همتك نعدل الكفة
213   مشاهدة  

ماوصل إليه الحوار في العالم العربي!

الحوار
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



 

تعتمد القنوات الفضائية في كثير مما تقدم للمشاهدين على حالة الحوار تتضمن فقرة الحوار شخصين أو فريقين يدور بينهما نقاش وجدال حول موضوع من الموضوعات غالبا يكونان مختلفين فيه بصورة تامة، أو في الأدنى ينظران إليه نظرة قد تتقارب، لكن كل ناحية تنظر إليه من زاوية تخصها.. يريد كل منهما أن ينتصر لتصوراته الخاصة حوله، والمأمول أنه يريد الانتصار بموضوعية واحترام للآخر.. يدير الحوار مقدم البرنامج الذي يجب أن يكون عادلا في الأسئلة التي يوجهها للطرفين وفي الوقت الذي يمنحه لكل منهما ليجيب عنها ويستفيض في شرح فكرته عموما، ومن قبل ذلك يجب طبعا أن يكون مثقفا رفيعا دقيق الألفاظ عارفا بأبعاد الموضوع المطروح للرأي معرفة عميقة، وأن يكون محددا للغاية فيما يقوله وليس سائبا ولا مائعا، وأخيرا قادرا على حكم منضدته وحسم أية معارك لفظية أو بدنية قد تنشأ بين الضيوف (لا قدر الله).

في عالمنا العربي، يدور مثل هذا الحوار بكثافة، سيما بقلب الأحداث المعقدة الملتبسة التي عادة ما تتسع بشأنها وجهات النظر وتتباين، وما أشد حدوث أمثالها في أمتنا التي جار عليها أبناؤها غافلين وترصدها الغرباء متعمدين.

 

ينتمي ضيوف هذه الفقرات إلى النخب المثقفة طبعا؛ فهم الأجدر بالحديث في القضايا الملحة متشابكة الأفرع التي تتعدد أمامها الرؤى وتتشعب عندها الطرق.

إقرأ أيضًا…..رسائل أبوظبي إلى الدويقة 1: اللي ملوش خير في الدويقة ملوش خير في مصر

 

مع كونهم الأجدر بالحديث فعليا بحيالها إلا أن حالة الحوار بين هؤلاء تنتهي دائما بمأساة الصدام العنيف الذي قد لا يستطيع المذيع فضه مهما قويت شخصيته وعظمت خبرته؛ فيعتذر للجمهور مغلقا الصفحة ومنتقلا إلى أخرى أو منهيا البرنامج لو كان قائما على فقرة الحوار وحدها في ليلته واضعا قناته في ربكة ما.

نعم لدينا، بكل أسف، مثقفون لا يجيدون الحوار، بل ليسوا مؤهلين له أصلا.. ينادون بالحوار الهادئ ولا تخلو حواراتهم من الانفعال الشديد وينصحون المتحاورين بالتفاهم فإذا جاء دورهم في الاستضافات الحوارية ما رأى الناس منهم إلا حوار الطرشان.

هؤلاء قدوات، وبروزهم هكذا أساء إليهم أبلغ إساءة، أما الأسوأ فكونهم جعلوا حالة الحوار نفسها تهريجا خالصا؛ فقد فرغوا مسألته الجادة من مضمونها وأبقوها للتسلية كخيمة السيرك.. ومن عجيب أنهم لا يشعرون بالعار فيتوارون عن المشاهد كلها.. لكن يظهرون مجددا هنا وهناك، لا يرعوون ولا يكف ما أسميه بالإعلام التخريبي عن توجيه دعواته إليهم، فيكررون نفس الأخطاء بل يبالغون في العداوة العلنية فتزداد ألفاظهم حدة وبذاءة وتمتد أيدي بعضهم على بعض بالبطش وتتطاير أحذيتهم في كل الاتجاهات على الشاشة الخائفة الخجلى.

لقد فضح هذا الشق من الإعلام الفضائي عددا هائلا من مثقفينا العرب؛ فأظهر هشاشتهم وعدم جدواهم كما أظهر كذبهم العميق على أنفسهم قبل الآخرين، ولعب بهم الكرة واضعا إياهم في المواضع المستفزة المشينة بينما يحسبون أنهم في مواضع الإشادة والتكريم.. وإذا كانت أحوال مثقفينا هكذا فكيف بأحوال الذين لا حظ لهم من تعليم ولا ثقافة؟!.

إقرأ أيضا
قراءة التوراة

لقد أسميته بالإعلام التخريبي قاصدا؛ لعلمي، ذي الأدلة، بأن التحصيل المالي الضخم هو ما يهمه لا الحقيقة، وأنه في سبيل بلوغ الربحية العالية يصنع السخرية الممجوجة ويقدمها للعالمين على أنها الواقع ويتزيد في جلب العاهات العقلية والوجدانية ويقنعها بأهميتها أو يحول الأسوياء، بالحيلة، إلى عاهات قبيحة.. وقد تؤول تصرفاته إلى تصدع البناء الصامد وانهدامه.

ههنا يكفي أن يقوم المشاهد بعملية بسيطة على اليوتيوب، هي استدعاء لعدد من الحلقات الحوارية بامتداد وطننا العربي الكبير، أو حتى بمراجعة عشوائية لحلقات من البرنامج الحواري الأشهر “الاتجاه المعاكس” الذي يذاع على قناة الجزيرة لاستبيان الواقع المؤسف للحوار في البلاد العربية بين النخبويين مما يدعو إلى العجب والاستنكار. إن للحوار جملة طويلة من الآداب يُفترض أن الفئات الواعية المطلوبة له أدرى الناس بها، ومن ذلك أن كل طرف من أطراف الحوار عليه أن يتحلى بالصبر قدر تحليه بالشجاعة وأكثر، وأن يحترم الطرف الآخر ولا يحيد عن الموضوع المنظور متفرعا إلى موضوعات جانبية وأن يتمهل فلا يتسرع ويحسن الظن فلا يتهم، وأن يتجنب العصبية والغضب والشك في انحياز قائد الفرقة لجانب واحد من العازفين، وأن يتوخى بلوغ الصواب من وجهة نظره متفاعلا تفاعلا إيجابيا مع المنضدة ومستفيدا مما يقال عموما سواء والاه أو مالأه.. أما الذي يمد الحبال بينهما فلا يصح البتة أن يظهر منه ميل إلى طرف على حساب الآخر، وأن يتبدَّى كمشعل الحطب، لكنه، في كل تقدير سليم للأمور، يجب أن يكون منتميا إلى مكانه الذي يعني أنه في المنتصف بالضبط، في نقطة تتوسط الطرفين بالتمام،
لا ينقصه من أدواته الضرورية شيء، ويجلله الهدوء الصادق، ويُحِسُّ بأشواق المتابعين للحصاد المفيد وينتظر النهاية السارة مثلهم.

إن حالة الحوار مرآة عاكسة لجملة الأحوال، ومن تردِّي الصورة في مجملها علمنا أننا واقفون على حافة خطرة مهلكة.

الكاتب

  • الحوار عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان