مسرحية الدخان .. مركبة الزمان التي أكدت لنا أن المسرح المصري بخير
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في كتابه (تشريح القهر: قراءة في مسرح ميخائيل رومان) الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يذكر “مصطفى عبود” أن: “ميخائيل رومان هو من أكثر الكتاب المسرحيين إشكالية في المسرح العربي، فقد واجه الواقع الاجتماعي والسياسي في الستينيات بموقف حادٍ تمثل في التمرّد والاحتجاج والرفض لكل الممارسات الرامية إلى مصادرة الحرية بكل مستوياتها، وممارسة كل أشكال القهر ضد الإنسان. ولعل ما يبرز تلك الحدة وذلك الغضب العارم في موقف رومان تجاه القهر والاستبداد هو أنه ينظر إلى الحرية كمعادل للوجود الإنساني، فبتحققها تتحقق كرامة الإنسان وإنسانيته.. يركز رومان في معظم مسرحياته على شخصية البطل الفرد الذي ينتمي إلى الطبقة البرجوازية الوسطى، ويمثل دائماً شخصية الرجل المثقف الذي يعاني أساليب القهر كافة في ظل أنظمة استبدادية تكاد أن تنجح بوسائلها القمعية في إلغاء هويته الفردية. أما على صعيد التعبير اللغوي فقد لجأ رومان كمعظم كتّاب جيله إلى العامية المصرية بمستوياتها المختلفة، حسب طبيعة ومنطق الشخصية..
هذا ما سوف تشعر به تماما وأنت تشاهد مسرحية الدخان المعروضة على مسرح الهوسابير من إخراج محمود عبدالعزيز بطولة وليد عبدالغني وياسمين جمال ومحمد خليفة وأحمدعلاء بلبل وندى النوبي وعمرو درويش ومها مجدى ومصطفى سعيد ومحمود حمادة، ديكور سمر عادل و مريم عاطف، وملابس اميرة صابر، اضاءة أحمد عصمت و مخرج منفذ كريم لطفي.
مسرحية مختلفة تماما عن كل ما هو سائد جرعة الميلودراما فيها شديدة الكثافة بفضل شخصية الكاتب المتفردة وقدرة فريق العمل من الشباب على الامساك بهذه الروح وتنفيذها بتقنية شديدة البساطة والابهار رغم الامكانيات القليلة.
وليد عبد الغني الذي عهدناه ممثلا كوميديا متميزا في مسرحية ١٩٨٠ وأنت طالع ثم مع أحمد أمين في أحمد أمين وشركاه يؤدي دور البطل حمدي مدمن المخدرات في مفاجأة يصعب تخيلها، النجم الكوميدي يلعب دورا ترجيديا شديد الصعوبة لمثقف مقهور في الستينيات يلجأ للأفيون والحشيش وهو يلعب الدور المؤلم بواقعية شديدة وأداء رائع ينقل كافة تفاصيل الشخصية لروح المشاهد بسهولة.
أضاف محمود عبد العزيز مخرج العمل للرؤية الفنية للكاتب حركة لا تتوقف على المسرح، أنت تشاهد نقاشات العائلة في الجانب الأيمن للمسرح بينما ترى البطل يزحف على الأرض ويتألم في الجانب الأيسر، مسرح حي كافة تفاصيله ملهمة ومهمة مع اجادة توظيف رائعة لكل أدوار الممثلين مع دور هام للغاية لسمر عادل ومريم عاطف في الديكور، وكذلك ملابس أميرة صابر والذين أشعرونا منذ اضاءة أول كشاف في أول المسرحية أننا انتقلنا عبر الزمن إلى الستينيات.
أداء متميز للغاية لياسمين جمال أخت البطل وقوة شخصية فنية حاضرة على الخشبة مع المتميزة دائما مها مجدي التي لعبت دورا لا يناسبها عمريا لكنها نجحت ببراعة في اقناع المشاهدين به.
محمد خليفة وضحكة لا تغيب أبدا هو قادر على صناعتها بمجرد أن تطأ قدماه خشبة المسرح رغم سوداوية النص.
مسرحية الدخان، “نفس” عظيم للمسرح المصري يخبرنا أنه ما زال حيا قادرا على مناقشة كل ما هو قابل للمناقشة، على دمج الماضي بالحاضر، حتى أنك كمتفرج تتمازج مع مقاطع أغاني الست أم كلثوم في الفواصل والنقلات.
مجهود حقيقي لمسرح شاب ولكنه حقيقي راسخ الجذور كابن شرعي للمسرح المصري الحقيقي الذي ظننا أنه اختفى
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال