ما بين تاريخ فلسطين المقدس وحاضرها .. القاتل واحد والجراح نفسها
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
دائمًا ما يخلق العقل البشري مقاربات لاستلهام قصص التاريخ وإسقاطها على الواقع، وتاريخ فلسطين مليئ بالقصص المأساوية التي تتحدث عن معاناة أبناء هذا الشعب الأبيّ الصامد لا في وقتنا الحاضر ولا قبل مئة سنة ولا ألف حتى بل آلاف السنين.
مع أحداث غزة المتصاعدة يومًا بعد يوم، ظهرت مقاربات وتشبيهات بين صور الأمهات في فلسطين وهي تحتضن أولادهن مع أيقونات مسيحية لصورة السيدة العذراء مريم وهي تحتضن ابنها الشاب السيد المسيح.
تتشابه الصورتان في نفس التفاصيل الإنسانية فكل منهما تمتلك القلب المكلوم على صغيرها، تودعه وتحتضنه بكل وجع الدنيا وقهرها، تضمه إلى صدرها وكأنها تدخله بين أعماقها يأخذ منها النفس ليعود للحياة مرة أخرى.
الصورة التي ظهرت فيها السيدة العذراء مريم مع ابنها السيد المسيح بعد أسبوع الآلام هي نفسها الصورة التي تظهر فيها الأم الفلسطينية التي تحتضن فيها ابنها الشاب بعد معارك دامية لاسترداد أرضه، كلاهما قُتل على يد نفس العدو وكلاهما قُتل على نفس هذه الأرض؛ أرض فلسطين.
شكّلت رمزية السيدة مريم والسيد المسيح، في الصورة الأولى مفاهيم حُفرت داخل أعماق الفلسطينيين وهي اللجوء والألم والصبر، فالسيدة مريم هي امرأة ناصرية فلسطينية حملت صفات نساء الشرق، في شكلها الجسماني وفي عاطفتها المتقدة دائمًا، فهي امرأة شاهدت كل ما كان يعانيه ابنها من قبل اليهود الذين اجتمعوا واتفقوا على قتل وصلب ابنها.
جاءت معاناة السيدة العذراء مريم من خلال الأحداث التي مرّ بها السيد المسيح، وعُرفت هذه المعاناة تاريخيًا ودينيًا بالأحزان السبعة، وما يهمنا في هذه الصورة هو الحديث عن الألم الخامس والسادس والسابع.
ويجسد الألم الخامس بالنسبة لسيدة مريم وضع اليهود ابنها على الصليب مقيد غير قادر على أي شيء، عانت معاناة شديدة لهذه الرؤية وازدادت معاناتها حينما سمعت ابنها يغفر لأعدائه.
الألم السادس جاء من طول رؤيتها لابنها وهو يعذب، جاءت بكل إيمان ووقفت جوار الصليب تنظر إلى وحيدها معلق، و اللحظة التي مزقت روحها حينما استقبلت السيد المسيح من على الصليب، وقع بين يديها جثة هامدة مغطاه بالدماء والجروح العميقة التي ألحقوها به.
احتضنته بقوة، وبكت عليه، لكنّ إيمانها صامد إذ رافقت ابنها في كل المعاناة، ولا معاناة أكثر من رؤية جسد ابنها للمرة الأخيرة ووضعه داخل القبر، وهذا هو الألم السابع.
معاناة السيدة العذراء ورؤية ابنها الشاب بين يديها مغطى بالدماء ومصاب بجروح عميقة جراء ما فعلوه به يهود فلسطين، هو نفسه حال أي أم فلسطينية فقدت صغيرها على يد المجرمين القتلة، أيديهم ملطخة بالدماء فكما قتلوا سيدنا زكريا وسيدنا يحيى وسيدنا عيسى قتلوا الشباب الفلسطيني.
صورة الأم الفلسطينية هي صورة أيقونية لكل أم فلسطينية تودع ابنها، صورة أيقونية لما يفعله المجرمون اليهود في حروبهم ضد فلسطين، صورة أيقونية تعبر عن معنى الفداء من أجل الحرية والوطن والأرض، صورة أيقونية للجسد الطاهر الذي يوريه التراب.
اقرأ أيضًا :تراتيل الكنائس ورموز المسيحية في أغاني القضية الفلسطينية
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال