مايسة المثال الحي أن لغة الحوار تفيد أحيانًا

نحن بصراع مستمر مع النفس ومع ضغوطات محيطة مختلفة، وكأن قدرنا المصارعة على أكثر من جبهة، والحرب الأكبر تكون مع النفس عند مواجهتها والاعتراف بالخطأ. 

مايسة سيدة فلسطينية من شخصيات مسلسل “رامي“ وهو من تأليف وإخراج “رامي يوسف” وقد  قضت  عمرها بأمريكا تسعى وراء حلم الحصول على الجنسية كأي سيدة عربية سافرت مع زوجها لتحقيق حلم الاستقرار و عيش حياة كريمة.

وسط كل الصراعات الشخصية التي نشاهدها بهذا المسلسل  لعبت الممثلة الفلسطينية “هيام عباس“ دور مايسة بأداء بارع، وكُتبت كل الشخصيات بالمسلسل ببناء متماسك، تتعرف عليها من خلال تفاصيل كل حلقة، فيما تنفرد حلقات بعينها لكل شخصية على حدى. 

مايسة كأم عربية تتعامل مع رامي بأنه طفلها المدلل الذي عليه  سماع الكلام وتحقيق حلمها بالزواج وإنجاب الأحفاد، وتجرده من مسؤوليات بعينها تلزم أخته دينا بها كمعظم الأمهات الشرقيات.

من أكثر أساليب التربية الخاطئة شيوعًا بالمجتمعات الشرقية؛ النقد السلبي والتفرقة بين الأبناء، كالتفرفة في المعاملة بين الذكر والأنثى، ووسط الصراعات التي نتابعها بشخصية مايسة وما تعانيه من مشكلات نجدها تكرر هذه الأساليب وكأنها لم تتعلم شيئَا من الغربة والتعرض لثقافات أخرى.

نشاهد بالجزء الثاني من مسلسل رامي تدخل مايسة بشؤون الأخرين، وتنتقد تصرفات دينا ولا تترك فعلًا إلا وعلقت عليه سلبًا، فيما يدور حوار بينها وبين ابنتها حول تخبطها  تجاه التعامل مع الآخر، وكيفية اختيار كلماتها مع المختلفين عنها، فتصارح دينا بأن ما تمارسه معها من نقد مستمر ولوم تمارسه مع نفسها بشكل أشد.

تواجه دينا أمها  وتصارحها  بأنها بانتقاد الآخرين والتدخل بحياتهم لا تفرق شيئًا عن ترامب في سياساته   غير المقبولة مع الأقليات. تصدم كلمات دينا مايسة، فهي لم تعرف نفسها يومًا شريرة تؤذي الأخرين، وتحاول الدفاع عن نفسها بأنها تنتقد سلوكياتها الشخصية عشرات المرات. 

لم يتعرض المسلسل لماضي مايسة بالصغر حيث دراميا لم يكن هناك أي داع لهذا، ولكن المفاجأة  أنك عندما تبحث بعلم النفس تجد أن من أهم  أسباب لوم النفس ونقدها هو التعرض للنقد السلبي في الصغر!

 من يتعرض للانتقاد وتسليط الضوء على كل هفواته تهتز ثقته بنفسه، يدخل أبواب العالم العملي وهو فاقد الثقة بالنفس، وينتقد كل فعل يقوم به عشرات المرات.

يقوم البعض من هؤلاء من يجلدون ذواتهم بممارسة نفس أسلوب النقد السلبي الذي تعرضوا لهم في الصغر مع أبنائهم، تماما كمن تعرض للضرب من أهله وسلك نفس الدرب مع أبنائه، والفرق بين هذا الشخص ومن يقرر ألا يؤذي أبنائه أبدًا بالضرب هو أن الشخص الثاني كان أكثر وعيًا بالأذي الذي تعرض له من أسلوب تربية خاطىء.

إقرأ أيضا

في الحب وأشياء أخرى..هل السنجلة جنتلة؟

من ينقدون أنفسهم بشكل مبالغ فيه لا يحكمون العقل والحكمة بعد ارتكابهم الأخطاء، بل يتخبطون مثل مايسة عند كل خطأ يفعلونه، ويزيدون الطين بلة؛ لأنهم يأخذون قراراتهم  بأكثر لحظاتهم توترًا بعد الشعور بالذنب الذي لا يساعد على اتخاذ أي قرارات صحيحة، وإعلاء كلمة الضمير الواعي وإعطاء النفس فرصة للتفكير قبل اتخاذ القرارات هي ما تجعلنا نتصرف بشكل سليم. 

تراجع مايسة نفسها وتتوعد ترامب في حديث نفس أنها لن تصبح أبدًا مثله، وهذا يجعلنا نعطي للغة الحوار الهادىء فرصة، فحوار البنت لأمها حرك فيها شيئًا جعلها تقرر التغيير، ولأول مرة تفكر بتريث وتعيد حساباتها دون جلد للنفس، وتقرر ألا تصبح مثل أي عنصري يمارس سخريته من الآخر.

هناك قلوب طيبة تعاني من صراعات داخل رأسها، ولم يلفت نظرها أحد لما تفعله من تصرفات، فاعطوا هؤلاء فرصة، ولا تحرموهم  فن الحوار الهادىء، ربما تغيروا مثلما تغيرت مايسة وتغلبوا على صراعاتهم مع أنفسهم، وأفعالهم السلبية مع الناس.