“محمد علي والدراويش” قصة طريقة صوفية انضم لها الباشا .. أزاحت الدولة العثمانية لاحقًا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
سحق محمد علي باشا أي وجود ديني مؤثر في سياسته لبناء مصر الحديثة، فقام باجتثاث جذور الزعامة الشعبية ونفى الأب الروحي لها عمر مكرم نقيب الأشراف، ثم ألقى كرة اللهب الأيدولوجية في الأزهر بتعيين أبناء وأحفاد محمد بن عبدالوهاب في داخله ليضمن انشغال العلماء عن سياسته ولكي لا يعود عمر مكرم جديد.
اقرأ أيضًا
مذكرات محمد علي باشا
لم ينسلخ محمد علي باشا عن حضور رموز الدين لكنه كان فلكوريًا أي في المناسبات، وظلت الباشا بابًا عتيدًا في وجه أي رجل دين يحاول الدخول في السياسة إلا رجال الطريقة البكتاشية الصوفية.
الطريقة البكتاشية والباطنية
البكتاشية طريقة صوفية تركية المنشأ وعليها خلاف كبير فالغالبية يعتبرونهم من أهل السنة لكن جمهور لا بأس منه يحذر منهم للنزعات الشيعية التي فيها وتخالف دين الإسلام لا عقيدة أهل السنة.
تأثر البكتاشية بمبادئ إحدى المنظمات الباطنية وتدعى الحروفية التي تعتنق فكرة والتناسخ (انتقال الروح من بدن إلى بدن آخر) والحلول (أن يحل الله في أبدان العارفين به)، والحلول (أن الله حل أجسام مشايخهم) ويقوموا بتفسير القرآن بالحروف والأرقام، ولما انتهى الحروفية ظهر منهم طائفة سميت بالعرفانية ومن بين الاثنين خرج البكتاشية.
ترعرع البكتاشية في الدولة العثمانية خاصةً في ألبانيا، واشتغلوا بالسياسة حتى صاروا جزءًا ركيزيًا من اليد الضاربة للدولة العثمانية وهي الإنكشارية، إذ كان منهم قادة عسكريون ورغم مذبحة الإنكشارية لكن بقي البكتاشية في مأمنٍ من الدماء رغم مقتل بعضهم، ولا زالت تلك الطائفة موجودة حتى الآن.
الطريقة البكتاشية في مصر .. كيف دخلوا مصر وما صلة الباشا بهم
نجح خنكار محمد بكتاش «مؤسس الطريقة البكتاشية» من تربية مريدين له وتمكن من إقناع أبدال موسى سلطان بضرورة الذهاب إلى مصر، فتم تكليف قبوغوسز أحد رجال البكتاشية المشهورين بالتوجه إلى المحروسة ومعه عدد من البكتاشية للبقاء هناك وذلك قبل عصر محمد علي باشا بقرون.
يشير كتاب «الرسالة الأحمدية في تاريخ الطريقة العلية البكتاشية بمصر المحروسة» أن البكتاشية ترعرعوا في مصر سياسيًا خلال عصر محمد علي الذي كان بكتاشيًا بحكم نشأته الألبانية، وأكبر دليل على ذلك حضورهم وقائع عزل عمر مكرم حيث حضر كبيرهم الذي كان ترجمانًا ويدعى عبدالله بكتاش.
يحكي الجبرتي عن حضور البكتاشية قائلاً «أخذ الباشا يدبِّر في تفريق جمعهم وخذلان السيد (عمر مكرم) لما في نفسه من عدم إنفاذ أغراضه، ومعارضته له في غالب الأمور .. ثم في ليلتها حضر ديوان أفندي، وعبد الله بكتاش الترجمان، وحضر المهدي، والدواخلي، الجميع عند السيد عمر، وطال بينهم الكلام والمعالجة في طلوعهم ومقابلتهم الباشا .. فاعتذر الشيخ الأمير بأنه متوعِّك، ثم قام المهدي والدواخلي وخرجا صُحبة ديوان أفندي، و(عبد الله بكتاش الترجمان)، وطلعوا إلى القلعة وتقابلوا مع الباشا ودار بينهم كلام .. ثم أخذ يلوم على السيد عمر في تخلفه وتعنُّته، ويثني على البواقي … فعند ذلك تبين قصْدُ الباشا لهم، ووافق ذلك ما في نفوسهم من الحقد للسيد عمر».
وتابع الجبرتي حكاية حضور البكتاشية قائلاً «واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الجمعة سنة 1224هـ فيه حضر ديوان أفندي، وعبد الله بكتاش الترجمان، واجتمع المشايخ ببيت السيد عمر، وتكلموا في شأن الطلوع إلى الباشا ومقابلته، فحلف السيد عمر أنه لا يطلع إليه، ولا يجتمع به ولا يرى له وجهاً إلا إذا أبطل هذه الأحدوثات .. ثم اتفقوا على طلوع الشيخ عبد الله الشرقاوي والمهدي والدواخلي والفيومي، وذلك على خلاف غرض السيد عمر، وقد ظنَّ أنهم يمتنعون لامتناعه للعهد السابق والأيمان، فلما طلعوا إلى الباشا وتكلمُّوا معه وقد فهِمَ كلٌّ منهم لُغَةَ الآخر الباطنية».
كذلك فإن البكتاشية كان لهم حضور ظاهر في حفلات المولوية ولعل أبرز ما يؤكد ذلك وثيقة الوقفية التي تحوي على قرار من الباشا يقضي بمنحهم معاشًا يوم 24 أغسطس 1805 م.
الدولة العثمانية وسوس البكتاشية
مع منتصف القرن التاسع عشر كان للبكتاشية وجه علماني مع العمل السياسي السري فدخلوا في نسيج يهود الدونمة الذين اعتنقوا الإسلام، كما ساهموا في تشكيل جمعية الاتحاد والترقي التي ساهمت في الإطاحة بالدولة العثمانية.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال