
“مبروك عطية” تحليل مشوار سليط اللسان مع الاستظراف بلا هدف

-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
(أنا لا أعرف شو إعلامي ولا شو بطاطسي)
بهذه الجملة وقبل سنوات من إحالته للتحقيق بسبب برنامجه كلام مبروك، نفى مبروك عطية التهمة التي وُجِّهت إليه خلال مداخلته مع قناة العربية في 6 أبريل 2016م والتي جاءت بعد يومين من الشهرة العارمة التي أحدثتها مداخلته مع زينو عبر قناة دريم، والتي جعلته حديث مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن هل حقًا لا يعرف مبروك عطية ما يُسمى بالشو الإعلامي؟ إن في تاريخ الرجل ما يثير الشكوك حول هذا الادعاء، لا سيما إذا نظرنا إلى حضوره الإعلامي دون التطرق إلى مؤلفاته، التي لا خلاف على قيمتها الفكرية.

لقد شكلت مداخلته مع زينو نقطة تحول في شهرته، التي كانت غير محسوسة قبل عام 2016، منذ تلك اللحظة، أصبح اسمه حاضرًا في الكوميكس الساخرة، وانتشرت مقاطع فيديو تحاكي أسلوبه على تيك توك وغيره من المنصات. ومع مرور السنوات، ازدادت حدة أسلوبه بشكل لافت، حتى أصبح ظاهرة متفردة في المشهد الإعلامي، لدرجة أنها لفتت نظر رئيس الدولة شخصيًا.
في 28 أكتوبر أكتوبر عام 2021، أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي مداخلة هاتفية عبر قناة MBC ليُشيد بالطفل أحمد تامر، الذي أذهل الجميع بتمكنه من حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة وبوتيرة مدهشة. وخلال المكالمة، وجّه الرئيس كلماته إلى الطفل قائلاً: “أنت ستكون شيخنا في أول افتتاح قادم“، وهو ما تحقق بالفعل في الخامس من ديسمبر خلال حفل “قادرون باختلاف“.

وفي سياق حديثه، وجّه الرئيس رسالة إلى الدكتور مبروك عطية، بعدما حيّاه، مشددًا على أهمية مراعاة اختلاف الثقافات وتنوع الخلفيات الفكرية للناس، مشيرًا إلى أن الجميع لا يستقبل الحديث بنفس الطريقة، مما يستوجب على المتحدث أن يراعي تفاوت إدراك المستمعين واختلاف طرائق تفكيرهم.
لكن كلمات الرئيس، بسبب صياغتها، التُقطت بأكثر من معنى، فأوحى ظاهرها للبعض بأنها دعوة إلى تبسيط أسلوب مبروك عطية، غير أن الحقيقة التي يدركها الدكتور مبروك عطية (جيدًا) أن الرئيس كان يقصد أمرًا أعمق من ذلك؛ فقد كان يلفت انتباهه إلى ضرورة تخفيف حدّة أسلوبه، ذاك الأسلوب الصريح الذي تجلّى في عباراته المباشرة، مثل مخاطبته لامرأة بحدة قائلاً: “يا هبلة، جاتك خيبة!”. لكن مبروك عطية لم يدرك الرسالة، أو ربما لم يرد إدراكها، فظل متمسكًا بأسلوبه حتى أوصله التريند إلى لحظة السقوط، بإحالته إلى التحقيق على خلفية محتوى برنامجه “كلام مبروك“.
مبروك عطية .. كيف بدأ وتطور؟

لفهم شخصية مبروك عطية، لا بد من العودة إلى الوراء قليلًا، واستحضار مسيرته الإعلامية بكلماته وأسلوبه، فقد بدأ حضوره الإعلامي منذ أواخر التسعينيات، حين شارك في برنامج “فتاوى رمضانية” على قناة اقرأ، ثم ظهر لاحقًا على شاشة ART عبر برامجها الدينية المختلفة، قبل أن ينتقل إلى قناة أوربت بعد عامين.

ورغم هذا الحضور المبكر، لم يحظَ مبروك عطية بشهرة واسعة بين الناس كما حظي بها بعض رفاقه، مثل عمرو خالد وكتيبة الفنانات المعتزلات، الذين تصدروا المشهد الدعوي آنذاك.
لكن بوابته الحقيقية إلى الشهرة جاءت عبر التلفزيون المصري، حيث ظهر كضيف في عدة برامج دينية، من أبرزها “رب اشرح لي صدري” و”فتاوى وأحكام”، وقد شكلت هذه المشاركة نقطة تحول مهمة في مسيرته، إذ جاءت في توقيت فارق، حيث تأثر برنامج “رب اشرح لي صدري” برحيل الدكتور عبدالله شحاتة، كما افتقد برنامج “فتاوى وأحكام” الشيخ عطية صقر، مما أتاح لمبروك عطية فرصة ذهبية ليملأ هذا الفراغ الإعلامي عن طريق التلفزيون المصري لجموع المصريين الذي لم يكن جميعهم قد استعملوا (الدِّشْ)، ثم تم تخصيص برامج له على القناة الأولى وقناة النيل الثقافية فيما بعد.

كان هناك ملمح لافت في أسلوب مبروك عطية، وهو تعمّده توجيه النقد اللاذع للمصريين، بخلاف أسلوبه عند الحديث عن العرب، وهو ما أثار انتباه الكثيرين، حتى أن الفنان عادل إمام انتقده ساخرًا خلال استضافته في برنامج “البيت بيتك” عام 2008، وحينها، لم يتجاهل مبروك عطية الرد، لكنه ركّز على انتقاد سخرية عادل إمام من طريقته في استعراض الحفظ، دون أن يتطرق إلى جوهر النقد الذي وجهه له.

آنذاك، لم يكن مبروك عطية بنفس الحدة التي أصبح عليها لاحقًا، ففي مرحلة القنوات المشفرة، تميز بأسلوب انفعالي، لكنه كان يميل إلى تقديم المحتوى ببساطة دون استخدام الشتائم، أما خلال مرحلة التلفزيون المصري، فقد بدا أكثر هدوءًا وأقل اندفاعًا.

غير أن انتقاله إلى القنوات الخاصة غيّر المشهد بالكامل؛ إذ بدأ في الظهور كضيف في برامج مختلفة، حتى تبنّته قناة دريم ومنحته برنامجًا خاصًا، ليظهر فيه على طبيعته المعهودة، بحدّته وصراحته التي باتت لاحقًا بصمته الإعلامية.

مع حلول عام 2014، واجه مبروك عطية أول موجة من النقد الحاد، ليس بسبب آرائه أو فتاواه، بل بسبب الورد الذي يزين مكتبه، والنظارة التي لا تفارق وجهه، لم يتأخر في الرد، بل قدم تفسيرًا بدا للبعض مقنعًا؛ إذ أوضح أن الورد يمثل رمزًا لجمال الإسلام، فالدين ليس قسوةً أو عنفًا، بل هو زرعٌ وورودٌ وجنات، كما أن الله ذكر جنة الدنيا قبل الآخرة، مؤكدًا أن الإسلام دين الجمال لا المولوتوف.

أما عن النظارة، فكشف أنها ليست مجرد اختيار شخصي، بل وسيلة لإخفاء عيبٍ خلقي في عينه ناتج عن إهمال طبيب في صغره، أثار هذا التصريح تعاطفًا واسعًا، جعل الكثيرين يعيدون النظر في انتقادهم له. ومع ذلك، فإن شهرته الحقيقية على وسائل التواصل لم تتحقق إلا بعد مداخلته الشهيرة مع زينو عام 2016، التي فتحت له باب الشهرة الرقمية على مصراعيه.
منذ مداخلته الشهيرة مع زينو عام 2016، بدأ مبروك عطية في إصدار فتاوى مثيرة للجدل، غير أن معظمها لم يعلق في الأذهان، إذ غطى على ذلك حضوره كـ”الشيخ الظريف”، لكن بعض هذه الفتاوى أثارت ضجة كبيرة، خاصة عندما صرح في عام 2021 بأن ضحايا فيروس كورونا ليسوا شهداء، معتبرًا أن الكوارث الطبيعية، كالأوبئة، قد تكون عقابًا للناس على ذنوبهم، كما حدث مع قوم لوط، ولم يكن ذلك الجدل الوحيد، إذ أثار انتقادات واسعة عندما قلل من معاناة النساء المعنفات، قائلًا إنهن يبالغن في الشكوى.

لكن الضربة الأقوى لشعبيته جاءت عام 2022، بعد مقتل نيرة أشرف، حين خرج بتصريح صادم: “المرأة تتحجب عشان تعيش، وتلبس واسع عشان متغريش، ولو حياتك غالية عليكِ اخرجي من بيتك بقُفَّة، لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود، عشان وقتها هيشوفك اللي ريقه بيجري ويقتلك”، وأثار هذا التصريح عاصفة من الغضب، وبدأ معه مبروك عطية يخسر جزءًا كبيرًا من مكانته لدى الجمهور.

عبر منصة “عرب كاست”، التي تُعَدّ مشروعًا إعلاميًا من إنتاج شركة “فيجنيرز” الإماراتية المتخصصة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، قدّم الدكتور مبروك عطية برنامج “كلام مبروك”، وهو البودكاست الذي أثار جدلًا واسعًا وأدى لاحقًا إلى إحالته للتحقيق بسبب محتواه.
من بين أبرز حلقاته، تلك التي استضاف فيها المطرب سعد الصغير، الذي فاجأ الجمهور بتلاوة آيات من القرآن الكريم على الهواء، إلى جانب استضافته لمؤدي المهرجانات حسن شاكوش. افتُتح اللقاء مع شاكوش بحوار طريف، حين سأله مبروك عطية ممازحًا:
“كل بنت هتشوفها هتقولها عود البنات شاكك؟”، في إشارة إلى أغنيته الشهيرة “عود البطل”. فردّ شاكوش مازحًا: “لا، هقولها سكر محلي محطوط عليه كريمة”.

أثار هذا الرد إعجاب مبروك عطية، الذي علّق مبتسمًا: “الله!”، لكن الحوار استمر بروح الدعابة، حيث أضاف شاكوش: “كعبك محني والعود عليه القيمة”، مما دفع عطية لسؤاله متعجبًا: “إنت شوفت كعبها منين يا حسن؟”، ليرد الأخير بعفوية: “شوفت كعبها وهي ماشية، أنت مشوفتش كعب بنات قبل كده؟”.
لم يتردد مبروك عطية في الرد قائلاً: “واللي خلق الخلق، لا شفت كعب ولا غير كعب”، إلا أن شاكوش واصل ممازحته: “ما شوفتش في الحقيقة يبقى شوفت في التلفزيون”، وبعد هذه الممازحات، انتقل الحوار إلى منحى أكثر جدية، حيث طرح مبروك عطية سؤالًا مفاجئًا: “هو إنت لو صليت، خايف ربنا يتقبل صلاتك ويتوب عليك من الغُنا؟ هل إنت معتقد إن غُناك معصية، فبتقول خليني ماشي زي ما أنا وربنا ميتوبش عليا؟”، وجاء رد حسن شاكوش غير متوقع، حيث قال بصدق: “أنا أمنية حياتي، نفسي بعد ما أبطل غُنا، وربنا يتوب عليا، أكون إمام جامع”.
ليه مبروك عطية بيحب الشو؟

في 25 فبراير 2021م، واجه الدكتور مبروك عطية انتقادات واسعة بسبب أسلوبه الحاد في الحوار، حتى من قبل بعض ضيوفه، لكنه رفض بشكلٍ قاطع إجراء أي تغيير في طريقته، معتبرًا أن ذلك يمس جوهر شخصيته وهويته.

كان يرى أن الأسلوب جزء لا يتجزأ من الكيان، وأن التخلي عنه أشبه بالتخلي عن نفسه، وحين سُئل عن ردود الفعل السلبية التي تلاحقه، اكتفى بالرد قائلًا: “ما يهمني هو أن يصل العِلم للناس“.
وهنا بيت القصيد، هل مبروك عطية يقدم علمًا ؟!، وبالتأكيد فإن من ظاهر كلامه هو يقدم فتاوى رغم أنه هو نفسه لا يعترف ببرامج الفتاوى كما قال للإعلامية منى عبدالوهاب، لكن وبعيدًا عن مسألة الوقار عند العالم ونحو ذلك.
أي علم يقدمه مبروك عطية وهو يتغذى على المقاطعة واستعراض خبرته في القضايا الاجتماعية، وأي علم يمكن تقديمه لامرأة تعاني من مشكلة ما كبيرة أو صغيرة، هي فيها السبب أو ضحية، ويخاطبها بـ (يا ولية، يا بت، يا مهفوفة، يا مجنونة)، وأي علم يقدم لشاب يعاني من مشكلة كبيرة أو صغيرة ارتكبها أو هو ضحيتها ويقول له مبروك (ياض اسمع، يا ولا، يا مهفوف).
لو سألت الآن أي رجل وامرأة عن فتوى دينية ما تكلم فيها مبروك عطية فلن يقول: مبروك عطية قال كذا، أصل سمعت في التلفزيون مبروك عطية بيقول كذا، إنما “لزمات” مبروك أشهر مما يقوله، وعنفوانه (المتكبر) المنفوخ أكبر من كلامه.
مبروك عطية، مثلاً، خريج قسم اللغة العربية وأستاذ فيها، ولم يحصل على ليسانس الشريعة إلا حديثاً، بعد سنوات طويلة من تقديم نفسه على الفضائيات كفقيه ومفتٍ، يعتمد الشيخ على شرعية مؤسسته التعليمية في البطاقة، متخليًا عن أخلاقٍ مفترضة، ومتحليًا بشبحنة تقوم على التنمر والاستهزاء والشتائم.
إشكالية مبروك عطية ليست في منعه وإنما إشكاليته في (غروره) وأنه لا يريد أن يسمع نقدًا، وأرشيف الرجل متاح على يوتيوب، فحتى الهدف وهو (نشر العلم) لم يتحقق لأنه يقدم ضحكًا بسلاطة لسان بدون هدف.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟







