محمد نوح .. عراب الموسيقى المصرية الحديثة
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
محمد نوح
يحتشد الآلاف داخل مدرجات إستاد القاهرة لتشجيع المنتخب المصري في مباراة هامة فى تصفيات كأس العالم، ولزيادة حماس الجمهور يتم الاستعانة بفرقة موسيقية، يطل علينا مطرب قوي البنية أشعث الشعر يغني بصوت جهوري (مدد مدد مدد.. شد حيلك يا بلد.. إن كان في أرضك مات شهيد.. في ألف غيره بيتولد)، ويتنقل بصوته القوي مابين القرار والجواب بسهولة ويسر لتتحول الأغنية إلى أشهر هتاف لجمهور الكرة في تلك الفترة.
هذه الأغنية صُنعت بعد هزيمة يونيو بقليل حاملة صيغة مغايرة لما كانت عليه الأغنية الوطنية؛ إذ كانت تترنح بفعل الهزيمة وكما ساهم المشهد الغنائي الوطني المزيف المبتذل في تسطيح حب الوطن وحصره في أشخاص والغناء على الشعب لا له حتى أتت (مدد مدد) صادقة نابعة من حب حقيقي للوطن بعيدة عن أي تصنيف أيدلوجي وعن أى مشهد سُلطوي يساهم في تخدير الشعب، لم تتبن هذه الأغنية سوى شعار بديع في حب وطن يريد استنهاضه من جديد ويبعث فيه الأمل في تمهيد رائع لمعركة تحرير الأرض على الرغم من أن تلك الأغنية مُنعت من الإذاعة وصُنفت على أنها أغنيه تحريضية إلا أن نوح لم ييأس وقرر أن يستمر في تحفيز الناس والغناء لهم حتى لو كلفه هذا وقف فرقته، بل وصل الأمر إلى اعتقاله عدة مرات في عهد السادات.
تلك المرحلة المرتبكة سياسيًا وغنائيًا كان لابد لها من ثورة فنية تقودها في اتجاه مغاير، ويمكن القول إن نوح كان قائدًا لهذه الثورة وعراب هذا الجيل الذي غير في شكل الأغنية المصرية وألبسها حلة جديدة بمضامين شعرية مختلفة ونسف نظرية المطرب الأوحد ومهد لنهاية عصر الأغنية الكلاسيكية الطويلة ومزج بين الجمل اللحنية الشرقية وصهرها في توزيع غربي وقام بتطوير للفلكور وتقديمه بشكل عصري عبر فرقته النهار والتي كانت أوائل الفرق المصرية التي انتهجت هذا الشكل الموسيقي الجديد التي صار على نهجها فرق فنية كثيرة أُسست لاحقًا.
أسس نوح شركة إنتاج موسيقي وأنتج ألبومين موسيقيين هما (الصبر طيب) و (لاتنسانا) ومد يد العون بموسيقاه لجيل جديد من المطربين مثل عُمر فتحي وعلي الحجار ومحمد ثروت وعفاف راضي وأنتج ألبومين للرائع المنسي فؤاد عبد المجيد والذي كان مغامرة فنية كبيرة وقتها في إعادة فن الموشحات إلى الساحة الغنائية قبل أن يبيع شركته التي تحول اسمها بعد ذلك إلى شركة روكي.
كانت موت السادات عاملًا مؤثرًا في تحويل مسار فن محمد نوح الذي كان يرى أن الوضع القائم انتهى بتحول النصر إلى مجرد ذكرى، فاعتزال الغناء واتجه إلى تلحين الأغاني لفرقته المسرحية والتي كانت سببًا في صدامه مع نظام مبارك عده مرات انتهت بهدم مسرحه بإيعاز من صفوت الشريف.
ألف الموسيقى التصويرية لعدة أفلام أشهرها ( المهاجر وإسكندرية كمان وكمان ومرسيدس وقانون إيكا وقلب جريء) ووزع الأغنية الرئيسية لفيلم المصير ( جمر الهوى ).
حاول نوح العودة مرة أخرى إلى الغناء في التسعينات عبر تأسيسه لرباعي نوح المكون منه وأولاده ( مريم وهاشم وسحر ) وقدم عدة حفلات فنية ولكن في تلك الفترة كانت الأغنية تسير بسرعة الصاروخ نحو الهبوط والابتذال، فأثر السلامة والابتعاد وسط تحكم شركات الإنتاج في فرض نمط غنائي يحقق لها المكسب التجاري حتى لو كان بأغنية هابطه مبتذلة.
رحل نوح القامة الفنية والفكرية الكبيرة التي لم تُستغل جيدًا، تاركًا إرثًا فنيًا كبيرًا لم يتم وضعه في مقامه الصحيح كعراب للموسيقى المصرية الحديثة.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال