همتك نعدل الكفة
56   مشاهدة  

محمد رشدي الرجل الذي عاد من الموت مرتين

محمد رشدي


في مايو من عام 1952 أذاعت الإذاعة المصرية أغنية قولوا لمأذون البلد من كلمات محمد فتحي مهدي وألحان وغناء محمد رشدي، لتتعرف أذن الجمهور على صوت محمد رشدي، وليبدأ محمد رشدي رحلته في الإذاعة، ولكن على عكس السائد لم يبدأ محمد رشدي رحلته كنجم أو اسم لامع في الغناء، بل ظل ما يقارب السنوات العشر مجرد مطرب يمتلك صوت جيد ولكنه في المنطقة الدافئة فلا هو المطرب المغمور ولا هو المطرب المشهور، 10 سنوات في المنطقة الرمادية حتى صادفه الموت الأول.

الموت الأول والبعث الفني الأول

في يونيو من عام 1959، يصطدم الموت بمحمد رشدي، الجملة ليست مجازية بل رشدي بالفعل كان على حافة الموت، في تلك الفترة دأبت الحكومة المصرية على قيام حفلات للترفيه عن المجندين في الجيش في العديد من المواقع ولا سيما القريبة من القاهرة، وفي إحدى تلك الحفلات كان من ضمن برنامجها فقرة غنائية لمحمد رشدي وفقرة رقص شرقي للراقصة نادية فهمي، وكانت الحفلة في السويس، وفي طريق العودة بعد انتهاء الحفل تطلب نادية فهمي من رشدي أن ينتقل إلى كرسي أخر لأنها ترغب في النوم، بالفعل ينتقل رشدي للجانب الأخر، لتمر دقائق قبل تصطدم الحافلة بسيارة نقل من الجهة التي كان يجلس بها رشدي ونادية فهمي، لتتوفى نادية فهمي في الحال، بينما يطير رشدي خارج الحافلة ويصاب بكسور وجروح في الوجه والجسم ويصبح في حاله خطرة.

محمد رشدي
محمد رشدي

الحادث المؤلم جعل رشدي يعيد حساباته، خاصة وأنه لم يحقق النجاح المدو الذي يتمناه أي فنان، ولكن نجاته من الموت في الحادث، لم تكون سوى شهادة ميلاد فنية من جديد، فرصة جديدة وحقيقية للانطلاق، فبعدها بعاميين عام 1961 يبحث عنه الشجاعي ليغني مواويل مسلسل أدهم الشرقاوي في الإذاعة ليصبح اسم رشدي على كل لسان، ولكن لم يكن أدهم الشرقاوي هو شهادة الميلاد بل يمكن اعتباره المخاض بينما شهادة الميلاد الحقيقة كانت في طريقها إليه من أقصى الصعيد.

حينما تقابل محمد حسن الشجاعي مع عبدالرحمن الأبنودي للمرة الثانية، ليعرض عليه الأبنودي عدد من الأغنيات، كان من بينها أغنية تحت الشجر يا وهيبة، ليسأله الشجاعي عمن يتخيله يغني تلك الأغنية الجريئة والغريبة ليفاجئ برد الأبنودي الحاسم “محمد رشدي” وقتها كان رشدي عاد لانعزاله، كان يمضي قدمًا في قرار اعتزاله الفن، وكان هذا شبه معلن في الوسط الفني، لذلك كان اندهاش الشجاعي من رغبة الأبنودي وأمام إصراره لم يجد حل سوى أن يعطي رقم هاتف رشدي للأبنودي ليتواصل معه، وقد كان.

YouTube player

 

والحقيقة أن الأبنودي هو من أعاد رشدي من الاعتزال، لتظهر تحت الشجر يا وهيبة إلى النور، وتقوم الدنيا دون أن تقعد، وفجأة يتحول رشدي إلى نجم النجوم، وتتحول وهيبة إلى الأغنية الأكثر سماعًا وطلبًا في الإذاعة، يتسيد رشدي الساحة، ويظن البعض أنه تسيد عابر ولكن تأتي أغنية عدوية لتكتسح الجميع أمامها، ثلاثية خارقة للطبيعة ألحان مختلفة معتمدة على الفلكلور مع كلمات شعبية بسيطة ومرادفات جديدة وصوت رائع، كانت تلك مقومات ثلاثية رشدي الأبنودي بليغ قبل أن يفتتها عبدالحليم حافظ ليعيد رشدي إلى الموت الفني مرة أخرى.

YouTube player

 

عرباوي.. على يد “حلاق”

بعدما انفصل الأبنودي عن رشدي واستحوذ عليه عبدالحليم حافظ أو على الأقل أبعده عن طريق رشدي خبا نجم رشدي، لم تعد هناك أغنيات ناجحة مثل عدوية وتحت الشجر يا وهيبة، عاد رشدي إلى المنطقة الدافئة ولكن الحقيقة أن القدر كان رحيمًا به خاصة وأن العودة إلى الموت الفني لم تكن بقرار منه بل بمنافسة -لنقل منافسة مجازًا- فنية بينه وبين أحد أذكى المواهب في عصره عبد الحليم حافظ، لتأتي الفرصة الثانية مرة أخرى من حيث لا يحتسب، من نافذة سيارته.

تقول الحكاية أن حلاقًا جاء من الأرياف يحلم بأمرين لا ثالث لهما، أن تكون هناك نقابة للحلاقين وأن يصبح شاعر غنائي، ذلك الرجل كانت له تجارب قديمة في الخمسينات ولكنها لم تنجح وهو نفسه ابتعد عن الساحة قبل أن يعود مرة أخرى، هذا الرجل هو حسن أبو عتمان الشاعر الملاكي لأحمد عدوية وأحد مظاليم كتابة الأغاني في المشهد الغنائي المصري، وشاعر غنائي من الطراز الثقيل.

حاول حسن أبو عتمان مقابلة رشدي لعرض أغنية عليه ولكنه لم يوفق فلم يجد بديلا سوا أن يترك له ورقه فيها كلمات الأغنية ورقم هاتف البقال المجاور لمنزله، داخل سيارة رشدي الخاوية بعد مجهود بذله ليزيح زجاج السيارة للأسفل بما يسمح بمرور الورقة، لتستقر على الكرسي المجاور للسائق، وبعدها يقرأها رشدي ويعجب بها ويطلب من حلمي بكر تلحينها ويتصل بحسن أبو عتمان وتخرج إلى النور عرباوي.

YouTube player

 

بلا شك هي واحدة من أشهر أغنيات محمد رشدي على الإطلاق وإحدى علامات الغناء الشعبي المصري، أغنية أعادة رشدي من الموت الفني للنجومية والبريق مرة أخرى، ملحن جديد كان يمتلك الفرصة ليكون احد أهم الملحنين في تاريخ مصر ولكنه أضاعها بشكل غير مفهوم وهو حلمي بكر، وشاعر رائع بسيط وسهل وسلس، وشديد الصدق، وصوت رشدي قدموا واحدة من أفضل الأغاني التي قد تمر على أذنيك ولكن رشدي يرفض الفرصة الثانية بشكل غير منطقي.

إقرأ أيضا
الفنان المصري
محمد رشدي
حسن أبو عتمان

يوعز عبدالحليم لبكر أن صاحبه -ويقصد رشدي- ضاق به الحال واصبحه نكت في المشهد الموسيقى لأنه يغني من كلمات حلاق، وأن رشدي بتعاونه مع حسن أبو عتمان تحول لمادة للسخرية في كواليس عالم الغناء والطرب، ولم يدخر بكر جهدًا فحمل ما سمع وألقاه في أذن رشدي، ليقرر رشدي إيقاف التعامل مع حسن أبو عتمان، ويظل حسن أبو عتمان عدة أعوام في انتظار صوت يحمل كلماته ليسوق له القدر أحمد عدوية، ليبني أبو عتمان إمبراطورية عدوية الكبرى بكلماته، فأكثر من 90% من أغنيات أحمد عدوية كتبها حسن أبو عتمان، بينما يعود رشدي إلى الموت الفني لسنوات طويلة.

صحيح أن بعدها نجحت له بعض أغنيات لعل أبرزها أغنية على الرملة وكعب الغزال وغيرها ولكن لم يذق رشدي النجاح المدوي سوى على يدي الأبنودي وأبو عتمان، وفي المرتين كان عائدًا من الموت الفني وفي المرتين يعود إليه مرة أخرى مرة بدون إرادته والثانية بإرادته الحرة.

محمد رشدي هو مثال على موهبة شديدة الجمال ولكنها كانت بحاجة لعقل راجح لإدارتها، فإدارة الموهبة تكاد تفوق الموهبة نفسها أهمية، ورشدي مثال على مواهب كثير في الوسط الغنائي المصري لم يكن لديها العقل الراجح لإدارتها لتصل إلى أفضل مكانة لها، أو لمكانه توازي موهبتها.

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان