مصطفى محمود .. سنوات من “الهبد” العميق
-
أحمد ماجد
كاتب نجم جديد
حاول الكثير على مدار السنين إيجاد الرابط بين العلم والإيمان، إلى أن وجده –على حد قوله- د. مصطفى محمود، لكن السؤال هنا، هل وجده بالفعل؟ سأحاول أن أنحي رأيي تمامًا وأن أتحدث عن وجهات نظر أطراف أخرى، والتي كان رأيها هو الشيء الوحيد الذي اتفقت فيه هذه الأطراف، وهو أن د. مصطفى محمود كان يطوّع الحقائق.
سنناقش بعض الموضوعات التي طرحها الدكتور في برنامجه “العلم والإيمان”، والذي من اسمه كان يحاول فيه إيجاد الرابط والصلة بين الاثنين، لكنه لم يكن الأول أو الأخير في محاولة القيام بذلك، فالكثير من العلماء اكتشفوا اكتشافاتهم في خلال رحلتهم الإيمانية، والعكس أيضًا. لكن إيجاد الرابط هنا كان عبر تطويع الحقيقة نفسها لتخضع لقواعد وخطوط عريضة لها علاقة بالعلم والإيمان، أن يبدو الكلام منمقًا وجادًا وعلميًا، بنبرة ذات طابع ديني وإيماني، وهذا ما شكل عليه هجومًا صارخًا من السلفيين والكثير من رجال الدين، حيث رأوا أنه يفتي في الكثير من جوانب الدين ويحرّف فيها، بينما رأى الكثير من رجال العلم وبجانبهم العلمانيين أنه كان يحرّف في النظريات والحقائق العلمية من أجل إعطائها نبرة دينية، وربما حسب ذاكرتي هذا هو الأمر الوحيد الذي اتفق عليه الطرفان.
أما عن مشكلتي مع د. مصطفى محمود، فهي ليس لها علاقة بأن ما توصل له العلم لم يكن بنفس تقدمه في يومنا هذا، أو محاولته لإيجاد الرابط بين العلم والإيمان، فكل فيلسوف أو مفكر يُشكر لمجهوده حتى ولو أخطأ، ولكن مشكلتي بحثية أكثر، خلال رحلتي في البحث فيما قاله عن الكثير من النظريات والأمور العلمية، لم أجد إلا قشورًا وكلامًا مطاطًا يصلح لكل المعاني، أي أنه لم يشرح شيء، ولكنه سفسط الأشياء لتبدو وكأنها “علمية” ولائقة باسم برنامجه الشهير.
لذلك، سأحاول قدر الإمكان جمع تلك القشور، ومقارنتها بآخر الأبحاث العلمية باختصار شديد، دون أن اترك مجالًا لرأيي أو لرأي الأطراف المختلفة مع بعضها ومتفقة عليه.
1.أسطورة التنين:
يقول مصطفى محمود في برنامجه أن أسطورة التنين هي ناتجة عن الوعي الجمعي المتوارث عن الإنسان الأول الذي كان يواجه الوحوش الضارية والضخمة، لذلك كان يرى أن التنين –والذي يعتبر كائن مقدس في بعض الحضارات- هو صورة ذهنية مرتبطة بالعديد من تلك الوحوش والزواحف الضخمة، وأن بعض تلك الزواحف موجود لعهدنا هذا مثل “تنين الكومودو” وغيرها من الزواحف الضخمة نسبيًا.
وبهذا التفسير يمكن أن نستنتج أن أغلب الوحوش الأسطورية كان لها علاقة وثيقة بما يواجهه الإنسان في بدايات رحلته في التاريخ، وتم تحويرها مع الحكايات التي توارثتها الأجيال.
في الحقيقة، المشكلة الأساسية في هذه النظرية هو التسليم بها، وأن هذا هو السبب الرئيسي لأسطورة التنين، بينما حاول ويحاول العلماء حتى الآن الربط بين التنانين وبين الزواحف والديناصورات لإيجاد تفسير لهذه الأسطورة، لكن لا يوجد دليل واضح وصريح، بل ارتبط دائمًا التنين الضخم الشرس برحلات فرسان العصور الوسطى في أوروبا لإيجاد بطولاتهم وتخليد أسماءهم في التاريخ. بينما التنين الآسيوي كان مرتبطًا أكثر بالحكمة وليس الشر.
وارتباط “تنين الكومودو” بأسطورة التنانين، هو قصة حدث لبحار في العصور الوسطى كاد أن يقتله الكومودو لكنه نجى بأعجوبة، ليحكي فيما بعد أنه هُوجم من قبل تنين ضخم.
لذلك، لا ليس هناك علاقة وثيقة بين رؤيتنا للتنين وبين الوعي الجمعي المتوارث من الإنسان الأول، بدليل اختلاف شخصيات وصفات التنانين باختلاف الصفات والقصة، فهي أشبه بحكايات متوارثة مثلها مثل حكايات وتفسيرات الديانات القديمة مثل المصرية والإغريقية.
2.الموت:
ناقش د.مصطفى محمود في كثير من حلقات العلم والإيمان موضوع “الموت”، سواء كان لغزه أو أسبابه أو ما يحدث بعده، أو من يعود منه، وفي كل مرة كان يستند على كلام منمق، حيث قسّم الموت إلى قسمين، موت القلب (وهو ما يحدث في الغيبوبة)، وموت الدماغ وهو الموت النهائي، كما أنه تحدث عن الرؤى التي يراها من يوشك على الموت، أو من يتعرض لغيبوبة، وفسرها بأنها رحلة يذهب فيها ذلك الشخص الذي يقترب من الموت إلى عالم آخر من الموتى والأرواح أو كون آخر، يرى فيه حقيقة الأمور، فإذا عاد مرة أخرى للحياة يعُد بحكمة وزهد تجاه الحياة.
بالطبع لا يوجد أي دليل لما يحدث بعد الموت (فلم يذهب أحد وعاد ليحكي لنا بالأدلة)، إلا أن العلم ناقش الرؤى المرتبطة بما قبل الموت، واختلفت الآراء ما بين أن المخ يرسل موجات كهربية عند شعوره بخطر الموت (نقص الأوكسجين الحاد) فتؤثر هذه الموجات على الإنسان ليرى بسببها هلاوس، أو أن المخ يفرز مواد تقلل من توتر وألم الموت ليرى حينها رؤية خاصة به، سواء كانت ملاك -على حد وصف بعض “العائدين من الموت”- أو قريب/صديق متوفى، أو استرجاع لذكريات من حياة الشخص، وكل ذلك في سبيل تخفيف حدة الألم والتوتر الذي يصاب به الجسم.
3. نظرية دارون في التطور:
عبّر مصطفى محمود عن رأيه في نظرية دارون بسردها وشرحها، ثم محاولة إثبات عدم صحتها عن طريق دمجه بينها وبين نظرية الخلق المباشر (والتي تنص على أن جميع المخلوقات خُلقت بشكلها الحالي ولم تتطور أو تتغير) من ناحية، ورده على جزئية أخطأ فيها دارون -على حد قوله- وهي أن ربما تتشابه الكائنات جميعها في بعض الصفات التشريحية، ولكن يظل أصلها مختلف، فأصل النباتات غير أصل الثدييات غير أصل الطيور…إلخ. على عكس ما يقوله دارون وهو أن الكائنات كلها كانت من أصل واحد وهو كائن أحادي الخلية تطور بأشكال مختلفة.
لم ينصف العلم نظرية دارون أيضًا، ولكن ليس لأسباب مصطفى محمود وإنما لأسباب أخرى أكثر تفصيلًا، حيث فشل دارون في توفير الأدلة الكافية من الحفريات التي تثبت صحة نظريته وقتها، كما أنه لم يوفر تفسيرًا واضحًا لوراثة الصفات في الكائنات عن طريق الأبوين وعلى أي أساس يرث الكائن صفات طرف من الأبوين أكثر من الآخر، كما أنه لم يفسر بشكل دقيق وواضح طريقة عمل الانتخاب الطبيعي، وهل أي صفات غير مفيدة للكائنات تندثر بينما تظهر صفات أخرى؟ وما الذي يحدد ذلك.
إذًا، عندما اتفق د.مصطفى محمود مع العلم في المجمل هنا (وهو وجود أخطاء بنظرية دارون)، لم يُوفق في اختياره لأسباب خطأ تلك النظرية.
لذلك، في رأيي، ما حاول فعله د.مصطفى محمود هو مسك العصا من النصف ما بين العلم والإيمان، مما تسبب في خلاف كبير بينه وبين الطرفين، والأهم أنه تسبب في تكوين قشور طفيفة من المعرفة التي بنسبة كبيرة معرفة خاطئة لأنها مطوّعة ومحوّرة في سياق يجعلها ترضي جميع الأذواق، دون مراعاة الحقيقة نفسها.
المصادر:
الكاتب
-
أحمد ماجد
كاتب نجم جديد
بعد قراءت مقالك تذكرت هذه القصة
ذكر ابنُ الجوزيّ في المنتظم: “بينما الحُجّاجُ يطُوفون بالكعبةِ ويغرفُون الماءَ من بئرِ زمزمٍ، إذ قامَ أعرابيٌّ فحسَرَ عن ثوبه، ثمّ بالَ في البئرِ والنّاسُ ينظُرون! فما كانَ منهم إلا أن انهَالُوا عليه بالضّربِ حتى كادَ أن يموت، فخلّصه حُرّاسُ الحَرَمِ منهم وجاؤوا به إلى أمير مكّة فقال له: قبّحَكَ الله، لِمَ فعلتَ هذا؟! فقال: حتى يعرفني النّاسُ فيقولون هذا الذي بال في بئر زمزم”!