محمد عبد الوهاب .. عظيم الموسيقى الثالث
في عام ١٩٣٢ جلس التلميذ محمد عبد الوهاب الشعراني أمام أستاذ العود محمد القصبجي؛ ليأخذ أول دروسه الحقيقية في العزف، والتعرف على مقامات الموسيقى الشرقية من راست وحجاز وكرد وصبا ونهاوند وغيرهم، وعلى قوالب الغناء العربي من الدور والموال إلى الموشح والطقطوقة والقد والمونولوج، لم ينسى عبد الوهاب أستاذية أستاذه؛ عندما حدث الخلاف بينه وبين أم كلثوم على جملة الجيتار في مقدمة أنت عمري، حيث كانت الست تبغاها على العود، وقالت له “أطلب من قصب يعزفهالك”؛ فرد “أطلبي أنتي.. أنا مقدرش.. دا أستاذي”؛ فطلبت بنفسها من قصب، وسمعتها على العود؛ فوافقت عبد الوهاب الرأي أن الجيتار هو الأفضل فعلاً.
عبد الوهاب من مواليد برج الحوت مثل السيد درويش في ١٣ مارس ١٩٠٢ بحي باب الشعرية بالقاهرة حفيداً للعارف بالله الشيخ عبد الوهاب الشعراني؛ سلسيل الوهابية أصحاب الصوت المخملي الرخيم والنفس الطويل، يحكى عن كثيراً عن جمال صوت أخيه الشيخ حسن عبد الوهاب، الذي كان يهابه محمد ويجري من أمامه بالمشوار عندما يقابله بالقرب من سهرة غناء على مقهى في الحي.. دارت الأيام وقابل الموسيقار أمير الشعراء الذي قال عنه ” عبقرية الشرق كلها في حنجرته”، علمه أحمد بك شوقي على مدار سبعة أعوام كل شيئ من أول الإتيكيت وطريقة الكلام والأكل حتى اللغة الفرنسية، وألحقه بعلاقاته لدراسة الموسيقى داخل مصر وخارجها، وعرفه على الطبقة الحاكمة والأرستقراطية، حتى لقب بمطرب الملوك والأمراء.
أعترف عبد الوهاب بإنبهاره بموسيقى الغرب خاصة الكلاسيكية منها، لدرجة أنه كان يعزف مقطوعات كاملة منها على العود، وعلى حد تعبيره لطارق حبيب “كانت تدخل ألحاني غصب عني.. كان لها علي سطوة”.. مما جعل الكثيرين يتحدثون عن سرقات عبد الوهاب ناسين أنه من حق الموسيقي إستعمال ١٦ مازورة موسيقية من موسيقى غيره في ألحانه دون الإشارة لذلك!! ناسين الكلام عن دور ذلك في تطوير اللحن والنغم والإيقاع الشرقي، وإدخال ألآلات غربية على التخت الشرقي؛ فهو أول من أستخدم الجيتار الإسباني في أغنية أنسى الدنيا وريح بالك، وأدخل الأورج في أغنية لأ مش أنا اللي أبكي، وعزف عليه بنفسه. غنى عبد الوهاب مرة واحدة وعمره ١٣ سنة من ألحان غيره وهو الشيخ سلامة حجازي، غير ذلك غنى من ألحانه هو فقط، وغنى من ألحان معظم من عاصروه وعاصرهم.. عبد الوهاب رائد الموسيقى العربية الكلاسيكية بلا منازع، المجرب أبداً، لكنه دائماً تجريب محسوب لا يسبق به الزمان، بل فقط يتماشى معه من أول في الليل لما خلي، وحتى أغاني الفرانكو آراب في السبعينيات والثمانينيات.
حاولت أتجاهل عبد الوهاب في أثناء الكتابة لهذا الملف، لكنه قفز على أكتافي غصباً عني، وأرغمني عن الإنحناء إحتراماً والكتابة بشيئ قليل من كثير يليق به