
مسلسل جودر2.. حينما يكون النص هو البطل!

-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وسط زخم المسلسلات الرمضانية التي تتنافس على جذب انتباه المشاهد، هناك أعمال تُفرض على المتلقي بقوة أصالتها، لا بمجرد صخبها البصري أو حبكاتها المتشعبة. مسلسل جودر في موسمه الثاني يأتي ليؤكد على أن النص هو الأساس، وأن الحكاية حين تُبنى على عمق سردي، لا تفقد سحرها حتى لو أُعيدت روايتها بطرق مختلفة.
كانت ألف ليلة وليلة عبر العصور ليست مجرد كتاب، بل مستودعًا للحكايات العجائبية التي شكلت وعي المجتمعات، وأسست لأنماط الحكي التي لا تزال تلهم الأدب والدراما، وحكاية جودر ليست استثناءً؛ فهي واحدة من تلك القصص التي تتداخل فيها المغامرة مع الخرافة، ويتحول البطل الشعبي إلى رمز للصراع الأزلي بين الخير والشر، بين الطموح الشخصي والمسؤولية الجماعية، بين السحر الذي يُفسد والسحر الذي يُنقذ.
كيف وُلد نص جديد من رحم الحكاية القديمة؟
السيناريست أنور عبد المغيث لم يقف عند حدود الاقتباس، بل صنع من الحكاية الأصلية فضاءً أوسع يسمح للشخصيات بأن تنمو، وللصراعات بأن تتعقد، وللزمن بأن يتشابك بين ماضي الحكاية كما روتها شهرزاد، وحاضرها كما أُعيد تشكيله في الدراما. إن تقسيم الأحداث بين العالمين – عالم الحكاية وعالم الملك شهريار الذي يتماهى مع بطلها – لم يكن مجرد حيلة سردية، بل أداة لتعميق البعد الرمزي للنص، حيث يصبح الراوي مستمعًا، ويتحول المتلقي إلى جزء من الحكاية ذاتها.
ورغم أن جودر ينتمي إلى تراث حكائي قديم، فإن المعالجة الدرامية لم تكن مجرد استعادة لأجواء ألف ليلة وليلة، بل محاولة لإعادة بناء العجائبية في سياق معاصر؛ فالقصة التي كانت تدور حول كنوز سحرية أصبحت تمتلك دلالات أوسع، تعكس صراعات الإنسان مع السلطة، مع الخيانة، مع المصير.
كما أن العجائبية لم تكن مجرد زخرفة بصرية أو وسيلة لإبهار المشاهد، بل جاءت متكاملة مع البناء الدرامي، حيث وُظفت الأساطير والرموز داخل صراع واقعي بين الشخصيات، مما جعل المشاهد يتقبلها دون أن يشعر بأنها مفتعلة أو دخيلة على السياق العام.
النص.. الركيزة الأساسية التي تفتقدها معظم الأعمال الدرامية
وفي زمن أصبحت فيه المسلسلات تُبنى أحيانًا على مشاهد متفرقة أو حبكات تعتمد على الإثارة اللحظية، يبرز جودر كعمل يؤكد أن الحكاية الجيدة لا تُختزل في مشهد أو لحظة، بل في نسيج متماسك من الأحداث، حيث لا شيء يُقال بلا معنى، ولا حوار يُلقى لمجرد سد الفراغ.
هنا تأتي أهمية النص، فكل جملة وكل تفصيلة تُحمل بوزنها داخل البناء الدرامي، مما يجعل العمل قادرًا على الصمود أمام الزمن، بعكس المسلسلات التي تُبهر لحظيًا ثم تُنسى سريعًا.
هل ينجح المسلسل في مواسم أخرى؟
مع هذا التأسيس القوي للحكاية والشخصيات، يبدو أن جودر يمتلك كل المقومات التي تجعله قادرًا على الاستمرار، فالنص الذي بُني على رؤية واضحة يسمح بامتداد الأحداث، وتطور الشخصيات، وظهور أبعاد جديدة في كل موسم، وإذا استمر العمل على نفس المستوى، فربما نشهد مشروعًا دراميًا طويل الأمد يعيد تقديم ألف ليلة وليلة لجيل جديد، دون أن تفقد روحها الأصلية أو تتحول إلى مجرد استهلاك بصري بلا جوهر.
في النهاية، جودر ليس مجرد إعادة سرد لحكاية قديمة، بل هو نموذج لكيفية إعادة إحياء التراث بروح حديثة، دون أن يُفقده ذلك سحره الأصلي، وهو تذكير بأن النص القوي سيظل دائمًا هو الأساس، وأن الحكايات العظيمة لا تُروى مرة واحدة فقط، بل يُعاد اكتشافها مع كل قراءة، وكل مشاهدة، وكل زمن جديد!.
اقرأ أيضًا : محمد سامي ولعنة التكرار.. دراما مستهلكة في قوالب ثابتة
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟







