محمد رمضان والصهاينة .. هل يلقى المتنمبر مصير سابقيه في طابور التطبيع الثقافي القصير
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
صدفة قدرية عجيبة في توقيت التقاء محمد رمضان وإسرائيليين فالمتنمبر بـ وان ظهر مع صهاينة في ذكرى آخر أيام السادات في إسرائيل حيث انتهت زيارته يوم 21 نوفمبر عام 1977 وفتحت بعدها تلك الزيارة التطبيع بـ 3 سنوات إلا في الوسط الثقافي المصري.
ظل الوسط الثقافي الفني في مصر بمنأى عن التطبيع طوال 43 عامًا ولم تستطع أي حكومة في الأنظمة التي حكمت مصر من السادات وحتى الرئيس السيسي أن تحيده عن هذا الخط، ورغم هذا فإن هناك طابورًا قصيرًا ضم رموزًا للتطبيع في الوسط الثقافي والفني وكلهم كانوا أسماء في أعلى قمة ووصلوا إلى أسفل قمة.
محمد رمضان وإسرائيليين .. النسخة الفجة من شيخ الأزهر الراحل
في العام 2008 أحدث الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر غضبًا عارمًا في الشارع المصري لقيامه بمصافحة شيمون بيريز وثارت ثائرة المصريين وقتها لدرجة جعلت إعلام نظام الرئيس مبارك يلتزم الحياد إزاء هذه المعركة.
كان شيخ الأزهر في ردوده عصبيًا ومتناقضًا بكل ما تحتويه الكلمة من معاني، ففي البداية تنصل من معرفته بشيمون بيريز وقال أنه لا يعرفه، وفي الحقيقة كان هذا تبرير كاذب، فشيمون بيريز بالنسبة لمنصب شيخ الأزهر نار على علم لأن المؤسسة الأزهرية طوال عهد طنطاوي أدانت كافة عمليات إسرائيل وبالتالي إن لم يكن شيخ الأزهر يعرف بيريز فتلك مصيبة المصائب لأنها تنم عن جهل فاضح.
لم يتمالك شيخ الأزهر أعصابه فظهر مع عمرو الليثي في مداخلة هاتفية وقال «أنا معرفوش .. ثم فيها إيه لما أسلم عليه .. دا رئيس دولة إحنا معترفين بيها».
اقرأ أيضًا
محمد رمضان يحتضن مطرب إسرائيلي في صورة .. حزينة البطن اللي جابتك
كانت أزمات شيخ الأزهر هي العامل الوحيد الذي أخرجته من أزمة بيريز سالمًا فدخل في معركة شرسة مع الصحفيين ثم المنقبات وبعد ذلك رحل في عام 2010 م.
اقرأ أيضًا
هدايا محمد رمضان على باب التطبيع و”باكره إسرائيل” ممنوعات
كان محمد رمضان فجًا لأقصى حد في ردوده فهو في البداية قال أنه لا يعرف أنهم صهاينة، ثم قال أنهم من الجمهور، وبعدها أخذ من أغنية حدوتة مصرية كوبليه «لا يهمني اسمك .. لا يهمني عنوانك .. مكانك .. يهمني الإنسان ولو مالوش عنوان».
أحمد لطفي السيد .. أول المطبعين مع إسرائيل
بعد عام واحد من إعلان وعد بلفور أقيم حفل وضع حجر الأساس للجامعة العبرية حتى أفتتحت رسمياً في الأول من إبريل سنة 1925 م، وكان الحفل ضخماً وحضره ممثلون كُثُر ، مثل اللورد آرثر جيمس بلفور والمندوب البريطاني السامي هربرت صمويل والزعماء الصهيونيون حاييم فايتسمان، الحاخام إبراهيم إسحاق كوك وحاييم نحمان بياليك.
ترأس حاييم فايتسمان مجلس أمناء الجامعة الأول وكان بين أعضائه ألبرت أينشتاين، حاييم نحمان بياليك، آحاد هعام، ناحوم سوكولوف، يهودا ليب ماجنس وغيرهم من العلماء والأدباء اليهود بمشاركة من أحمد لطفي السيد رئيس الجامعة المصرية.
لم يكن أحمد لطفي السيد هو المدعو لذلك الحفل ، فقد كان أيضا أحمد زكي باشا مدعوا لكنه أهمل الدعوة ولم يرد عليها ، فتم إيفاد أحمد لطفي السيد والذي رحب بالزيارة، ومع المعارضة الشديدة لذلك ، أصدر لطفي السيد بيانا شرح فيه مهمته في القدس، وطبيعة الدعوة الموجهة من جامعة علمية ليس لها علاقة بالسياسة ـ حسب ظنه آن ذاك ـ .
لكن وسائل الإعلام الصهيونية استثمرت حضور مدير الجامعة المصرية في حملات البروباجندا ، فضلاً عن وكالة رويترز التي لم تذكر من أسماء من حضروا ذلك الحفل إلا اسم لطفي السيد وعلقت صحيفة بالستاين ويكلي الصهيونية ، على تلك الزيارة بقولها “إن حضور مندوب مصر.. كان دليلا على أن مصر العاقلة لا ترى في الصهيونية رأي أهل فلسطين” .
أثرت هذه الزيارة على المستقبل السياسي لأبو الليبرالية المصرية أحمد لطفي السيد ، فلم يشارك كثيراً في أي عمل سياسي واكتفى بإدارة الجامعة المصرية ومجمع اللغة العربية حتى وفاته عام 1963 م.
وجيه غالي .. الرجل اللغز والنهاية الأكثر لغزًا
ألقى العام 2006 الضوء على حياة وجيه غالي التي ظلت غامضة طيلة 42 عامًا، فهو أول أديب مصري يقوم بالتطبيع مع إسرائيل في زمن جمال عبدالناصر، وحتى الآن فإن حياته غامضة كموته تمامًا.
حزم وجيه غالي حقائبه مع عام 1960 قبل أن تطوله القرارات الاشتراكية أو تهمة الشيوعية بحكم عمله الصحفي، وعمل في وظائف متعددة بين انجلترا وألمانيا حتى أصدر رواية بيرة في نادي البلياردو وكتب فيها قصة الشاب رام المنتمي لعائلة ثرية وغادرت مصر بعد ثورة يوليو ومن هذا البناء الدرامي تصور الكثيرين أنها قصة حياة وجيه الحقيقة.
جاء العام 1967 بانهيار للحلم الناصري وتحول إلى كابوس قومي ومع أول انتصار للقوات المسلحة في يوليو من نفس العام كان وجيه غالي قد تعاقد مع مجلة صنداي تايمز كمراسل لها داخل إسرائيل فقررت السلطات المصرية سحب جواز سفره في أغسطس من نفس العام وظل وجيه غالي مناصرًا لإسرائيل ومعاديًا للعرب وانتهت حياته منتحرًا في 25 ديسمبر 1968 م.
ربما التبرير الوحيد لموقف وجيه هو ما ذكرته صديقته ديانا آتهيل صاحبة الشقة التي انتحر فيها إذ أشارت إلى أن تصور وجيه هو أن علاقته مع إسرائيل ستساعده على توفير حياة غنية وثرية له لكن هذا لم يحدث.
علي سالم .. الضائع بعناده وإرادته
سيرالية عبثية في علاقة الكاتب المسرحي علي سالم وإسرائيل، فهو صاحب مسرحية أغنية على الممر التي كتبها عام 1970 وتحولت لفيلم سينمائي بعد ذلك بعامين، وهو أيضًا صاحب أكثر المواقف المؤيدة للتطبيع مع إسرائيل.
اقرأ أيضًا
خلاف البابا شنودة مع الرئيس السادات بسبب زيارة القدس “كل المشهور خاطئ”
ارتفع نجم علي سالم إلى السماء في سنة العبور من الهزيمة للنصر لكن ليس بعمل وطني وإنما بمدرسة المشاغبين وظل بعدها بين التأليف المسرحي وصياغة الحوار السينمائي لبعض الأفلام إلى أن جاءت زيارة السادات للقدس عام 1977 وأيدها بضراوة.
لم يكن علي سالم مختلفًا عن بعض الرموز الثقافية في تأييده للسلام، فمثلاً توفيق الحكيم كان يأخذ أموالاً من أول سفير إسرائيلي في مصر نظير توزيع رواياته داخل تل أبيب، ونجيب محفوظ يرفض فكرة الحرب اللامحدودة ويؤيد السلام؛ ومع ذلك فإن الأوساط الثقافية ظلت تحترم توفيق الحكيم صاحب عودة الروح ونجيب محفوظ صاحب نوبل، لكن الأمر مع علي سالم اتسم بالاختلاف في المصير لأنه كان متطرفًا في تأييده.
بعد توقيع اتفاقية أوسلو زار علي سالم إسرائيل عام 1994 وأجرى لقاءات مع رموز يهودية ثم رجع لمصر وكتب كتاب رحلة إلى إسرائيل، وأعلن تأييده الكامل لها ثم منحته جامعة بن جوريون دكتوراة فخرية سنة 2005 ومنعته الحكومة من السفير لاستلام الجائزة فشجعته أمريكا بجائزة الشجاعة المدنية عن مؤسسة تراين عام 2008 بلندن.
كان مصير علي سالم مأساويًا فقد تم شطبه من نقابة الفنون وظل منبوذًا من عام 1977 حتى موته سنة 2015 بل وأعلن قبل موته بـ 9 أشهر أنه لم يندم على ما فعل.
الصحفي حسين سراج .. مغمور وأشهرته إسرائيل
أراد السادات أن يستبدل جيل يوليو بجيل أكتوبر فجعل حسني مبارك نائبًا له بدلاً من حسين الشافعي، وجعل 15 مايو يوم الثورة الأهم ليزيل عن ثورة يوليو الاحترام اللامحدود، لكنه لم يستطع أن يستبدل أهرام هيكل بـ جريدة مايو الحزب الوطني ولا بمجلة أكتوبر أنيس منصور.
ظلت مجلة أكتوبر مغمورة بعد أنيس منصور ولم تأتي الأضواء على من خلفه في رئاسة تحريرها إلا مع حسين سراج الذي أجرى عدة زيارات إلى إسرائيل وصلت لـ 25 مرة، مما استفز نقابة الصحفيين فمنعته عن مزاولة المهنة 3 أشهر وبعدها أفل نجمه حتى رحيله عام 2014 وكُتِب له نعي في صفحة إسرائيل تتكلم بالعربية.
توفيق عكاشة .. آخر من عوقبوا
في 2 مارس من العام 2016 م سقطت عضوية توفيق عكاشة بسبب استقباله للسفير الإسرائيلي في منزله ووافق على إسقاط عضويته 465 عضوًا، وامتنع عن التصويت عدد 9 نواب، ورفض إسقاط العضوية عنه 16 عضوًا، وتغيب عن جلسة الإسقاط 104 نائب.
قبل هذا الموقف كان توفيق عكاشة في برنامج المقالب الحكم بعد المزاولة وأبدى فيه ترحيبًا بوجوده مع إسرائليين على عكس حلقة الممثل الكوميدي أيمن قنديل.
لم تتوقف مسيرة توفيق عكاشة بعد استضافته للسفير الإسرائيلي لكنه لم يكن في قوة الشهرة المؤثرة التي اشتهر بها قبل تلك الجلسة فكان تهميشه هو المصير المحتوم وسيرته مجرد أرشيفية أو زيارة للأرشيف الإعلامي.
رموز في الطابور القصير لم يعاقبوا
دخل على خط التطبيع القصير للرموز الثقافية أشخاص آخرين أثاروا الجدل لكنهم لم يعاقبوا أو يتم اتخاذ إجراء بسببهم مثل ماجد فرج مؤرخ أسرة محمد علي باشا، والفنان التشكيلي جورج بهجوري والباحث الصحفي رامي عزيز.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال