هذا ما قصدته بجملة مبقاش ينفع خلاص .. “خاطرة لم ولن ينشرها هشام عشماوي”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ـ مدخل ـ
“سؤال تردد كثيرًا مع الحلقة 29 من مسلسل الاختيار وهو «ماذا قصد هشام عشماوي بجملة مبقاش ينفع خلاص»
والتي قالها قبل لحظات من إعدامه، أهو ندم أم تراجع أم يأس.
قمنا على موقع الميزان بالإجابة على لسان عشماوي بطريقة فانتازية قريبة من الحقيقة؛ وإلى نص الخاطرة”.
***
(1)
مثلي لا يعرف الندم ولا ثقافة الاعتذار حتى لو بداخلي شعور بالخطأ، ليس تكبرًا مني على الحق لكنه كبرياء ذاتي، وبالتالي فلم أبين يومًا مشاعري لمخلوق لكن خالقي يعلمها.
أشعر بسخرية قدرية من مصيري مصدرها اسمي، فكأن كل من انتسب إلى «علي عشماوي» مصيره الجُبْن المخزي، ففي الستينيات كان علي عشماوي هو الكاشف لتنظيم معلمي الروحي سيد قطب بعد أن كانا صديقين وتفانيا في التنظيم، والآن فإن أبي الذي اسمه «علي عشماوي» رباني على التدين الشديد لكنه لم يعلمني الصمود فقمت بالكشف عن كافة إخوتي في الله الذين يجاهدون داخل ليبيا ومصر.
(2)
«مبقاش ينفع خلاص»
سويعات تفصلني عن الموت بحبل المشنقة وسيُطْرَح عليّ السؤال الأسخف «مافيش حاجة عايز تقولها ؟»، وسأجيب بجملة واحدة هي مبقاش ينفع خلاص لأن السؤال سخيف، فكأن الذي أريد قوله سينقذني أو سيغير من مصيري، فلا توجد فائدة لي من إجابتي على هذا السؤال.
فعلاً أي كلام ليس له نفع لي، ماذا أقول ولمن ؟.
لن يصدقني أحد، ولا يهمني تصديق أحد، فليفطس الجميع عدا نفسي وبالتالي فسأجيب على نفسي ربما أفيد غيري بالإجابة على هذا السؤال، ربما أتسبب في تغيير قدر شخص أو طريقه.
أريد أن أقول أني لم أندم على أفكاري يومًا ليس لأنها صحيحة وإنما لأني لا أعرفها أصلاً، فأنا لم تكن لي أفكار من الأساس، فالفكر يعني ثقافة والثقافة تعني تنوع القراءة وأنا لم أكن يومًا مثقفًا أو قارئًا حتى أشكل لنفسي فكرًا أو أنتمي إلى فكر.
أريد أن أقول أني نادم على فشلي، فشلت في أن أترك بصمة راقية تجعل الناس تترحم عليّ, والمرة الوحيدة التي اخترت فيها طريقًا لنفسي فشلت حتى في التفكير والتمعن.
أريد أن أقول أنا نادم على الوهم الذي عشت فيه بأني شجاع لا أهاب الموت، إذ كان بإمكاني أن أفخخ نفسي لكي لا يقبض عليّ أي جلاد لكني لم أفعل لأكتشف في تلك اللحظة أني جبان، بعد أن كنت بشهادة العسكريين ضابط يُنْظَر له بعين الشجاعة.
مبقاش ينفع خلاص إني حتى أتوب، فأنا حزين على أني لم ولن أستطيع التوبة فلن تسنح لي فرصة للقيام بها لعدم توافر شروطها فيّ فمن شروط التوبة ندم وعزم وإقلاع وصفح من ظُلِم، وأفتقد لثلاث شروط فليس لي فرصة للحياة حتى أنوي عدم تكرار ما فعلت وأقلع عنه، وبالتأكيد لن يسامحني من جنيت عليهم، فأشباحهم تلاحقني في نومي ويقظتي والموت لي راحة مؤقتة قبل أن ألقاهم وأنا أحمل دماءهم بين كفيّ.
أريد أن أقول أني نادم على قتلي لأشخاصٍ لا أعرفهم من أجل أناس أجهلهم ولم أفطن حقيقتهم، قلبي ربما لم يعرف للرحمة طريقًا ولا للرقة سبيلاً، لكنه يعرف معنى الحياة، وحزين لأني أنهيت حياة أشخاص ربما أغلبهم كان سيحيا حياة أفضل مني ودليلي على ذلك ما لقيته في الفرافرة من شباب ورجال شجعان قاوموا الموت فنالوه بشرف بينما أنا هربت من رصاصهم بعد أن تلقيت رصاصتين هربت بهما وكانت إحداهما سببًا في جعلي أعرجًا.
(3)
«لا تخرج عن طَوْع أبيك لكن تمرد عليه ولو ذاتيًا»
أبي كان متدينًا بتشددٍ في مناخ سبعيناتي حقير، فبالتزامن مع إعلان الشيخ كرم زهدي عام 1978 قيام الجماعة الإسلامية كنت قد وُلِدت.
الأب رب لكنه ليس إله، والآباء يؤثرون في حياة أنجالهم منذ طفولتهم، فمثلاً أشهر ملحد في بداية القرن العشرين واسمه إسماعيل أدهم كفر بالإسلام بسبب تربية أبيه له وهو طفل، كان يضربه حتى الإعياء لكي يحضر صلاة الفجر ويذيقه سوء العقاب لكي يحفظ آيتين، فلما كبر كفر بكل شيء له صلة بالإسلام.
طبعًا لن أختار مصير إسماعيل أدهم لكني أسأت اختيار نمط التدين الإسلامي، فقد رباني أبي على الإسلام لكن بتشدد، حدد لي ما أقرأ ولم يضع أمامي حرية الاختيار، ولم أحاول مطلقًا أن أتمرد على تربية والدي لي، فلم أسرق وقتًا لكي أقرأ في أي شيء آخر، ولم أنتهز أي فرصة لتنوع معارفي وأفكاري، ليتني فعلت.
(4)
«نفسي في إيه قبل ما أموت ؟ نفسي أقتل مراتي»
لم يكن القتل بالنسبة لي شهوة أو أمنية، بل كان على قناعة، لكن لو سنحت الظروف لي الآن بتكرار القتل فسأقتل شخصًا واحدًا هو زوجتي لكن ليس عن قناعة وإنما لتحقيق أمنية سأستمتع وأنا أحققها، وإن تقابلنا في الآخرة فسيفصل الله بيننا بالحق، ولو سألني الله ماذا تريد قبل الجزاء فسأطلب منه أن يقتص لي من زوجتي، أنا الآن أكرهها جدًا.
لعنة الإسم النحس لاحقتني في حياتي الزوجية مع «نسرين» فالشارع الذي يقع به منزلنا اسمه «علي عشماوي» وهي لم تقل خسةً عن علي عشماوي الإخواني، وقد كان الغباء مني أني لم أعرف الإخوان جيدًا، فهم أحقر الغادرين.
نسرين أكاديمية ولها رسالة ماجستير عن السنة والشيعة، وهي تربية إخوانية، لم يكن بيننا قصة حب وإنما مجرد تلاقي وتفاهم جمعنا في زواج صالونات، هكذا تصورتُ أنا، لم أفكر يومًا عن سبب حب نسرين في الارتباط من ضابط جيش، حسبتها تريد الحظوة لكني اكتشفت أني جزءًا من أحلام التمكين للجماعة، كانت تسألني كثيرًا عن المجتمع العسكري، وغضبت مني حين خرجت من الخدمة، والأزمة ليست هنا وإنما في تنكرها لي بعد اكتشاف أمري.
نسرين قالت في التحقيقات «فوجئت بأن زوجي يعتنق أفكارًا تكفيرية» وكأنها لم تكن تعلم أو أنها كانت من مريدي مدرسة فرج فودة أو توفيق الحكيم، ونسيت أنها تلميذة نجيبة للشيخ محمد عبدالمقصود الذي وصف خروج معارضي الإخوان بالكفار والمنافقين؛ نسرين التي كانت تشرح لي ما أجهله من معاني داخل كتاب «معالم في الطريق» لـ سيد قطب، تتدعي أنها متفاجئة من أفكاري وقناعاتي.
نسرين لا تستحق الحياة ولا حق لأحد أن يكون سببًا في أخذ روحها سواي، هي لم تسحبني لطريقي لكنها تنكرت لي بعد أن توافقنا، وأريد أن أقتلها لأنها أم والأم لا تصلح أن تكون جبانة فهي ستربي أولادها على أن يكونوا فئرانًا مثل أبيهم، فهو الآن فأر ليته وقع في المصيدة بعد اجتهاد، وإنما فأر دخل معمل وخضع للتجربة ففشلت التجربة ولم يتمكن من الحياة.
(5 ـ أخير)
أنا هشام علي عشماوي .. أشتاق إلى جبل الأعراف
أتمنى في الآخرة أن يخيرني الله بين مصيرين إما جهنم أو جبل الأعراف، فأنا أعلم أني مفلس وعليّ ديون وسيكون مصيري كما في حديث «أتدرون من المفلس» وسيأخذ ضحاياي من حسناتي أو آخذ أنا من سيئاتهم، أعرف أن جبل الأعراف لمن تساوت حسناتهم بسيئاتهم، فلتكن خاطرتي هذه من قلبي حتى توضع على ميزان العدل، فأنا لن أطيق جهنم، وأتشكك في دخولي الجنة، يكفيني جبل الأعراف، وليرحمني الله في حسابه لي.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال