همتك نعدل الكفة
450   مشاهدة  

معارك التفاهة بين المصريين وسوء تصريف الغضب

مروان بابلو
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة



معارك تافهة لكن لها دلالات  إحداها يشير إلى فقد القيمة

إذا لم يكن لنا رأيًا مسموعًا ومقدرًا في مجتمعنا الذي نعيش فيه أو في الشارع الذي نسكنه فعلينا أن نختار بين طريقين إما أن نتألم ونشعر بعدم الاعتبار ونفقد إحساسنا بالملكية لوطننا ولمكاننا الذي ننتمي إليه ونواجه ذلك برفض مصحوب بغضب تجاه كل شيئ ونحاول جاهدين رفع أصواتنا بحق أو حتى بدون حق في وجهة الحكومة التي تنكر حقنا ليس فقط في إبداء الرأي بل في الأخذ به.

أو نختار الطريق الثاني و هو أن نكون حريصين لآخر لحظة على الشعور بالسعادة ولو كانت غير حقيقية، فنبدأ بإقناع أنفسنا أن كل ما يحدث حتى وإن كان دون رغبتنا فهو لصالحنا وأننا الرابحون في النهاية، فالإنسان إن لم يكن على وفاق مع مجتمعه سيعيش حياة مريرة ويصبح عاجزًا عن التكيف وبالتالي عن الإنتاج والصمود والنجاة في نهاية المطاف.

 

لذلك لا بأس في بعض التبرير مثلًا نقول لأنفسنا : لقد انتهت أزمة المرور الخانقة وأصبح بإمكاننا مضاعفة العمل في محيط جغرافي أوسع في يوم واحد ورغم علمي بأن هذا التفسير نابع من محاولة جاهدة للتكيف وقبول التهميش ورغم أنني شاركت ولازلت أشارك في خلق تبريرات أكثر إقناعًا وربما جدوى من هذا التهوين، إلا أنني أحرص أن يكون التبرير الذي أسعد به نفسي تلك السعادة المؤقتة معتمدًا في أوله على الحرص على حق الغير بدافع إنساني متحضر وبدافع مصلحتي الشخصية فما أوافق على أن يُحرم منه غيري فحتمًا سيتم حرماني منه أنا أيضًا ولو بعد حين.

 

السيولة المرورية والتي بالمناسبة لم تتحقق في جميع المناطق التي تمت توسعتها ليست مبررًا لحرمان المواطن من حقه في التمتع بحي ظليل ومنظر خلاب يطل عليه ونسمة باردة تدخل بيته فتنعشه وتروح عنه وتوفر عليه كلفة الكهرباء الباهظة بعض الوقت دون أن يختبئ خلف أسوار كومباوند ويترك منطقته.

للمواطن الحق في أن يحتفظ بقيمة بيته الذي امتلكه بكده وتعبه وأفنى لأجله تحويشة العمر تكفيه خسارته من التعويم كنتيجة الإصلاح الاقتصادي من جهة والانفجار العقاري الناتج عن بناء المدن الجديدة الأمر الذي قلل من سعر العقارات الخاصة بشكل عام وجعل بيعها عسيرًا.

 

وإن وجدت ما أقوله أمرًا تافهًا فذلك على ما يبدو لجهلك بتأثير البيئة المحيطة للإنسان على صحته العقلية والنفسية والإنتاجية ولقد كتبت عن ذلك بالتفصيل في مقال سابق، ويجب ألا تقع ضحية تضليل نفسك متعمدًا لتقلل من ألمك الناتج عن عدم اعتبارك.

ويمكنك تجاهل كل ما يكتب من مقالات بهذا الصدد فالتخطيط العمراني للمدن والأحياء السكنية وتصميم الحدائق هو علم ذو أصول في العالم كله والذي تتجه العبقرية والتميز فيه إلى زيادة المساحات الخضراء وافساح المجال للمشي سيرًا على الأقدام بل والتشجيع على ذلك، يمكنك أن تتعرف على هذا العلم أو التخصص فتكن أكثر هدوء وصدقًا مع نفسك.

لذلك أقول إن محاولة خلق جدل مفتعل وغير حقيقي حول الصورة المتداولة

عن شارع الحجاز قبل التطوير حيث كانت تتوسطه جزيرة واسعة خضراء ومن ثم تحول لما يشبه الطريق السريع الذي يربط المدن بعضها البعض، هي محاولة مجموعة من الغاضبين لمداواة آلامهم من عدم اعتبار آراءهم ذات قيمة، لكن الشاهد هنا أن كلا الفريقين المتعاركين لم يحتكم أحدهما أو كلاهما إلى العلم ولا التخصص ولم يقنعا بأن المواجهة المستحقة يجب أن تكون لمن نفذ التطوير الجائر وليس لبعضهم البعض لكن كيف يجدوه أو يسمعهم.

 

إذا اعتقدت الحكومة أنه يمكنها أن تستفيد دائمًا من التناحر والاستقطاب بين المواطنين بتنفيذ خططها دون عناء حوار أو حساب، فعلى الأرجح أنها لا تدرك أن الفريق الذي بدأ يدرك أن إهمال صوته هو حقيقة وواقع عليه أن يعترف بحدوثه.

 

لم يكن مستحيلًا على الجهة التي أعادت تطوير شارع الحجاز على سبيل المثال أن تقوم بعملها بما يخفف عن الحالة المرورية دون إخلال بحق الساكنين والسائرين على أقدامهم فمن كان سيعترض لو اقتطع أكثر من نصف الجزيرة للتوسعة وأبقى على ثلثها مع حفظ الشجر.

مروان بابلو
شارع الحجاز قبل التطوير

فلنواجه الحقيقة الظاهرة أمامنا فالجهة المعنية لم تضع حاجة الفرد في الحسبان بقدر ما وضعت حاجتها هي ممثلة عن الدولة أولوية واجتزأت دور الشارع الاجتماعي واعتبرته أداة وظيفتها الوحيدة العبور السريع من نقطة ألف إلى النقطة باء، وهذا الاجتزاء غير علمي وغير سياسي وغير إنساني.

مروان بابلو
شارع الحجاز بعد التطوير بدون أي خطأ للرابر مروان بابلو

 

وللإنصاف لم تهتم حكومات مبارك بملائمة البيئة العمرانية لصحة الفرد النفسية والعقلية أو تحفيزها لزيادة الإنتاجية بل كنّا نعيش على الأطلال الباقية من الأحياء القديمة مثل منطقة وسط البلد وحي مصر الجديدة وجاردن سيتي والمعادي وبعض الشوارع الناجية بأحياء الدقي والعجوزة والزتون وغيرهم، وها هو المواطن لا يملك من أمره شيئًا يفقد جزء آخر من كرامته حيث لا يجد لنفسه الحق في إبداء الرأي تجاه المشهد الذي يناظره من نافذة بيته الذي يملكه أو يستأجره بماله الذي يجتهد حتى يكسبه.

 

مشهد تأملته بعناية

صور الإنجازات والمشروعات التي تنشرها وسائل الإعلام المختلفة وعبر حسابات رسمية أو شخصية لموظفين بالحكومة دائما ما تكون خالية من المواطنين!

تأمل معي، ميدان التحرير، عربات المترو الجديدة، ممشى أهل مصر كورنيش النيل وغيرهم هل لفتك خلو كل الإنجازات من البني آدم حتى الأسمرات والمشروعات المهمة التي خُصصت للقضاء على العشوائيات، جرب أن تضع على محرك البحث جوجل اسم أي مشروع مما سبق أو غيرهم وانقر على الصور وشاهد بنفسك، طبعًا ما أقوله هو دليل فادح على أولويات الإعلام في التعبير عن صوت الحكومة بصرف النظر عن المواطن.

مروان بابلو

مروان بابلو
ممشى أهل مصر

 

وتستمر التفاهة وإهدار الطاقات

تبقى المعارك غير المجدية طالما وجدت الحسرة، وينقسم الناس لمدافعين عن مؤدي الراب مروان بابلو وآخرين يوافقون على إدانته بعد أن قال المؤدي الذي كان مصاحبًا له في حفله والمعروف باسم “شاب جديد”: مروان إني ببابك قد بسطت يدي

حيث دللت نقابة الموسيقيين أنها أيضًا تائهة لا تعرف الفرق بين لفت النظر بدرجاته المتأرجحة من اللفت الخافت إلى المعلن وبين المنع التام من الغناء، لكنها تعبر بيأس واضح عن حاجتها هي أيضًا للتحقق واستشعار السلطة بالمبالغة في عقاب شاب يحظى بجماهيرية عالية لتأمن على نفسها من أي ردع قد يطولها أو توبيخ لعدم قيامها بدورها الذي يبدو أنها لا تثق أنها تعرفه لذلك فلما لا تفرض أقصى العقوبة وتنجو بنفسها.

 

لا أنوي إعطاء أهمية لخلاف يسخر أحد أطرافه من قدسية “ابتهال” أداه مجموعة من المبدعين والفنانين وآخر يدعي أن مروان بابلو تسبب في تطاول على الخالق جل جلاله الذي لا يجب أن نبسط يدنا إلا إليه، وذلك لأن كثير من هؤلاء الذين أخذتهم الفزعة لا يخجلون من بسط أيديهم ليل نهار لشخصيات نافذة يستجدوها أو رئيس عمل أو حاكم يريدون رضاه من دون الله مرة ومن دون كرامتهم مرات.

 

إقرأ أيضا
أسامة الشاذلي

في نهاية الثمانينات حيث كنت أدرس بالمملكة العربية السعودية أخبرونا عن الحرام الذي اقترفه عبد الحليم حافظ عندما غنى قدر أحمق الخطى ” حيث حمل قوله سبًا للدهر والدهر يعني الزمن وهو الله جل جلاله وفق الحديث القدسي الذي يقول فيه النبيُّ ﷺ: “لا تسبُّوا الدهر، فإنَّ الله هو الدهر”

ولم يكن هذا التحريم قاصرًا على ما غناه عبد الحليم حافظ بل على حبنا لآل البيت وزيارتهم ومناداتنا لهم بسيدنا وستنا والذي حرموه أيضًا.

 

ولم أقتنع أبدًا بوجهة نظرهم فقد كانوا لا ينادوا ملكهم (الحاكم) أو ولي الأمر إلا بسيدي ومولاي وجلالة الملك! فتجاهلت تفسيراتهم كلها وحفظت أغنية عبد الحليم وأحبيت آل البيت لكني لم أتعلق بإرادتهم ولم أصدق في قدرتهم من دون الله وفهمت حينها أن الأفكار المزروعة في العقل يصعب على الإنسان التخلص منها فالتمست لهم العذر أيضًا.

 

ربما اكتب كثيرًا معبرة في مناسبات مختلفة عن قلقي من العدائية التي يجنح إليها الكثير من قلة الحيلة ونتيجة الجهل لكنني لا أملك سوي التحذير من خطورة اعتياد العنف بديلًا عن الحوار وأن عواقب هذا السلوك شديدة الخطورة، وأن اغراقنا في الجدل والخلاف حول التوافه يشير لوجود مشكلات حقيقية لا نعرف سبيلًا للتعبير ولا حلها فنتجاهل أسباب الغضب ونكتفي بالتعبير ممارسة الغضب نفسه وحقًا أتمنى أن أعرف جوابًا لسؤالي التالي :  إلى متى سنظل بمقاعد المتفرجين نخترع كل يوم مسارات جديدة لتصريف مشاعرنا الغاضبة تعيننا على الرحلة التي ينقصها كثير من العدل والحرية، بينما يتحول من يفشل في التعامل مع غضبه إلى مصدر خطر للفوضى؟.

اقرأ أيضا

مسرحية الدخان .. مركبة الزمان التي أكدت لنا أن المسرح المصري بخير

وباعتبار أنني لا أتوقع إجابة فلتكن فرصة لدعوتكم إلى تذكر أغنية “مضناك جفاه مرقده” وهي من روائع الموسيقار محمد عبد الوهاب ومن كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي عام ١٩٣٨ ميلادية في زمن مضى أو قرن كان المصري يعرف فيه راسه من رجليه عن هذه الأيام وتخيل معي كم عدد تهم التكفير، الإلحاد والازدراء التي أفلتوا منها.

جزء من القصيدة تقول:

و يقول تكاد تجن به .. فأقول و أوشك أعبده

مولاي و روحي في يده .. قد ضيعها ، سلمت يده
ناقوس القلب يدق له .. و حنايا الأضلع معبده

قسما بثنايا لؤلؤه .. قسم الياقوت منضده
ما خنت هواك ولا خطرت .. سلوى بالقلب تبرده.

 

الكاتب

  • مروان بابلو رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
1
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان