مشروع تبطين الترع بين هجوم النواب وفشل وزير: إيجابيات وسلبيات مثيرة للجدل
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في نهاية العام 2020 بدأت وزارة الري المصرية تنفيذ مشروع تبطين الترع بطول 20 كيلو متر في 20 محافظة، بتكلفة إجمالية بلغت 80 مليار جنيه، وبعد مرور عامين من بدء تنفيذ المشروع، قرر وزير الري المصري “هاني سويلم” مطلع يناير/ كانون الثاني 2023 تشكيل لجنة لإعادة تقييم ومراجعة العمل في المشروع بعد عدد كبير من الشكاوى المتعلقة بعدم وصول الماء إلى نهايات الترع ووجود شروخ وتشققات في الألواح الخرسانية.
برلمانيون: وزير الري فشل في أداء أبسط مهامه و الترع المبطنة غير مطابقة للمواصفات
في 17 يناير/كانون الثاني من نفس العام، وقف وزير الري “هاني سويلم” أمام البرلمان المصري بعد 54 طلب إحاطة مقدمة ضده، وكانت الطلبات تخص بشكل مباشر مشروع تأهيل وتبطين الترع، فقد قال النائب”علاء جعفر” ـ على سبيل المثال ـ إن وزارة الري فشلت في أداء أبسط مهامها وهي حل معاناة الفلاحين في عدم انتظام عملية تطوير الترع وعدم وصول المياه للنهايات، وهو ما يُؤثر بالسلب على المساحات المزروعة، في حين قال النائب “يونس عبد الرازق” إن الترع المبطنه يتم تسليمها غير مطابقة للمواصفات، بالتالي وجود التشققات الطولية والعميقة وتسريب الماء ومن ثم إهدارها، والمشروع بالأساس يهدف لتوفير المياه.
وبعد قُرابة العام والنصف من تشكيل لجنة إعادة وتقييم المشروع ازدادت الأوضاع سوءً، إذ ظهرت شروخ طوليه في الألواح الخرسانية، إضافة إلى انتشار وتراكم القمامة في عدد كبيرمن الترع المبطنة، هذا غير قطع الأشجار المعمرة بطول الترع التي تم تبطينها، ووفق ما قاله الدكتور “نادر الخضرجي “أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الحيواني بكلية سابا، فإن مسألة إزالة الأشجار من الترع المبطنة مشكلة بيئية كبرى.
هذه هي خطورة إزالة الأشجار من على شواطئ الترع
وأضاف: “الخضرجي” إن وجود الأشجار على الترع له درو أساسي في تثبيت التربة وعدم انجرافها مع شدة الماء، موضحًا إن إزالة الأشجار نتج عن سوء تخطيط في مرحلة التنفيذ، وعم وجود مختصين في هذا الشأن، بل إن إزالة الأشجار كان له دور كبير في الانجراف، وزيادة الشقوق في الألواح الخرسانية حيث إن عملية جريان الماء في الترع المبطنة تجري على شكل الهرم المقلوب بالتالي فإن ضغط الماء الكلي يكون على حواف الترع أكثر من المنتصف.
وأوضح “الخضرجي” إن الأشجار ذات الجذور الغير سطحية ـ وهي كثيرة تمت إزالتها من على شواطئ الترع ـ تعمل بشكل كبير على تثبيت أعماق التربة،كما أنها لا تستهلك الماء بشكل كبير إذ تمتص الجذور الماء من المياه الجوفية، ومع إزالة الأشجار فإنه من المتوقع هجرة الطيور التي كانت تسكن عليها بالتالي سيكون هناك محدودية في التنوع البيولوجي.
على عكس المتوقع.. تبطين الترع و إنتاجية الثروة السمكية
وأثار مشروع تبطين الترع مسألة أخرى في التنوع البيولوجي، وهذه المرة متعلقة بالثروة السمكية، إذ قال الدكتور “نادر الخضرجي” إن مشروع تبطين الترع كان له أهمية كبيرة بالنسبة لزيادة الثروة السمكية؛ فمياه الترع المبطنة في بعض المناطق مياه صرف صحي مُعالج؛ أي يحتوى على كمية أملاح عالية، وكذا كمية غذاء طبيعي كبيرة، وهذا من شأنه زيادة إنتاج السمك لا سيما البلطي، هذا إلى جانب استمرار تدفق الماء في الترع المبطنه، وبالتالي خفض معدل الملوحة الذي يؤثر على رفع إنتاجية السمك بشكل عام .
وفي نفس السياق، فإن مشرع تبطين الترع ذو أهمية كبيرة في رفع إنتاج واستزراع الأسماك، ففي إحصائية نشرتها ” solmax” الأمريكي المهتم باستدامة المواد الجيوسينثية ومرونة الهندسة عالية الأداء، تقول إن أحد مشاريع تبطين الترع في شرق بورسعيد وفر 70 % من الطلب المحلي خاصة في الروبيان ( الجمبري)، هذا إلى جانب إلقاء أطنان من زريعة السمك في الترع المبطنة حديثًا، ولعل أكثر الأنواع استزراعًا كانت البلطي النيلي والمبروك الفضي ومبروك الحشائش، وقد كان اختيار هذه الأنواع نظرًا لما تتميز به من سرعة النمو والمقاومة البيولوجية، وهو ما يعزز من إنتاج أسماك ذات الجودة العالية.
فيما قال الدكتور “عباس شراقي” أستاذ البيئة والموارد المائية بجامعة القاهرة للميزان إن مشروع تبطين الترع له فوائد وأهمية حضارية وجمالية، ثم فوائد فنية كزيادة سرعة المياه ووصولها إلى نهايات الترع، وتحسين جودة المياه، وعودة الترع لأبعادها الأصلية، وتوفير بعض تكاليف تطهير الترع من الحشائش، وغيرها، إلا أنه لايوفر مياه كافية كما يعتقد البعض.
أستاذ الموارد المائية : مشروع تبطين الترع لا يوفر 4 مليار م3
وأضاف “شراقي” إن مشروع تبطين الترع لا يوفر 4 مليار م3 نتيجة التبطين ـ كما يُعتقد ـ هذا غير حقيقى ولايصل إلى ربع هذه الكمية، حيث إن التبطين لا يوفر الكثير من المياه؛ لأن التربة الزراعية فى الوادى والدلتا طينية، أي أن حركة المياه فيها بطيئة (النفاذية)، كما أنها مشبعة بالمياه بالفعل حيث يرتفع فيها منسوب المياه الجوفية، بالإضافة إلى أن المياه المتسربة من الترع أو من الرى بالغمر لاتهدر فى البحر أو الصحراء ولكن يتم استخراجها مرات عدة كمياه جوفية متجددة فى الوادى والدلتا تصل كميتها إلى حوالى 8 مليار م3 سنويًا نتيجة التسرب أساسًا من الرى بالغمر لحوالى 5.5 مليون فدان في الأراضى القديمة.
واستكمل: إن تبطين الترع يعتبر علاج ضرورى فى بعض الحالات التى لا تصل فيها المياه إلى النهايات لأسباب عدة منها انهيار جوانب الترع وترهلها، وانتشار الحشائش والقمامة، وتشغيل عدد كبير من طلمبات رفع المياه القوية فى بدايات الترع، وتسمى تلك الترع بالمتعبة، وهناك أولويات لهذه الترع للتبطين، وجميع البيانات متوفرة لدى وزارة الرى، كما أن إعادة تأهيل الترع لها عملية هندسية متعددة منها تقوية الجوانب الترابية بدون خرسانة وهذا ممكن باستخدام طمى وخلطه بمواد تقوية وحديثا بكتريا، وأخرى بالتبطين المناسب بخرسانة أو حجارة أو طوب أو بلاستيك وغيره، ويجب أن تقيم كل ترعة على حده حالة بحالة، وتستخدم طرق إعادة التأهيل فى الجزء الذى به مشاكل فقط وليست الترعة بالكامل أو كل الترع، خاصة فى ظروفنا الاقتصادية الحالية.
مشروع لا بد من استمراره، وحدوث التشققات أمر طبيعي وأزمتنا في الصيانة والتشغيل
فيما قال الدكتور ” نادر الخضرجي” إن مشروع تبطين الترع في المجمع مشروع لا بد من استمراه مع التركيز على تبطين الترع في المناطق الصحراوية، مؤكدًا إن حدوث الشروخ والتشققات أمر طبيعي جدًا، إذ أن الشروخ والتشققات تنتج عن ضغط الماء وسرعة جريانها في الترع والقنوات، بالتالي لا بد من عملية صيانة دورية للترع، والمسؤول الأول عنها هو مهندس الري في في مديريات الزراعة، ودوره المتابعة أول بأول.
وأوضح إن صيانة الترع المبطنة أهم بكثير من عملية التبطين نفسها، فمثلًا حدوث شروخ وتشققات في ترع الدلتا من شأنه يؤدي إلى تسريب الماء في باطن الأرض، بالتالي تدهور حالة الشروخ لأن التربة الطينية بالأساس مشبعة بالماء عكس التربة الرملية كما في مشروع النوبرية، موضحًا إن تصليح الشروخ والتشققات من مهام المقاول المنفذ للعمليات لفترة كبيرة من الانتهاء من التنفيذ، ولا يحصل على كل مستحقاته إلا بعد تمام التجربة والتشغيل أي أن المشكلة في الأساس في عملية تنفيذ وتسليم المشروع وليس في المشروع ذاته.
مواطنون: التبطين له فوائد كثيرة لكن له بعض الآثار السلبية لا يمكن تغافلها
ومن ناحية أخرى فإن ردود فعل المواطنين جاءت متنوعة ومتعددة في مشروع تبطين الترع، وهم المستفيديون في المقام الأول من هذا المشروع،إذ يقول “محمد سعيد” أحد المزراعين في ناحية أبو المطامير محافظة البحيرة، إن مشروع تبطين الترع مفيد بالنسبة لروي الأرض، فبعد إعادة التأهيل أصبح الماء يتدفق بسهولة أكبر، بالتالي وصوله دون عمليات تطهير مستمرة إلى أرضه، هذا إلى جانب نظافة الماء المستخدمة في عملية الري، ومع ذلك يقول إن المشروع لا يغطي سوى بعض المناطق، وفي المناطق التي لا يوجد بها تبطين نعاني من ندرة الماء، وهو ما يجعلنا نستخدم الآلات والمحركات لرفع الماء الجوفية و ريّ الأرض.
كما يقول:”محمود جمعة” أحد المزراعين بناحية الكنيسة الغربية، مشروع تبطين الترع له فوائد كثيرة لكن له بعض الآثار السلبية، ومنها عدم فتح قنوات أصغر حجما من الترع الرئيسية لتدفق المياه إلى الأراضي البعيدة، بسبب استخدام الخراصانة، بالتالي يستخدم المزارعون مضخات الماء لجلب المياه من الترع وهذا مكلف إذ أن سعر المضخة الواحدة يتجاوز 20 ألف جنيه، وأكد أن الإفراط في الري بالمضخات الآلية يؤدي إلى زيادة نسبة ملوحة التربة، بالتالي قلة إنتاج المحصول.
فيما قال “صابر النجار” مزارع بقرية نواج التابعة لمحافظة الغربية، إن تبطين الترع خلصتنا من القمامة والأوساخ، وقال إنه كان يعارض المشروع من البداية لكن الآن وجد له فوائد، وإيجابيات،منها وجود الماء في الترع، لكن من سلبياته الواضحه عدم وصول الماء إلى نهايات الترع غير الشقوق التي بدأت في الظهور على حواف الترع، هذا غير غرق الكثير من الأطفال في هذه الترع .
منظمة العدالة الدولية: استراتيجياتالتبطين لابد وأن تتضمن أهدافًا ملموسة وأرقامًا حقيقية
مشروع تبطين الترع ليس المشروع الأوحد ضمن استراتيجية وزارة الموارد المائية والري، ووفق منظمة العدالة الدولية فإن احتياجات مصر من المياه تقدر بـ (110 مليار) أي أنها تعادل ضعف الموارد المائية المتاحة (59.25 مليار)، ورغم أن الوزارة مكلفة بصياغة السياسات المائية، فإن العديد من الهيئات والوزارات الحكومية تتدخل في هذه القضية كأصحاب مصلحة، كما تفتقر استراتيجية التنفيذ في المشاريع ومنها مشروع تبطين وتأهيل الترع إلى أهداف قابلة للقياس، إلى جانب عدم مشاركة الجمهور في حزمة القرارات وهو ما يُفشل المشروع.
وأوضحت المنظمة بناءً على بيانات رئاسية فإن مشروع تبطين الترع أحد أكبر المشروعات المائية في مصر، وتقدر تكلفة المرحلة الأولى من المشروع نحو 2.8 مليار جنيه، وتغطي مساحة 398 ألف فدان، وسيتم توفير 60% من التمويل المطلوب من المخصصات المحلية، و25% من القروض الخارجية، و15% من المنح المقدمة من المؤسسات المالية الدولية، والتي تدعم عددًا من برامج نظم الري الحديثة وطرق تحسين استخدام المياه في الدول النامية.
وتعليقًا على مشروع تبطين الترع فإن منظمة العدالة الدولية قالت إن استراتيجيات مشاريع المياه لابد وأن تتضمن أهدافًا ملموسة وقابلة للقياس وأرقامًا حقيقية ـ وليس بيانات غامضة وعامة، والواقع أن الاستراتيجية الحالية تفتقر إلى هذا القدر من الوضوح، وبدلاً من ذلك، فإنها تتضمن أرقامًا ووصفًا عامًا لأهداف طموحة ولكنها غير قابلة للقياس، مشيرةً إلى أن الجمهور هو صاحب المصلحة الرئيسي في إدارة هذه المشاريع، ومن ثم، أصبح رفع مستوى الوعي بشأن التهديدات المتمثلة في تزايد ندرة المياه والفقر في مصر أكثر أهمية، ويتم بذل الجهود لتعزيز مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في صنع السياسات والتوعية بالمياه.
أقرأ أيضًا : مخاطر تؤدي إلى الوفاة.. العوم في الترع ليس ترفيهًا للغلابة بل كارثة محققة
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال