همتك نعدل الكفة
572   مشاهدة  

محمد القصبجى كمعلم وأستاذ..من سيرة الموسيقار

القصبجى


أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الخامسة عشر من قصة الموسيقار الكبير نحيل الجسد قوي الفكر، المرحوم محمد علي القصبجي، وكنا قد انتهينا في اللقاء السابق من الحديث عن القيمة الحقيقية لأعمال المرحوم محمد القصبجي ومعياريّ التقييم اللذين يجب الالتفات إليهما لإدراك تلك القيمة، وكذلك تحدثنا عن محمد القصبجى كمعلم وأستاذ لكبار موسيقي عصره واليوم نكمل الحديث حول أستاذية القصبجي وكونه معلما ومؤثرا في جيل كامل من الموسيقيين.

المرحوم محمد القصبجي أستاذا لجيل كامل من الموسيقيين:

لم تكن مسألة أستاذية القصبجي بين موسيقيّ جيله مسألة مبالغا فيها أو مجرد كلاما يقال لرد الجميل أو تعويضا عما أصاب القصبجي من غبن أو ظلم، بل كانت نتيجة بديهية لما كان عليه فنه ولما قدمه من تجديد وتطوير سارع كل الموسيقيين للاستفادة منه، لذلك يعبر البعض عن تلك النتيجة الحتمية بمقولة أنه لم يكن لهذا الملحن العبقري مكتمل الشروط إلا أن يتحول إلى أستاذ يزدحم من حوله التلاميذ، وهذا ما حدث بالفعل مع المرحوم محمد القصبجي كما ذكرنا في الحلقة السابقة، فكانت تلميذته الكبرى والنجيبة أم كلثوم إبراهيم، كذلك تعلم على يديه عزف العود مجدد كبير في الموسيقى العربية، هو الموسيقار محمد عبد الوهاب.

السنباطي يتأثر بفن المرحوم محمد القصبجي:

الحديث عن تأثر الموسيقار رياض السنباطي بالمرحوم محمد القصبجي يطول ويطول، فقد تأثر رياض السنباطي بالمرحوم محمد القصبجي تأثرا كبيرا وواضحا وقد بدا ذلك جليا في تلاحينه التي اشترك فيها مع محمد القصبجي في فيلم أم كلثوم الأول نشيد الأمل عام 1936م، ففي هذا الفيلم غنت أم كلثوم من ألحان محمد القصبجي يا مجد ياما اشتهيتك، ومنيت شبابي بالنعيم ويا الحبيب، وياللي صنعت الجميل، وقد تولى عزيز صادق التوزيع الموسيقي، فكانت وبحق أول محاولة جدية للتوزيع الموسيقي في الغناء العربي، وقد استفاد المرحوم رياض السنباطي من تلك التجربة، ففي الفيلم ذاته غنت أم كلثوم من ألحان رياض السنباطي قضيت حيت، وافرح يا قلبي لك نصيب تبلغ مناك ويا الحبيب، ونشيد الجامعة، والمتتبع لفن الكبيرين القصبجي والسنباطي يدرك جيدا مدى تأثر رياض السنباطي في تلك الألحان بطريقة تلحين المرحوم محمد القصبجي، لدرجة ذهاب البعض إلى وصف تلك الأغنيات بأنها نسخة ممتازة من ألحان المرحوم محمد القصبجي يكاد المتخصصون يعجزون عن تفريقها، كذلك من الملامح الواضحة لتأثر المرحوم رياض السنباطي بالمرحوم محمد القصبجي البصمات الواضحة في مونولوج غلبت أصالح في روحي سنة 1946م، التي شابهت إلى حد كبير مونولوج رق الحبيب للمرحوم محمد القصبجي سنة 1944م، ليس على مستوى الجمل اللحنية فحسب بل على مستوى اللوازم الموسيقية حتى، ولا أخفيكم سرا فكثيرا ما أشعر وأنا استمع لمونولوج غلبت أصالح في روحي وخصوصا في النصف الثاني من المونولوج أنني ذهبت في رحلة سريعة لمونولوج رق الحبيب، والمتخصصين من أهل الموسيقى والسماع يؤكدون دائما أن غلبت أصالح هي نسخة معدلة من رق الحبيب على مستوى التلحين واللوازم الموسيقية، دون تقليل أبدا من شأن الموسيقار الكبير رياض السنباطي الذي وضع بصمته الواضحة في المونولوج، وهذا المونولوج بدوره قد نقل منه لأغان أخرى دون التقليل من شأن تلك الأغاني، ويحضرني في هذا المقام أغنية طلع الفجر يا حبيبي وغنى الطير بين الغصون لحن الصباح، التي غنتها المطربة الكبيرة فتحية أحمد من ألحان رياض السنباطي، حيث يلاحظ جيدا استنساخ اللازمة الموسيقية التي تأتي قبل جملة وكان رضاك من مونولوج غلبت أصالح لتأتي في طلع الفجر قبل “أيها الساحر ماذا فعلت بفؤادي مقلتاك” الثانية ” ولتتكرر مجددا قبل “وهموم العيش يا ساحر ولت كلها عند لقاك”.

إقرأ أيضًا…عن جارة القمر “فيروز” ورحلة النزول إلي الأرض

على أية حال فإن من المعالم الهامة والواضحة لتأثر المرحوم رياض السنباطي بالموسيقار محمد القصبجى بواكر تسجيلات كوكب الشرق أم كلثوم، فالشائع عند محبي تلك التسجيلات أن الكثيرين قد يخطئون في التمييز بين ألحان السنباطي والقصبجي في تلك المرحلة، ولعل ذلك راجع في الأصل ليس لقدرة المرحوم محمد القصبجي العظيمة وتجديده وموسيقاه الفذه فحسب بل لمسألة السبق في التلحين، فالقصبجي قد عمل مع أم كلثوم قرابة الثلاثة عشرة سنة قبل أن يتعاون معها المرحوم رياض السنباطي سنة 1936م، وربما قد اعتادت كوكب الشرق على لون معين من التلحين وطريق واضح رسمه لها المرحوم محمد القصبجي، فربما كان لزاما على الموسيقار رياض السنباطي أن يسير عليه ولا يخرج عنه مرة واحدة، أو بمعنى أدق كان على رياض السنباطي أن يتبع في طريق تطويره الخاص لفن أم كلثوم الذي تبلور عن شكل جديد للقصيدة منحى التدرج للتخلص من تراكمات المرحوم محمد القصبجى خلال سنوات العمل الطويلة مع أم كلثوم والتي بلا شك لها قيمة كبيرة وعظيمة جملت تاريخ أم كلثوم خلال فترة العشرينيات والثلاثينيات، وقد ظل المرحوم رياض السنباطي يقر حتى آخر حياته بفضل المرحوم محمد القصبجي عليه، كذلك ظل مقرا بهذا التأثر مكنا للمرحوم محمد القصبجي الاحترام الشديد ويعده واحدا من ثلاثي القمة مع الموسيقار محمد عبد الوهاب والشيخ زكريا أحمد.

والحق أن المرحوم محمد القصبجى لم يكن أستاذ لتلك الأسماء الكبيرة وحدها، فالقصبجي كان أستاذ لجيل كامل من المطربين والموسيقيين، فممن تتلمذوا على يديه في مرحلة من مراحلهم المطربة الكبيرة فتحية أحمد وسلطانة الطرب منيرة المهدية والمطربة الجميلة نجاة علي، ثم من الجيل الذي تلاهم ليلى مراد ونور الهدى وسعاد محمد، وعلى وجه الخصوص المرحومة أسمهان الأطرش التي مثلت مع ليلى مراد موضع تجارب القصبجي الموسيقية، وفي هذا الصدد أذكر قول المرحوم فريد الأطرش شقيق أسمهان ” لو أمد الله في عمر أسمهان لكان في إمكانها أن تشكل بألحان المرحوم محمد القصبجي الخطيرة منافسة جدية لكوكب الشرق أم كلثوم”.

كذلك امتد أثر المرحوم محمد القصبجى إلى الموسيقار محمد الموجي الذي لحن نشيد الجلاء لأم كلثوم سنة 1954م، بمناسبة توقيع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على اتفاقية جلاء الانجليز عن مصر، ويقول الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب عن هذا اللحن بالتحديد إنه لحنا قصبجيا من طراز 54، كذلك اعترف موسيقار الأجيال بأنه تأثر هو الآخر بالمرحوم محمد القصبجي في ميدان قالب المونولوج، وقد ترك هذا الأثر بصمته في بعض أغانية مثل اللي يحب الجمال، والليل يطول عليّ، وبلبل حيران، وأهون عليك تزيد ناري، وفي الجو غيم حجب القمر، كذلك أقر الموسيقار محمد عبد الوهاب للموسيقار محمد القصبجي بأنه أول من أدخل الهارمونيا في الموسيقى العربية.

يقول الدكتور فيكتور سحاب:

إقرأ أيضا
إيران

إن شهادة الموسيقار محمد عبد الوهاب للموسيقار محمد القصبجى بأنه أول من أدخل الهارمونيا في الموسيقى العربية هي شهادة تاريخية مهمة، ذلك أن السابق إلى الهارمونيا في الموسيقى العربية لا يمكن أن يكون غير واحد من اثنين، القصبجي أو عبد الوهاب نفسه، وهذا يعني أن سيد مطربي القرن العشرين “عبد الوهاب” قد لحق القصبجي في هذا الفن الموسيقي في أغنيات كثيرة منها مونولوج “كتير يا قلبي” الذي يتضمن بوليفونيا مغناة في النصف الثاني منه عند قوله: حبيت وقاسيت وصبحت سقيم.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث عن هذا الموسيقار الفذ في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان