همتك نعدل الكفة
1٬052   مشاهدة  

مجتمعات ضيقة .. إعلان مدينتي يفضح طبقيتنا

مدينتي


منذ عدة أيام عُرض إعلان مدينتي ، وفي شهر رمضان يكون الإقبال على مشاهدة الأعمال الدرامية والبرامج الترفيهية في ذروته، فكانت نسبة مشاهدة الإعلان عالية، وأثار الإعلان حفيظة الأغلبية بسبب عبارات أن المدينة السكنية تضم (ناس شبهنا) وأنهم لا يخرجون من المدينة لأي مكان آخر بسبب توافر كل إمكانيات المعيشة بها، واعتبر الأغلب الأعلم من المشاهدين أن هذا الإعلان عنصري، ويدعو طبقات معينة للإنعزال عن باقي الشعب بطبقاته، فهل فكرة الإنعزال الطبقي جديدة على الشعب المصري؟

الطبقية في مصر قديمة قدم فكرة المركزية في الحكم وبالعودة للوراء قليلا نجد أن هناك أحياء سكنية أنشأت خصيصا لطبقات معينة، مثل حي(جاردن سيتي) والذي تم إنشاءه في منطقة  برك ومستنقعات،والذي أمر بإنشاءه الخديوي إسماعيل، مع خطته لتوسيع القاهرة بعدما فشل في توسيع القاهرة القديمة بسبب جغرافيتها، وكان الغرض من إنشاء الحي إيجاد أماكن لضيوف مصر من الأجانب الحاضرين لافتتاح قناة السويس..

أغلب المقيمين فيه كانوا من طبقة البشاوات والوزراء لقرب الحي من منطقة عابدين حيث قصر الحكم، والبرلمان المصري، وسهولة الوصول إليه، وكان حيا مغلقا على ساكنيه ففيه مدارسهم ودور العبادة الخاصة بهم، وقريبا من بعض الأندية الرياضية المشتركين بها مثل نادي الجزيرة، أونادي السيارات،أو كلوب محمد علي الشهير والذي أصبح الآن النادي الدبلوماسي المصري، والداخلين للحي كانوا العاملين في قصور البشاوات من موظفين وخدم واللذين أقاموا في مناطق قريبة من الحي..

نفس الشيء حدث في حي المعادي والذي أنشأ أيضا بأمر من الخديوي إسماعيل،بعد أن قرر أن يستثمر منطقة حلوان والعيون الكبريتية التي بها وتحويل المنطقة إلى مركز عالمي للاستشفاء وبعد إنشاء السكك الحديدية لربط حلوان بالقاهرة نشأت منطقة المعادي، والتي أصبحت أشد عزلة من حي مثل جاردن سيتي حيث إقامة الطبقات الثرية والاستقراطية، والإنجليز، وعدد كبير من كبار أثرياء اليهود حتى أنهم أقاموا معبدا هناك حتى لايضطروا للذهاب لمعابد أخرى خارج الحي، وأصبح في الحي النادي الخاص بهم ودور العبادة والمدارس، وأماكن التنزه فلا يضطر السكان لترك حيهم الراقي المعزول لأي سبب وتتكرر الفكرة مع حي الزمالك، والذي فرضت عليه العزلة لكونه جزيرة في النيل نفس العزلة والخصوصية..

وحي مثل مصر الجديدة أنشيء ليكون سكنا لطبقة البرجوازية الجديدة، والوظفين وبه حيا للعمالوبه أيضا كل الخدمات ليستوعب الزيادة السكانية المطردة، حتى أنه نشأ نوع من العنصرة مابين سكان المعادي الأرستقراطيين على سكان حي مصر الجديدة البرجوازيين؟؟

المتتبع لأحاديث سكان كل حي من هذه الأحياء يجد نوع من التفاخر بسبب سكنه وانتسابه لهذه الأماكن..

فكرة الإنعزال الطبقي والتفاخر هذه وجدت لها حيزا في فترة الانفتاح الاقتصادي أيضا فقام العديد من الأثرياء الجدد للتوجه لحي مثل المهندسين لينشئوا فيه مجتمعهم الجديد، ولكن هذه المرة، بدون تخطيط  مميز، أو نسق معماري بل مجموعة من العلب الأسمنتية، وحي مثل مدينة نصر للقادمين من الخليج بمعتقادتهم وأفكارهم الجديدة على المجتمع المصري..

حتى الأحياء الشعبية العريقة، تعتبر مجتمع ضيق بعاداته وتقاليده البعيدة عن أجواء الأحياء الأرستقراطية، حتى أن سكانها اعتبروا أنفسهم من المجاورين، لمجاورتهم لأضرحة وجوامع آل البيت، وكلما كنت قريبا من الجامع أو الضريح، كلما دل هذا على تفردك وتميزك وأصالتك في الحي..

وقد اجتمع أصحاب المهن الواحدة في أحياء خاصة بالحرف، فهناك أحياء للفاحمين، والنحاسين، والخيامية..إلى آخره من المهن..

حتى في الوجهين القبلي والبحري، كل قرية تمارس عنصريتها على القرية المجاورة، ويظل سكان المركز هم الطبقة الأرقى، ويعتبر سكان القرى أنفسهم أرقى من سكان الكفور والنجوع..

إقرأ أيضا
فريضة الحج

الثورة على إعلان مدينتي هي نوع من أنواع التغافل عن تلك الطبقية المتجذرة في الشعب المصري عبر الزمن، ففكرة السور حول الأحياء الجديدة بهذا الشكل الواضح مفزعة للجميع، لأن هذا السور موجود طوال الوقت في النفوس ولكنه لا يظهر، فالأمثال الشعبية كفيلة بإيضاح هذه الأسوار، (عاوز تربط حمارتك جنب حمارة العمدة) مع إن الإثنان حماران من نفس الفصيلة، وإذا قرر أي فتى وفتاة من حيين مختلفين طبقيا الارتباط يقال جملة (هم مش من توبنا ولا احنا من توبهم) دلالة على الاختلاف الطبقي والاجتماعي..

تلك الطبقية في الحقيقة مزيفة، فالأحياء قديمها وجديدها سواء بسور نفسي أو بسور حقيقي، تمر بنفس أزمات مصر ككل، فالهواء الملوث بالعادم واحد، والماء الغير صالح للشرب واحد، واللحوم الفاسدة واحدة، ومناهج التعليم واحدة،وإن اختلفت أسماء المدارس، والسلوكيات السيئة واحدة وإن اختلف أماكن أصحابها وشكل السلوك السيء، فجميعنا تضيع أعمارنا على الطرق المزدحمة، ونلهث وراء اللاشيء..

كل مافعله إعلان مدينتي أنه فضح طبقيتنا ووضعها أمامنا بلا أي رتوش، فصناع الإعلان مصريون يخاطبون مصريين

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
14
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
2
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان