لكن قمة المأساة تكمن في تفاصيل وفاة الخديوي عباس حلمي الثاني وما جرى خلالها من مراسم.
موقف الخديوي عباس حلمي الثاني من عزله
حكم عباس حلمي الثاني مصر لمدة 22 عامًا، كانت بداية حكمه فيها آمال بالحاكم الجديد لمقاومة الإنجليز، وشيئًا فشيئًا تم سحب البساط منه رغم كراهية الإنجليز له إلى أن تم عزله في 19 ديسمبر 1914 م وتولى حسين كامل بدلاً منه حكم مصر.
كان عزل الخديوي عباس حلمي الثاني وهو في خارج مصر، والسبب الرئيسي في ذلك أنه يتبع الدولة العثمانية المتحالفة مع ألمانيا ضد الإنجليز التي تحتل مصر، وأذاع الإنجليز خبر عزل الخديوي عباس حلمي الثاني من فرنسا ومُنِع من دخول مصر، وعلقت الصحف الإنجليزية على ذلك فقالت أن بريطانيا أحسنت في عزل عباس لأنه لم يكن صديقًا لانجلترا وفرنسا.
اقرأ أيضًا
وثائق وفاة الشيخ محمد عبده .. حدثت يوم صدور شهادة ميلاده وابنته ماتت حزنًا عليه
عقب عزله قال عباس حلمي الثاني «الحمد لله أنني لم أخطئ في رفض وجودي بإيطاليا، فلو أنني ذهبت لرغب الإنجليز الآن في عودتي إلى مصر وإرغامي على قبول الإنقلاب أو معاملتي معاملةً لا أرضاها».
أحمد شفيق باشا رئيس الديوان الخديوي ذكر خلال مذكراته أن إحساس عباس حلمي الثاني كان متباينًا فهو لم يظهر عليه الاعتراض وقال عن اختيار حسين كامل «اختيار في محله وأميل لهذا الحل»، كما أنه أسف لكون مصر صارت تحت حماية الإنجليز، فضلاً عن أنه حزن من تخلي النظار عنه والعمل مع الإنجليز لدرجة أن أحدهم قبل النيشان منهم.
لم يكن هناك قلق في نفس عباس حلمي الثاني إلا عندما اشتدت الحرب العالمية الأولى وكان سبب قلقه أن يصادر الإنجليز أملاكه وهو مالم يحدث، وأن يرسلوا حملة تركية لمصر غير واضحة في أهدافها.
مع وفاة السلطان حسين كامل وتولي الملك فؤاد الحكم بقيت المطالبات بعوته للحكم تتردد بين الحين والآخر إلى أن ألغيت الحماية عن مصر، ثم ازدادت المطالب مع الثلاثينيات إلى أن أعلن عباس حلمي الثاني تنازله عن كل مطالبة له بحكم مصر وعرشها وتأييده للملك فؤاد، وبقي على ولاءه له وولاء نجله الملك فاروق حتى مات عباس حلمي الثاني في 20 ديسمبر 1944 م.
وفاة الخديوي عباس حلمي الثاني ورد فعل الداخل المصري
في 20 ديسمبر عام 1944 رحل عباس حلمي الثاني عن الحياة في جنيف إثر أزمة قلبية حادة، وأوفد الملك فاروق في 23 ديسمبر كبير أمناء القصر الملكي عبداللطيف طلعت باشا لإبلاغ تعازي الملك إلى الأمير محمد علي شقيق عباس حلمي، وكان معه إسماعيل تيمور باشا.
الأمير محمد علي باشا وجه شكره لكل من واساه في وفاة شقيقه، وأعلن عن تبرعه بألف جنيه على روح شقيقه على جمعية المحافظة على القرآن الكريم، ورابطة الإصلاح الاجتماعي، وجمعية الإسعاف، وصندوق الإحسان بوزارة الشؤون الاجتماعية، ومبرة محمد علي باشا وفقراء منيل الروضة، وعمال الحدائق في قصر الأمير محمد علي، والجمعية المصرية لمساعدة العميان.
لم تنحصر مأساة عباس حلمي الثاني في أنه عُزِل وهو في الخارج وبقي قيد النفي حتى الموت، ولم تتوقف عند درجة أنه مات في بلاد غريبة وُدفِن فيها، بل امتدت إلى أن فُتِح قبره بعد أشهر من وفاته وعقب نهاية الحرب العالمية الثانية ليوارى الثرى في القاهرة يوم 25 أكتوبر 1945 م.
في 25 أكتوبر سنة 1945 وصلت السفينة الفرنسية ساجتير التي تحمل جثمان الخديوي عباس حلمي الثاني من سويسرا، ورست على الرصيف رقم 26 والذي أقيم عليه سرادقان أحدهما صغيرة والآخر كبير، وكان في استقباله محافظ الإسكندرية وعبداللطيف طلعت باشا كبير الأمناء، والفريق عمر باشا فتحي كبير الياوران، والتشريفاتي علي رشيد بك، ومحمد سعيد لطفي نائبًا عن شقيق الخديوي عباس حلمي الثاني، وعبداللطيف طلعت باشا، وحكمدار الجمارك ووكيل المحافظ ومدير جمرك الإسكندرية.
وكان يصحب الجثمان الأمير محمد عبدالمنعم والأميرة نعمت كمال الدين شقيقة الخديوي، وتبرع الأمير محمد عبدالمنعم بـ 120 جنيه لإطعام الفقراء وهو ابن الخديوي، وصل الجثمان وتم تشييعه عبر عربتي قطار إحداهما تحمل الجثمان والأخرى تحمل المشيعيين من محطة الإسكندرية إلى محطة مصر في القاهرة.
بمجرد وصول النعش إلى محطة مصر أطلقت المدافع ثم سارت الجنازة من الميناء وحتى المحطة يتقدمها عدد من فرسان البوليس والجيش وجنود مصلحة السجون وطلبة كلية البوليس وطلبة الكلية الحربية وفرسان الحرس الملكي وكتائب من المشاة ورجال البحرية وضباط الطيران، وكان النعش ملفوفًا بالعلم المصري ومحمولاً على مركبة مدفع يجرها 8 جياد ويحيط بها كبار ضباط الياوران وأعضاء هيئة كبار العلماء ومشايخ الطرق الصوفية.
وكان في الجنازة الأمير يوسف كمال مندوب الملك فاروق والملكة نازلي، وسفير إيران ورئيس الوزراء وعلي ماهر وإسماعيل صدقي وحسين سري ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب وكبار رجال المملكة حينها في الهيئات من المختلفة من القضاء والسلك الدبلوماسي ورجال التعليم.
وسار المشيعين من ميدان محطة مصر حتى جامع الكيخيا وأديت عليه صلاة الجنازة ثم دُفِن في مقابر العفيفي المعروفة حاليًا بمدافن حوش الباشا أو مقابر العائلة الملكية، فيما أعلن أشقاء الخديوي عباس حلمي الثاني أنهم سيتبرعوا بإطعام 6 آلاف فقير في القاهرة والإسكندرية على مدار 72 ساعة ترحمًا على رحيل الخديوي.
المراجع
-
عهدي – مذكرات عباس حلمي
-
مذكراتي في نصف قرن – أحمد شفيق باشا
-
أرشيف جريدة المقطم – عدد 24 و 25 أكتوبر 1945 م
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال