“مسلسل سوق الكانتو خلال 7 حلقات” مشاهد مشوقة في لوحاتٍ فنية ينقصها بعض التركيز
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
نجح مسلسل سوق الكانتو خلال 7 حلقات أن يتجنب المط والتطويل بعمليات التشويق رغم تشعب الشخصيات وترابطها والغموض الذي يكمن في العداء بينها وبين بعضهم.
عناصر التشويق في مسلسل سوق الكانتو
تبدأ عناصر التشويق من خلال شخصية الحاج حسانين (عبدالعزيز مخيون) وما يكتنفه من غموض في ماضيه تشرحه عرافة في الحلقة 1، ويتضح لاحقًا بأنه هارب من عقدة ذنب تسببه في قتل والده لخلافات ثأرية في الصعيد، فضلاً عن غموضه من سبب انفعاله في الحلقة 5 من ذهاب راوية (مي عز الدين) مع طه (أمير كرارة) إلى دكان أبيها، وهو نفس الانفعال الذي يلقاه طه من والدة راوية (شيرين)، ويتواصل التشويق بحالة العداء الدائم بين بين المعلم عوض (ضياء عبدالخالق)، وعائلة حسانين.
قصة أخرى مشوقة تتمثل في العمل السري الذي يقوم به طه في تقطير الكحول والاتجار فيه، إلى جانب عمله في أوراق اليانصيب بعيدًا عن عمل جده في الأقمشة، وتتسارع القصة المشوقة في العداء الذين بين جابر وطه الذي يؤدي لمقتل صديق طه، ثم عداء طه مع البوليس وتفاهمه معه أيضًا.
ويتم تتويج القصة المشوقة والمتشابكة بحالة الكراهية التي بين طه ورشاد (فتحي عبدالوهاب) والذي يحب فاطمة (مها نصار) زوجة/ طليقة شقيق طه الغائب من وقت انتهاء الحرب العالمية الأولى؛ والرتم الهادئ في كل هذه العناصر المشوقة جعل المسلسل مشوقًا رغم تسارع أحداثه، وتلك نقطة إيجابية في المسلسل كعمل فني.
اللوحات الفنية في مسلسل سوق الكانتو
أحداث مسلسل سوق الكانتو حتى الآن لم تخرج عن حيز سنة 1929م، وكان زمن المسلسل عنصرًا جعل مهندسي الديكور ومصممي المناظر، يقومون بإخراج مناطق في القاهرة بشكل متناسق.
يظهر ذلك في الشكل العام لمنطقة سوق الكانتو في القاهرة (والكانتو كلمة تعني الملابس المستعملة)، ولم يتم توضيح تحديد مكان سوق الكانتو في القاهرة، لكن من المؤكد أنه في نطاق منطقة وسط القاهرة، لظهور ملمح لمبنى يشبه صيدناوي.
ولأن فترة العشرينيات صعبة في تنفيذ أجواءها، فقد نجح مهندسو الديكور من أن يقوموا بتصوير شكل مسجد السلطان حسن بشكل يلائم مع الظرف الزمني، حيث كان فرشه مزيكًا بين الموكيت والحصير.
ويتلائم ذلك مع الصور الداخلية لمسجد السلطان حسن خلال عشرينيات القرن الماضي، والمحفوظة في مكتبة الجامعة الأمريكية.
الأمر نفسه يسري على شوارع القاهرة والوكلات التجارية والحواري والأزقة وغيرها من الجمادات التي كانت تتنفس جمالاً في ذلك الزمن.
من الأشياء اللافتة أيضًا نسق الضريح (الذي لم يتم تسميته) وكان ذلك ذكاءًا من المؤلف إذ أن تصميم ضريح بنسق العشرينيات سيفتح بابًا للنقاش والتمحيص يمكن أن يكون عيبًا في المسلسل بلا شك لأنه على خط التماس مع العمارة الإسلامية في تاريخ مصر الحديث.
عدم التركيز في تفاصيل صغيرة / كبيرة هامة
رغم اجتهاد صناع مسلسل سوق الكانتو في إخراج التفاصيل وأدقها بصورة ملائمة لأجواء عشرينيات القرن العشرين، طوال 7 حلقات لكن هناك أشياء ظهر فيها عدم التركيز.
خلال الحلقة الأولى من مسلسل سوق الكانتو عرفنا أن المسلسل زمنه يدور في فترة الكساد الكبير الذي ضرب العالم عام 1929م، لكن الإشكالية أنه في نفس الحلقة ظهر مشهد مكتوب فيه ديون البنسيون، وعلى اليسار من الأعلى مكتوب خريف 1929م.
مكمن الخطأ هنا أن الكساد الكبير ضرب العالم يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 1929م، وشهر أكتوبر لا صلة بالخريف، فالخريف يبدأ في مارس وينتهي في مايو.
من الأشياء التي لم يوجد بها عدم تركيز هو إعلان شركة المطاعم المتحدة، الذي ظهر أيضًا في الحلقة الأولى من المسلسل.
وعدم التركيز هنا أن المطعم تأسس في عصر الملك فاروق لأن الإعلان مكتوب فيه شارع الملكة فريدة وفي سنة 1929م لم تكن فريدة زوجةً لفاروق وكان عمرها 8 سنوات.
أيضًا من الأشياء التي افتقدت للتركيز هو ظهور إعلان فيلم أنشودة الفؤاد خلال الحلقة 5 من مسلسل سوق الكانتو.
لكن هذا الإعلان افتقد للدقة، مصر لم تكن قد عرفت بعد فكرة الفيلم السينمائي الناطق الطويل، وذلك لأن العرض الأول لفيلم أنشودة الفؤاد كان يوم 13 إبريل عام 1932م في سينما ريالتو بالإسكندرية وعُرِض في اليوم التالي بسينما ديانا بالاس في القاهرة.
وقد حقق فيلم أنشودة الفؤاد نجاحًا كبيرًا إذ كتبت مجلة الكواكب حينها «مرحى مرحى بهذه الخطوة الجريئة الجديدة الثانية التي تخطوها مصر في طريق الفيلم الناطق الحديث فتكلل بالفوز والنجاح وتغمر قلوبنا بالزهو والسرور والفخار وتنتزع منا التصفيق والإعجاب».[1]
من الأشياء التي اتسمت أيضًا بعدم التركيز هو ظهور إعلان مسرحية لزقة إنجليزي لنجيب الريحاني وذلك في الحلقة 6 من المسلسل.
لكن هذا فيه خطأ كبير، فبعيدًا عن أن صورة نجيب الريحاني في الإعلان لا صلة لها بعشرينيات القرن الماضي، إلا أن نجيب الريحاني لم يمثل مسرحية بذلك الإسم، لأن فرقته قدمت مسرحية لزقة انجليزي بعد وفاته وجاء عرضها الأول في 17 ديسمبر سنة 1951م.[2]
[1] محرر، أنشودة الفؤاد، مجلة الكواكب، عدد 5، يوم 25 إبريل 1932م، ص20.
[2] محرر، أين تذهب هذا المساء، جريدة المصري، عدد 17 أكتوبر 1951م، ص5.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال