همتك نعدل الكفة
147   مشاهدة  

مسابقات الأدب.. هل أكسبتنا النقود وأخسرتنا الأدب؟!

مسابقات الأدب
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



منذ سنوات، ومع كثرة مسابقات الأدب بالإضافة إلى ارتفاع القيمة المادية لجوائزها، أحيانا بشكل مبالغ فيه، حيث يصل بعضها إلى ملايين الجنيهات عن عمل واحد صغير، كقصيدة من ثلاثين بيتا على سبيل المثال، صار التنافس على نوالها ضاريا بين الشعراء والكتاب، والضراوة، كصفة تعكس حدة واندفاعا، لا تناسب مقامهم اللطيف أصلا، بل تشير إلى أطماع مالية شديدة باتت تتحكم فيهم فتغلِّظ طباعهم، وإلى استخدام الأدب كوسيلة للثراء المادي فوق ما يكون رسالة سامية، من المفترض أن يتوخى المبدعون، من خلال تسابقهم في مضماره وربح جوائزه، نشر الإبداع عموما بصورة أكبر، وإيصاله إلى مجتمعاتهم المتأزمة بل إلى العالم بأسره، حاملا آلام الناس وآمالهم بالأشكال التي اختار حملها به، وما أكثر أشكال الأدب، وما أكثر إقبال الجماهير على كل شكل من تلك الأشكال الوافرة، تقليديا كان أو ابتكاريا؛ فالأذواق متعددة، وكل نمط مرغوب وله متلقوه..

أغنت هذه المسابقات عديدا من الشعراء والأدباء بالفعل، أغنتهم ماليا، لكنها أوقعتهم في أسر المال بذاته وخطفت منهم ظلال الأدب، والمعنى أنها جعلتهم ينتظرون مواسمها انتظار عاشق متلهف إلى لقاء المحبوبة، لكن تلهفه الشديد إليها أدخله دوائر التكلف والافتعال؛ فأضحى مصنوعا لا مطبوعا وكاذبا لا صادقا، ويؤسفني ههنا أن أكشف أن كثيرين صاروا “يذاكرون مسابقات الأدب” كمذاكرة الكتب المدرسية؛ ليحفظوا مرادها وينفذوه حرفيا، بعيدا عن ترك الأمر لفيوض أحاسيسهم ومشاعرهم وتنظيم أذهانهم، وإنما ترك الأمر للأحاسيس والمشاعر مع تنظيم الأذهان هو الخطة الأدبية المعتبرة التي ينبغي أن تكون، لا السير وراء الشروط والمحددات، بالمسطرة وبقية الأدوات الهندسية، بحيث يكون الناتج مسخا كأنه الجمال لا كتابة أصيلة محكمة جميلة حقا!

المسابقات نفسها، من جهة ثانية، مخادعة واستقطابية، تبيع وتشتري، وليست متسمة بالأمانة في إجراءاتها، من أولها إلى آخرها، فلا تخلو، بكامل الأسى والأسف، من الوسائط والعلاقات والرشاوى والهواتف السرية المريبة، وأظن العيون ترى وتغض الطرف؛ لأنها حلقة خانقة رهيبة قبضت رقاب الجميع، إلا من رحم ربي، وفرضت عليهم قانونها الصارم الخاص فأسقطت إراداتهم ومحت مقاومتهم.. والأكيد أنني لا أعني المسابقات كلها، وإن كنت استعملت تعبيرا يفيد الكليات إشارة إلى الأجزاء فمن باب المجاز المرسل، لبيان عظم الكارثة التي ألنا إليها..

ربما الأخطر هو ذيوع التهكم والبذاءة بشأن المسابقات والجوائز؛ هذا يسخر من غيره وذلك يشتم سواه، وهؤلاء ينحازون إلى فلان، أيا كان قدره، لأنه صاحبهم وهؤلاء الآخرون يميلون إلى عدوه نكاية فيه وليس لأن عدوه أحسن منه فعلا، وهكذا على نفس المنوال وأشد سوءا، وكل ذي قلم يجد حبره، وأحبار ذوي رايته بحالتها، هو الأحق بالكسب مطلقا.. ومهما نادى صوت رشيد بضرورة التواضع والتحلي بالوقار فهو كمن “يؤذن في مالطا” تأذينا!

لا بأس بالمال الجم طبعا لأن أغلب المشتغلين بالكتابة الإبداعية فقراء ومهانون اجتماعيا، ومن الطيبات أن تكون أوضاعهم أفضل من خلال ما يمارسونه ويجيدونه، ولكن الشرط ألا تطغى شهوة المال وتضمحل شهرة الأدب، ولا بأس بالمعارك فإنها مرايا التحديات محفزة الأطراف إلى التقدم، ولكن لا يجب أن تتدنى الأخلاق إلى حد يجعل سكان الشوارع أرقى من أصحاب المكاتب ورواد المكتبات..

في الحكاية برمتها اختلال فظيع، قلناه مرارا ونقوله تكرارا، ونرجو أن يسارع إلى أصلاحه المعنيون والمهتمون؛ فلو طال السكوت عن الوهن والفساد يخسر هؤلاء هيبتهم، ويخسر الأدب مكانته، ومن ثم يفقد المجتمع المقصود بعملية الخلق الفني ثقته في نخبته المميزة، وفي الكلمة التي يجد فيها عزاءه قبالة الحادثات جميعها، ولا نجد كلنا حولنا إلا مجموعة من الموصوفين بصفات تليق بصناع الدرر البيانية البليغة، لكنهم جُوفٌ محدثو نعمة، أثرتهم نقود الأدب بعد ما أخسرتهم الأدب نفسه!!

إقرأ أيضا
رمضان 2024

الكاتب

  • مسابقات الأدب عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان