ماجدة جادو .. متى نكرم الكاتبة المناضلة؟!
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
لم تبدأ ماجدة جادو الكتابة الأدبية مبكرا، بدأت في 2015، ربما كان هذا الأمر من عجائب سيرتها في الحقيقة؛ فنجاربها الإنسانية والسياسية قديمة وكبيرة، كانت تؤهلها للكتابة منذ زمن بعيد تماما.. لكن هذا ما جرى، ولا مشكلة على كل حال؛ فالمبدعون الساكتون، كما أسميهم، يكون ماضيهم بمثابة مخزون خبير قابل للتجلي المدهش في أية لحظة، وينكشف فعليا حين تهيئ لهم الأقدار جهودا وأوقاتا للتركيز عليه وبلورته بصورة ما..
“ماجدة عبد العزيز جادو”.. مواليد الإسكندرية، وتقيم بها على الدوام، لم تكن من النخبة السكندرية المثقفة التي فكرت في الهجرة إلى القاهرة، بالرغم من المرور الكثيف بها طبعا، استراحت في مكانها الأثير وكفت نفسها شر الصداع العاصمي والصراع الذي لا يهدأ لحظة هناك إلا يبدأ من جديد أعتى مما كان!
تخرجت في كلية الآداب قسم علم النفس والفلسفة، وعملت بتدريس اللغة الإنجليزية التي تجيدها، لا بمؤهلها نفسه، تزوجت وأنجبت ياسر وسامح، والآن تعتبرهما، بالزوجتين والأحفاد، ثروتها الكبرى؛ فهي تعيش في ظلال فروعها حياة بسيطة سعيدة خالية من التكلف الذي لا تحبه..
في السبعينيات من القرن الفائت انضمت إلى أحد الأحزاب اليسارية، وكانت من ناشطات اليسار المصري النقي قبل تلوثه، وهي الفترة التي شكلت وعيها وأفكارها؛ فقد تنوعت قراءتها فيها بين السياسة والتاريخ والاقتصاد والاجتماع وبين الشعر والمسرح والرواية، كانت فترة ثرية حافلة بالثقافة والعمل التوعوي على الأرض، لا تسقط من ذاكرتها البتة، وهي الفترة التي أسست فيها نظاما هادئا للبيت، نجحت خلاله في الانفصال عن شواغل النشاط، الداخل شيء والخارج شيء آخر، وتعتز بها كاعتزازها بالحياة التي تحرص على استمرارها بالرغم من كل الإحباطات المتتالية بمدى عمرها!
أحبت في الأدب الروائي ماركيز وساراماجو وكونديرا، هكذا بالترتيب، ولاحقا اكتشفت موراكامي وزافون، ومن المصريين والعرب أحمد الملواني وأحمد الفخراني، وعبد الرحمن منيف الذي تعتبره رمزا مغدورا، وكذلك إبراهيم نصر الله والطاهر وطار.. لا تعتبر الرواية في أزهى فتراتها حاليا، على عكس معظم روائيي الوقت، لكنها تعتبرها في أزمة ما، وتتأسف لوضعها، ويحزنها، بصورة أكبر، انصراف الجماهير عن القراءة والمتابعة..
شعريا أحبت في العامية أحمد فؤاد نجم سرمديا، ربما بحكم يساريتها الباقية، وعدت تجربته مع الشيخ إمام من أصدق التجارب، ومن بعده استراحت إلى فلسفة صلاح جاهين، وأحبت محمود درويش وأمل دنقل في الفصحى (درويش شاعر قضايانا العربية الأبرز ودنقل الرافض المعبر عن الرافضين)..
أما في النقد فلا زالت ترى النقاد جامدين، يخضعون لنظريات حولتهم إلى قوالب جافة، صاروا يحاكمون بها الكتاب الأحرار (الكتابة عندها هي الحرية، أو هي والحرية سواء)؛ ومن ثم فالكاتب المعتبر عندها هو المطبوع لا المصنوع على أعين واضعي قوانين النصوص، وكم تمقت مصطلحات روجها النقاد المتفيهقون كمصطلح “الأدب النسائي” مثلا، وتسأل: هل هناك “أدب رجالي” في المقابل؟!
لغويا ترى معركة الفصحى والعامية مفتعلة أصلا، وكلاهما لا غنى عنه في الأدب، وترى المعركة في طريقها للتلاشي التلقائي، كتبت عطاءها “وجع الروح” وكانت لغته خليطا منهما، وهي تميل إلى الوضوح اللغوي عموما والسلاسة اللغوية بعيدا عن التعقيدات اللفظية المستهجنة..
لها من الأعمال الصادرة: زهرة بلون الدم (مجموعة قصصية)، والظل العاري وقصة الأمس والوعود والعهود (روايات)، ووجع الروح والمنحدر (كتابات). ولها أعمال قصصية عديدة تقوم بنشرها تباعا على صفحة خاصة بالفيسبوك “الصفحة الرسمية للكاتبة ماجدة جادو”، ولديها أيضا الملحمة والدرويش وانتصارات الموت (ثلاث روايات غير مطبوعة).
انحازت السيدة، بطول مشاويرها وعرضها، إلى قضايانا العربية الواضحة، كالقضية الفلسطينية، ودعمت باستمرار كل الجهود الإصلاحية والتنويرية في بلادنا وبلاد الآخرين، عاشقة للكيان الوطني ومحافظة على تماسكه، كتبها شاهدة وكتابتها الكثيفة في السوشيال ميديا شاهدة، وآراؤها في الندوات شاهدة، ولكن أحدا لم يلتفت إليها بتكريم ولا تقدير، وصحيح أنها لم تطلب لنفسها مثل هذا التكريم وهذا التقدير، لكن من ينال مثلهما إن لم تنلهما معا أو أحدهما.. أظنها حزينة الدواخل، لا سيما والآفاق ملأها الأفاقون والمتاجرون بالقضايا والأدعياء وضعاف المواهب، في السياسة وفي الأدب معا، ممن نالوا الجوائز والمكافآت والوظائف الحساسة والكبيرة ومفاتيح المنح والمنع، حزنها يظهر في صور شتى، بعضها يكون حادا، ويسبب أزمات صغيرة أو كبيرة مع الآخرين، لا تقصد غالبا جرح أحد أو الطعن في ضميره، لكنها كرهت الشللية والمجاملة والمحاباة والعلاقات المريبة كرها رهيبا، وكرهت الظلم اللانهائي الذي تتعرض له ويتعرض له المكافحون النبلاء كلهم تقريبا، ولأن الأمور صارت ملتبسة إلى أقصى درجة، بتعدد الجناة وتقدم أساليبهم في المخادعة وتطور قدراتهم على التلون والمكر، فقد بات طبيعيا أن تحتار في فرز الجيد من الردئ، بعد أن ازدحمت السوح هكذا، والتفت الأحبال الفرعية على الأحبال الأصلية فتعقدت المشاهد، وبات طبيعيا أن تنفجر غاضبة، في وجوه الجميع أحيانا، بلا تحديد دقيق للمقصودين، لكنها سرعان ما تهدأ، وتدع الأمور تسير كما قدرت الأقدار لها أن تسير، وتستبدل بغضبها عتابا رقيقا..
متى نكرم السيدة التي تعبت فعلا ولم تجن ثمرة تعبها، لا جمالا في الواقع القبيح من معظم جهاته، ولا احتفالية خاصة تليق بقيمتها الثابتة الفاعلة، ولا باسمها الجميل المعروف الذي بعثرت حروفه عواصف شديدة الجموح؟!
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد