مصر والعرب في زمن الكوليرا “السفر ممنوع والتطعيم إجباري”

تغيرت العلاقات بين مصر والعرب في زمن الكوليرا بعدما اجتاح الوباء كافة أرجاء المحروسة لتتخذ جميع الدول العربية كل ما باستطاعتها من احتياطات وتدابير لعدم تسرب الوباء إليها.

اقرأ أيضًا 
فيرس كورونا وخلافات العرب «لماذا لا يمكن أن نتحد لمواجهة أي كارثة ؟»

الرجوع إلى توثيق الدكتور صلاح السيد عبدالعال لحال العلاقة بين مصر والعرب زمن الكوليرا يجد أن أغلب البلدان اتفقت على عدة أمور منها التطعيم الإجباري لجميع مواطنيها وفرض قيود على القادمين من مصر برًا وبحرًا وجوًا، وكان من أهم الدول التي اتخذت إجراءات مشددة هي سوريا ولبنان وفلسطين والسعودية والعراق والسودان.

في بلاد الشام .. السفر ممنوع والتطعيم إجباري

اتخذت كل من الحكومة السورية واللبنانية عدة احتياطات وقائية لعدم تسرب الكوليرا إلى أراضيها حيث فقد قرر مجلس وزراء سوريا تخصيص نصف مليون ليرة لمكافحة الكوليرا، وشرعت معامل الصحة السورية في تحضير مقادير كبيرة من المصل تمهيدا لتلقيح جميع أفراد الشعب السوري إجباريا، وكذلك أصدرت الحكومة اللبنانية مرسوما بفرض التلقيح الإجباري ضد الكوليرا على جميع الموظفين وأفراد الجيش والبوليس والطلبة والراغبين في السفر إلى مصر.

اقرأ أيضًا 
“تاريخ الكوليرا في مصر” إحصاء المواقع غير صحيح وهذه حكاية كل وباء

أما عن قيود السفر بالنسبة للقادمين من مصر إلى سوريا ولبنان حيث اتخذت الحكومتين عدة إجراءات وتدابير حسب شدة الوباء في مصر، أما الحكومة اللبنانية فقد اتخذت عدة تدابير منها منع دخول لبنان والخروج منه إلا بشهادة تلقيح يعود تاريخها إلى ستة أيام وشهادة فحص براز يعود تاريخها إلى ثمانية أيام، وكذلك فحص القادمين إلى لبنان فحصًا طبيًا فور وصولهم إلى الحدود اللبنانية على أن يوضع القادمون تحت الرعاية الطبية لمدة خمسة أيام من تاريخ الوصول إلى لبنان وكذلك فحص براز الحجاج القادمين من مكة في المحجر الصحي في حالة عدم إقامتهم المدة القانونية بمحجر الطور وأخيرًا منع دخول المأكولات النيئة كالفاكهة والبلح وكذلك قررت تطهير الصحف والمجلات المصرية قبل توزيعها منعا لتسرب الوباء.

وفي يوم 19 أكتوبر 1947 قررت الحكومة اللبنانية أن تؤسس محاجر صحية على الحدود وفي المطارات منعت المواصلات البرية والجوية المباشرة وغير المباشرة مع القطر المصري، أما المواصلات البحرية فقد سمح بها ولكن بشرط خضوع المسافرين بها للحجر الصحي ، وأن يطبق عليها الشروط والتدابير المتبعة.

أما الحكومة السورية فقد اتخذت عدة تدابير واحتياطات تكاد تكون مشابهة للتدابير التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، ومشابهة أيضا لأغلب التدابير التي اتخذتها الدول العربية نظرًا لأن هذه التدابير تعتمد أولاً وأخيرًا على نصوص ومواد المعاهدة الصحية الدولية، ومن تلك التدابير «فحص القادمين من مصر فحصا طبيا في المركز الصحي على الحدود، وأن يطلب منهم شهادة تلقيح وأخرى لفحص البراز، وضع القادمون تحت المراقبة الصحية لمدة خمسة أيام، وضع الذي لا يحمل شهادة تلقيح تحت الحجر الصحي لمدة خمسة أيام ، هذا بالنسبة للمسافرين من مصر بحرًا»، أما بالنسبة للطائرات فعليها أن تبرز عند وصولها إلى المطار السوري شهادة تثبت اتخاذ السلطات الصحية في مصر التدابير الصحية اللازمة للتحقق من نظافتها الصحية وسلامة صحة ركابها قبل سفرهم.

وفي أوائل أكتوبر عام 1947 وفق ما تشير به جريدة الأهرام، فقد اتخذت الحكومة السورية قرارا منعت بموجبه الطائرات القادمة من مصر مهما كانت جنسيتها من الهبوط في جميع المطارات السورية ، بينما سمحت للطائرات القادمة إلى سوريا بطريق الترانزيت ومرت على مصر كذلك بطريق الترانزيت ، والذين لم يختلط ربانها وركابها مع الأهالي ولم يغادروا المطار في مصر بالهبوط في المطارات السورية، على أن يخضع ملاحوها وركابها للحجر الصحي.

ونظرًا لشدة الوباء في مصر وخطورته فقد اتخذت الحكومة السورية في 20 أكتوبر 1947م ، قرارا بمنع السفر بتاتا بين مصر وسوريا بطريق البر والجو ، وأصبح السفر مقصورا على طريق البحر على أن يخضع للشروط الصحية الدولية السابقة.

أما بالنسبة للتدابير والاحتياطات التي اتخذتها حكومة الأردن لدرء انتشار الكوليرا فيها فقد حظرت أعمال النقل في طرق البلاد الجنوبية وتقرر تطعيم جميع الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا قد اتصلوا بسواهم من القادمين من مصر إلى فلسطين باللقاح الواقي من الكوليرا ، أما بالنسبة للمسافرين من مصر فلم يسمح لهم إلا إذا كانوا يحملون شهادة تلقيح بالمصل الواقي ويجب أن يذكر في هذه الشهادة تاريخ كل تطعيم، كما يجب أن يمضي أسبوعان على التطعيم الثاني قبل دخولهم فلسطين.

وفي 21 أكتوبر عام 1947 تلقت وزارة الخارجية المصرية من القنصلية الملكية العامة بالقدس تقرير الحكومة الفلسطينية بمنع دخول القطارات وعربات السكة الحديد المصرية إلى فلسطين خشية نقل عدوى الكوليرا إليها عن طريق ما تحمله من مياه ومواد غذائية وأنها ستقوم بنقل المسافرين من مصر إلى فلسطين ابتداء من القنطرة على قطاراتها وعرباتها.

احتجت الحكومة المصرية على تلك الإجراءات المشددة من قبل الحكومتين السورية واللبنانية والأردنية بالنسبة لمنع الطائرات القادمة من مصر من الهبوط في سوريا، وذلك نظرًا لأنها تخطت الاحتياطات الخاصة بقيود الحجر الصحي الوارد بالمعاهدة الصحية الدولية، ونبهت على الحكوميتن بأن هذه الإجراءات الخاصة بالكوليرا لا تتعدى التطعيم والمراقبة.

في الخليج .. العراق تمنع دخول الصحف المصرية

بالنسبة للحكومة العراقية فقد قررت السلطات الصحية فرض القيود الصحية على القادمين منها إلى العراق برا وبحرا عملا بالاتفاقية الصحية الدولية وأوقفت القنصلية العراقية منح تأشيرات الدخول إلى العراق في الحالات التي تخالف هذه الاتفاقية.

ووجهت السلطات العراقية بيانا إلى شركات الطيران ترجو فيه الامتناع عن نقل ركاب من مصر إلى العراق وتطلب منها اتخاذ جميع التحوطات مع الملاحين والركاب الذين يمرون بمصر، وإلا فإن طائراتهم سوف تعد ملوثة وتمنع من النزول بالأراضي العراقية.

وأصدرت الحكومة العراقية بلاغا جاء فيه أن الحكومة العراقية قد منعت الحجاج العراقيين من السفر إلى الحجاز لأداء فريضة الحج هذا العام، كما قررت الحكومة العراقية أيضا وقف تسيير الطائرات من العراق إلى مصر ، وطلبت من الطائرات المصرية في بغداد العودة في الحال ، وقررت أيضا بخصوص القادمين للعراق بغير الطريق الجوي تطبيق القيود الواردة بالاتفاقية الصحية الدولية وهي أن يكونوا حاصلين على شهادات التلقيح التي مرت عليها ستة أيام ، وكذلك شهادة تحليل براز ، وأن يكون قد مضى على تاريخ مغادرتهم مصر ستة أيام قبل وصولهم إلى العراق.

وقررت أيضًا الحكومة العراقية يوم 11 أكتوبر 1947 منع دخول الجرائد والمجلات المصرية خوفا من تسرب الوباء إليها ، وقد قامت وزارة الصحة المصرية عقب هذا الإجراء بإبلاغ وزارة الخارجية المصرية بناء على خطاب نقابة الصحفيين بأن الورق الجاف لا يحمل الكوليرا ، وأن لا خوف من تداول الجرائد والمجلات المصرية، وعليها أن تنصح السلطات المختصة بالعراق إلغاء ذلك الإجراء واستئناف دخول المجلات والجرائد إليها كما فعلت الحكومات العربية.

وفي يوم 24 نوفمبر 1947 أرسلت المفوضية المصرية ببغداد إلى الخارجية المصرية بأن اللجنة الطبية المختصة بنظر هذا الموضوع لم تبت فيه ، وأن اللجنة المذكورة تميل إلى عدم اتخاذ قرار إلى أن يزول الوباء نهائيا من مصر.

السعودية .. منع الاتصال الجوي مع مصر

وتأتي المملكة العربية السعودية ضمن قائمة علاقة مصر والعرب زمن الكوليرا، الحكومة السعودية بادرت إلى الأخذ بأسباب الحيطة والحذر لصيانة المملكة من الوباء ، فتوالت الاجتماعات بين إدارة الصحة العامة وكبار رجال الدولة الدفع الخطر وتوفير أسباب الوقاية ، وقد أصدرت إدارة الصحة العامة نشرة تحتوي على الإرشادات إلى سكان مكة ووفود الحجاج ، كما وضعت تعليمات بما ينبغي اتباعه في الحجر الصحي بجدة إزاء كل قادم إلى الحج بحرًا وجوًا.

إقرأ أيضا

“حول أدلة وجودها بمصر” أسئلة قديمة جديدة قدمها فيلم رأس الحسين فكيف أجاب عنها

قررت الحكومة السعودية في إطار القيود والإجراءات الصحية منع كل اتصال جوي بينها وبين مصر سواء كان إلى جدة أو الظهران ، ونظرا لوجود الحجر الصحي والاستعداد الكافي في ميناء جدة فقد اتخذت الحكومة الإجراءات الرسمية اللازمة لمنع أية باخرة أو سفينة شراعية سواء كانت تحمل مسافرين أو بضائع من الرسو في ميناء غير ميناء جدة.

السودان .. كشف طبي إلزامي

ولا كلام عن علاقة مصر والعرب زمن الكوليرا دون التطرق إلى السودان، حيث قررت الحكومة توقيع الكشف الطبي على القادمين من مصر بالبر ويحجزون في المحجر مدة خمسة أيام ، ويطبق ذلك أيضا على الذين يصلون بالطائرة من مصر وينزلون بحلفا ، وأيضا على الذين يصلون إلى حلفا بالطائرة من جهات أخرى من السودان أو خارجه.

المغرب هي الأقل حيطة

تتسم علاقة مصر والعرب في زمن الكوليرا بالشدة نسبيًا من حيث الاجراءات، لكن المسألة في المغرب تبدو مختلفة حيث قررت إدارة الصحة بمراكش اتخاذ بعض التدابير لحمايتها من وباء الكوليرا ومنها أن الحالة الراهنة لا تبرر التطعيم الإجباري لجميع السكان، وتم الإعلان عن أن ميناء الدار البيضاء الجوي هو الميناء الجوي الوحيد المفتوح لجميع الطائرات القادمة من الشرق الأوسط ، وسيوضع تحت المراقبة الصحية جميع المسافرين القادمين من الشرق الأوسط، وقد اتخذت جميع التدابير البكتريولوجية بإزاء المسافرين الذين اجتازوا الحدود.

فيما يتعلق بالحجاج فيطعمون عند سفرهم ثم يعاد تطعيمهم بواسطة الأطباء المرافقين لهم ، وعند وصولهم عن طريق الجو سيفرض عليهم الحجر الصحي لتحليل برازهم ، وسترسل الباخرة ” أنوس الثاني” عند عودتها من الحجاز على مسافة ميل واحد من ميناء الدار البيضاء لاتخاذ التدابير الصحية الضرورية بالنسبة لركابها وملاحيها.

تقييم إجراءات الدول العربية

قيم كتاب تاريخ الكوليرا لـ صلاح السيد عبدالعال علام خلال ص 1219 علاقة مصر والعرب من حيث التدابير والاحتياطات الصحية التي اتخذتها الدول العربية المجاورة للقطر المصري ، وتبين وجه الشبه الكبير في تلك التدابير ، وأنها تكاد تكون مكررة في معظمها ، وذلك لأن هذه التدابير منصوص عليها في المعاهدة الصحية الدولية ، وكذلك المعاهدة الصحية الخاصة بالملاحة الجوية ، فأغلب الحكومات العربية اعتمدت على تلك النصوص والمواد في تطبيقها لقيود الحجر الصحي، ومن أهم تلك القيود إبراز شهادة التلقيح وشهادة فحص البراز يعود تاريخ إحداهما لستة أيام ، وكذلك فحص القادمين فحصا طبيا عند وصولهم لتلك البلاد ، وأيضا وضع القادمين تحت المراقبة الطبية لمدة خمسة أيام من تاريخ الوصول ، وكذلك تم منع المواصلات البرية والجوية منقا تاما في أغلب الدول کسوريا ولبنان والسعودية والعراق ، وأصبح السفر مقصورا على طريق البحر على أن يخضع للشروط الصحية الدولية .