مطربة اسمها سعاد حسني
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
في الفيلم الأشهر “صغيرة على الحب” تصاعدت مني تساؤلات صغيرة “من هي صاحبة الصوت العذب التي تغني في الفيلم؟” أخبرتني أمي أنها هي نفسها بطلة الفيلم سعاد حسني، وقتها لم أكن أعلم أن صاحبة الموهبة التمثيلية الكبيرة، هي صاحبة موهبة غنائية أكبر، لكنها فضلت استخدامها وتسخيرها لموهبتها وشغفها الأكبر: التمثيل.
على خلاف شقيقتها “نجاة الصغيرة” التي فضلت الغناء فقط، تميزت السندريلا في كل شيء، قدمت الميلودراما، قدمت الكوميديا، قدمت استعراضات وأغنيات في السياق الدرامي، شخصيتها المرحة الكاسحة، لم تكن تؤمن بالتخصص، فقط كانت تؤدي كل شيء وأي شيء تري فيه ملمحا إبداعيا، وفي رأيي الشخصي لو كانت وجهت كامل تركيزها لكانت غطت شهرتها كمغنية الآفاق، وتوارت أختها في ظلها بلا عودة.
السندريلا التي تألقت بشدة مع نجوم تلحين عصرها مثل “محمد الموجي” و”كمال الطويل” والأخير بالمناسبة الذي صنع مجد “نجاة الصغيرة”، لم تكن لتفوت مناسبة دون أن يعانق صوتها الميكروفون، فهي المتألقة في عيد الأم بأغنيتها الجميلة “صباح الخير يا مولاتي” وهي أجمل وأرق بكثير من اللحن الجنائزي الذي وضعه “عبد الوهاب” لتغنيه فايزة “ست الحبايب”، التي كلما سمعتها أحسست بأنها “مارشات عسكرية” لا أغنية رقيقة للأم في عيدها، الأم التي تخرج من عباءة سعاد حسني هي شمس تضئ حياة أطفالها، لكن الأم من “فايزة أحمد” كائن معذب، ميلودرامي كئيب.
اسمع “صباح الخير يا مولاتي” كلمات صلاح جاهين – ألحان كمال الطويل، ترقص وسط الأطفال وتملأ الاستوديو بهجة وحضورا، مقابل الحزن الذي يطوق صوت “فايزة” عبر ألحان عبد الوهاب.
كذلك لم يفوت عليها “الواجب الوطني” حيث سجلت بصوتها للإذاعة أغنية “دولا مين”، ويذكر كتاب التاريخ لنا أنها أخذت “أحمد فؤاد نجم” بنفسها لمبني الإذاعة، لإصرارها على أداء الأشعار، وقتها كان “نجم” نزيلا دائما في المعتقلات وأحد المغضوب عليهم من “السادات” وأفلحت وساطة السندريلا، ولحن “كمال الطويل” الكلمات لتخرج لنا أغنية من أعذب أغنيات “نصر أكتوبر” المجيد.
صوت سعاد لم يكن بالبسيط أو الهين، طربي من الدرجة الأولي، صاحب قرار عظيم وجواب أعظم، صوت له شخصية مميزة، مجرد استماعك له يجعلك تبتسم بكل بساطة، أو تحزن، موصل ممتاز للإحساس، حتى وإن أدي أغنية مؤلمة مثل “بانو بانو”.
“بانو بانو” ببساطة عبارة عن شحنة مؤلمة من المشاعر، التي أحستها شفيقة، مشاعر الفقر، خذلان الحبيب، فقدان الأخ، فحمل أداؤها مزيجا ساخرا مريرا، أكملته السندريلا بأدائها الحركي في الفيلم، ما ينم عن عبقرية نادرة، طاقة فنية يكفي لأي مخرج توجيهها، أو حتى بدون توجيه، لتمنح كامل مجهودها للسينما التي صنعت مجدها، ولم تمنحها الكثير في المقابل.
“أنغام سبتمبرية” هي قصيدة للشاعر الكبير “صلاح جاهين”، قصيدة عظيمة، لكن جزء كبير من عشقي لها بشكل خاص، هو أداء سعاد حسني الصوتي لها، بالتحديد لمقطع “وقف الشريط”، حيث سجلتها لصالح إذاعة BBC أثناء وجودها بلندن في رحلتها العلاجية الأخيرة، لم تغنها “سعاد” لكن يكفيني التأثر بخلجات صوتها المتهدج، وهي تهتف “عاوز أشوف نفسي زمان وأنا شاب، ومش عاجبني لا وصي ولا أب”، كأن “سعاد” ترثي شبابها الذي ولي علي لسان صديقها وأبيها الروحي “صلاح جاهين”.
تهدج صوت سعاد حسني في “وقف الشريط”، يظهر لنا أن الزمن لم يكن رحيما عليها، طحنتها الأيام والليالي بلا هوادة، بعد الضحكات والفرح في أغنياتها التي منحتنا إياها، تظهر بكل حزنها في “وقف الشريط”، وهي علي وشك البكاء. ترثي زمنها وزمن البسمة الضائع، والضائع لا يعود.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال