مصطفى متولي.. الطيب والشرس والخفي
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
قليلون هم هؤلاء الممثلين الذين حين أراهم على الشاشة ابتسم حتى لو كان هو شرير الفيلم، قليلون هؤلاء الذي لديهم تلك الطلة الحميمة التي تشعرك أن هذا الممثل قريب منك لدرجة القرابة، مصطفى متولي هو أحدهم بالتأكيد حينما أراه للحظة أراه كدب قطني بريء الملامح ومبهج النظرات مستلقي في حضن طفل في السادسة، فملامح مصطفى متولى قد تحملك إلى هذا الإحساس فورا، ولكن حذار فخلف تلك الملامح ممثل شرس.
الطيب
ممثل أخر غير مصطفى متولى كان ليستسلم لبداياته في تلك الأدوار الوديعة المسالمة كدوره في عنتر شايل سيفه على سبيل المثال، ويظل محصورا في تلك المنطقة، مستغلا تلك الهبة الإلهية في ملامحه ونظراته وبراءته وقدرته على أداء تلك الأدوار بسهولة وبدون تعقيد.
دوره في عنتر شايل سيفه ربما كان المثال الأبرز مع تلك الأدوار الصغيرة التي ظهر فيها في البداية، كدائرة الانتقام وضربة شمس، ومن قبلهم الكرنك وخلي بالك من زوزو.
ورغم ميل اداءه للأداء المسرحي وتعبيرات الوجه وحركة الجسم الكثيرة إلا أنه يستطيع أن يضع لنفسه موطئ قدم وسط العديد من الأسماء ووسط تغير جذري تشهده السينما المصرية بنهاية السبعينات، حيث يظهر على الساحة مصطلح سينما الواقعية الجديدة ولكن في الوقت نفسه يبدا عادل إمام في صدارة المشهد السينمائي، والأهم هو ظهور مخرجين جدد يشكلون تيارا آخر، وعلى رأسهم سمير سيف ونادر جلال وعمر عبدالعزيز ومحمد عبدالعزيز وأخرون.
في هذا التيار يسبح مصطفى متولي، ليكون ركنا أصيلا في سينما عادل أمام ومسرحه، ليتحول مصطفى متولي إلى كبير ياوران الزعيم وهنا يمزق ثوب الطيبة، أو بمعني اكثر دقة يضيف لدولابه التمثيلي أثوابا جديدة.
الشرس
كيف يتحول الطيب إلى شرير، دعونا نقول أن أهم ملامح الطيبة هي الوداعة والسماحة، بينما أهم مظاهر الشهر هي القسوة والشراسة، فإذا أراد شخص التحول بين الطيبة والشر، فعليه ببساطة أن يترك وداعته وسماحته ويستل سيف القسوة والشراسة.
رغم أدوار مصطفى متولي كشرير في سينما عادل إمام، إلا أن دوره في اللعب مع الكبار يظل الأبرز في رأيي، هنا تظهر موهبة مصطفى متولي بحق، بكل خفتها وبساطتها وعفويتها، يدخل للشخصية من تفاصيلها البسيطة فالأسيوطي ندرك شراسته من مشاهدة مكتبه، تلك الندبة الكبيرة الواضحة على ساعده، صورته بين كلبين شرسين الموجودة على مكتبه، لا توجد صوره لأطفاله، أو لعائلته، تلك صورته التي نراها، مع صور أخرى حسبما أذكر وهو يرتدي ملابس الجودو، من تلك التفاصيل أخرج مصطفى متولي الأسيوطي، بحركات متأنية وبصوت هادئ غير منفعل وحاسم يثبت شراسته.
وفي المقابل ترى دوره في فيلم عيش الغراب فتندهش أن ذلك الممثل لديه تلك القدرة على استخراج الطيبة والشجاعة من شخصية من المفترض أن تكون شرسة، فصول التعليم في الصاعقة المصرية ليس شخصا وديعا بكل تأكيد ولكن ترى طريقة تعامله مع ولده، وطريقه مواجهته لصديقه، فتعرف أن هذا الممثل يمتلك موهبة لا غبار عليها.
الخفي
هو الحاضر دائمًا، لا يمكن أن تنساه ولكنه ينسحب خلف الشخصية لتتذكر تلك الشخصية وتنسى مصطفى متولي، تتذكر الأسيوطي في اللعب مع الكبار وهاني في الإرهابي ورشاد في حنفي الأبهة والزغبي في جزيرة الشيطان والأهم أنك تتذكر عزيز في أوبرا عايدة.
بشكل شخصي أحب مسلسل أوبرا عايدة وفي رأيي أيضا يعد من أفضل ما قدم أحمد صقر في تاريخه كمخرج تلفزيوني ومن أفضل أدوار الفخراني ولكن حبي للمسلسل لا يأتي بسبب شخصية أوبرا، بالطبع لها عامل كبير، ولكن في هذا العمل الدرامي هناك ثلاثة ممثلين انسحبوا ليتركوا المجال للشخصيات التي يقدموها، فنتذكر الصفطاوي “أحمد خليل”، وشكري الهواري “أسامة عباس” وبالطبع عزيز ” مصطفى متولي.”
عزيز شخصية تخفي أكثر ما تظهر، لابد أن نصدق وداعته ليكون لخيانته أثرها المطلوب، ليكون مصطفى متولي أمام معضلة فهو عليه ان يمثل أنه يمثل، بمعني ان مصطفى متولي سيقدم شخصية تمثل أنها وديعة وطيبة في حين أنها لديها وجه أخر.
ولكى تنجح تلك الشخصية في تحقيق التأثير الدرامي المرجو علينا ألا نشك بها لحظة وأن تتقن دورها في المسلسل بحرفية، فيلجء مصطفى متولى لحيلة عظيمة وهي ترك السيادة لأوبرا.
تأمل مشاهد عزيز مع سيد أوبرا، ستجد مصطفى متولي يحاول تقديم شخصية تابعة لأوبرا وأن لأوبرا سيطرة عليه، فأوبرا ينفعل عليه أحيانا، يقتحم مكتبه ليجره إلى الحمام ليتحدث معه، يطلب منه أن يقف بجواره في قضيه الصيادين، كلها أفعال ومشاهد تدل على سيطرة أوبرا على عزيز، والأهم مدى قرب العلاقة بين الطرفين، ليكون مشهد المواجهة مؤثرا، وصادما بالفعل.
امتلك مصطفى متولى ميزة مذهلة طوال مسيرته الفنية وهي أنه يسري، بالضبط هو يسري، ينساب فتجد نفسك تحبه، وتحب أدواره وظهوره على الشاشة، ويتحول لجزء يعيش معك فحتى حينما أذكره الآن ابتسم.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال