مسلسل “وعود سخية”.. حنان مطاوع وشخصية بأربعة أرواح
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
تطل علينا حنان مطاوع ببطولة مسلسل “وعود سخية” في ثوب جديد من تراجيديا الواقع، رغم السلبيات حافظت الشخصية على مستوى عالٍ من الأداء؛ لتجسد عدة تحولات نفسية يعيش خلالها المشاهد مع قصة سخية بنت راضي بهلول.
القصة باختصار..
في حارتنا الشعبية تعيش سخية مع والدها الكفيف المعدم، منسحقة ومقهورة لكنها تعيش، والأهم أنها لم تنسى كيف تضحك ولم تفقد قدرتها على الحب؛ أي أن بطلتنا لا زالت تتنفس بعض الهواء رغم سحب الدخان الكثيف.
في المشهد الأول تتراقص سخية هنا وهناك بابتسامة ترسم على محياها بهجة متوجسة، لم تكد تكتمل حتى ظهر المعلم فهيم ليختم المشهد السعيد بصدمة مع الواقع. الحياة التي تنبض بها بطلتنا كانت نقمة عليها، تجذب ذباب البشر وهؤلاء أمرهم سهل، الأسوأ أنها أحيانًا تلفت نظر الدبابير.
الحاج فهيم (محمد رضوان) يلعب دور الدبور في قصتنا، يمثل جزء كبير من تحول فتاة يافعة إلى امرأة ماكرة؛ تعلم جيدًا متى ترتدي ثوب الحملان ومتى تكشر عن أنياب الذئاب. فهيم أول من دنس سخية وتسبب في سكب ماء وجهها على موائد أشقياء الحارة، حتى زوجته المتجبرة التي تعلم جيدًا أيهما الضحية شاركت في الجريمة مفضلةً الانتصار لكرامتها، على حساب آخر ما تبقى من كرامة سخية.
ولأن الأمر يتكرر بشكل يومي لم يكن أمامها سوى التخبط في مرارة المهانة قدرًا من الوقت، ثم اختبار حظها مع الحياة مرة أخرى، وهي عادتنا نحن معشر النساء وإلا كيف تنجو الأغلبية من دائرة الانتهاك يوميًا.
نجت البطلة من طمع فهيم وافتراء زوجته، ولم يقضي عليها سوى منصور (نور محمد) الأمل الأخير في حياتها؛ الشخص الذي مثل لها الثقة والحب، سلم أذنيه للأقاويل وحاول انتهاكها هو الآخر. وكانت القشة التي دفعتها للهرب مع والدها بعيدًا عن أعين الحارة، وللمبالغة الدرامية أو ضرورة الحبكة انهدم الركن الأخير في حياتها بموت الأب كمدًا؛ إلا أن آخر فصل في تحول الشخصية كان محاولة حمادة قتلها بأمر من زوجة حبيبها القديم، حين أدركت سخية أن انسحابها من حياتهم لن يجعلهم يتركوها تبني حياة جديدة.
أداء ناجح لتحول الشخصية لماذا نفسده بمشهد مكرر!
حنان مطاوع قدمت سخية القديمة بروحين؛ روح من السذاجة ممزوجة بخفة ودلال فتاة شعيبة على حبيبها صبي المعلم، ثم روح الانكسار والذعر بعد أن أدركت أن الحارة التي تمثل كل عالمها تلفظها باشمئزاز. كما قدمت أخرى جديدة بوجهين؛ وجه الحمل المظلوم القادر على استجداء دموع الشيطان نفسه، ووجه الذئب الذي تعلم متى وكيف يهاجم ويكشر عن أنيابه. بالطبع ساعدها على التقمص عوامل أخرى مثل لغة الجسد المختلفة لكل وجه وشخصية، مع استخدام الملابس والاكسسوارات المناسبة.
في مسلسل وعود سخية الحياة هي البطل الحقيقي خلف الكواليس، اليد التي ألقت بسخية من حضن أبوها إلى فضاء الحارة، ثم حولتها إلى الشخصية الميكافيلية التي رأيناها تعود لترقص في فرح حبيبها على من حاولت قتلها، ثم تبدأ سعيها نحو الانتقام بالاتفاق مع الشيطان حمادة (أحمد كشك).
للأسف رقص البطلة في فرح منصور إشارة إلى تخطيها الماضي أو كيدًا لرجبية التي حاولت قتلها، استشعر المشاهد أنه إعادة تدوير لمشهد نهاية فيلم “فتاة المصنع”، ناهيك عن الحركات الغريبة التي أتت بها حنان مطاوع لا ندري من وحي خيالها أم من رؤية المخرج، في الحالتين كانت نقطة سقوط.
اقرأ أيضًا
مسلسل “وعود سخية”.. الوقوع في بئر المبالغة
التحول في الشخصية انسيابي بشكل لا يخلو من المبالغة غير المؤثرة، يعيش كل المشاهد تفاصيل سخية ويعطيها مبررات الانتقام الوحشي؛ لأنها ببساطة استطاعت إقناعه بقصتها ليأخذ صفها، تمامًا كما فعلت مع يوسف شقيق المعلم فهيم لينصفها، في مشهد عبقري جمع بين تكبرها على منصور ومسكنتها على يوسف وطارق.
مزجت حنان مطاوع بين ثوب الحمل والذئب في موقف واحد تقبله الجمهور بل وصفقوا له، الأداء الطبيعي الهادئ ولغة الجسد الناجحة، تجعلنا نتعاطف مع الماكرة التي تسببت في قتل زوجة فهيم وحبسه. في الأغلب يتعاطف المتلقي مع المستضعف بشكل تلقائي، لكنّ في مسلسل وعود سخية تعاطف مع البطلة لشخصها، حتى بعد توحشها وتحولها إلى الشخص الذي عاشت حياتها تعاني من أمثاله.
اقرأ أيضًا
مسلسل “وعود سخية”.. تراجيديا الواقع بطعم موهبة حنان مطاوع
ربما عادت بطلتنا إلى الحارة امرأة أخرى مختلفة تمامًا عن الفتاة التي تركتها، إلا أنها بين الحين والآخر تضع الوجوه الجديدة جانبًا، وتوقف رحلة الانتقام من أجل جلسة سمر مع رقية صديقة الطفولة، أو زيارة لطمطم الطفلة التي أمَّنتها عليها صديقتها الممرضة قبل وفاتها. في داخلها توجد قطعًا مكسورة من شخصيتها القديمة؛ أفقدتها السيطرة على دموعها في أول مواجهة مع منصور بعد عودتها.
خلاصة القول قدمت حنان مطاوع شخصية مركبة تحولت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، دون أن يشعر المشاهد بالنفور بل العكس تمامًا التمس لها الأعذار وشجعها. وجمعت وجهين متناقضين بمهارة، في مشهد واحد خالي من الغرابة أو المبالغة الدرامية.
نقطة عتاب وحيدة على سخية/ حنان؛ لماذا التمسك بسمت مفتعل عند استحضار الشخصية الشعبية؛ سكان الحواري خاصةً في القاهرة لا يقولون “ضاكتورة”، حتى الأُمِّيون يمكن أن يقولوا تعليم بدلًا من “علام” التي تكررت في أكثر من مشهد.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال