هل من معجزات النبي أنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه ؟ “نقد الانتقادات الموجهة للصوفية”
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
زادت معجزات النبي صلى الله عليه وسلم عن الألف معجزة كما عدها العلماء، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه، فهذا حق وثابت بحق معجزاته كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ترون قبلتي هاهنا، فوالله لا يخفى عليَّ ركوعكم ولا سجودكم، إني لأراكم من وراء ظهري، وجاء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إني أمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، فإني أراكم من أمامي ومن خلفي.
الغيب بين الله ورسوله
أبرز الانتقادات الموجهة إلى الصوفية بشأن مسألة الرؤية الخلفية أنهم ـ وفق ما يذكر مخالفيهم ـ يساوون بين الله سبحانه ونبيه الكريم في مسألة علم الغيب.
اقرأ أيضًا
لماذا تصر كتب الصوفية على وصف النبي بـ أجير وجرثومة الشرف ؟
قال العلماء : «الأصل في الأمور الغيبية: اختصاص الله بعلمها، لكن الله تعالى يطلع من ارتضى من رسله على شيء من الغيب، قال الله تعالى: “عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا” ـ الجن:26،27 ».
فهذا الذي يطّلع عليه الرسول من أمر الغيب إنما هو من وحي الله تعالى؛ ولذلك قال الله عز وجل : قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ” الأنعام : 50″ وجاء في كلام العلماء أن “علم الغيبات من اختصاص الله تعالى فلا يعلمها أحد من خلقه لا جني ولا غيره إلا ما أوحى الله به إلى من شاء من ملائكته أو رسله”.
النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ؛ كما هو ظاهر قوله تعالى : (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ولكن الله عالم الغيب يطلعه منه على ما يشاء، كما قال تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ).
وقال العلماء أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدْرَاكًا فِي قَفَاهُ يُبْصِر بِهِ مِنْ وَرَائِهِ , وَقَدْ اِنْخَرَقَتْ الْعَادَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْثَر مِنْ هَذَا , وَلَيْسَ يَمْنَع مِنْ هَذَا عَقْل وَلَا شَرْع , بَلْ وَرَدَ الشَّرْع بِظَاهِرِهِ فَوَجَبَ الْقَوْل بِهِ، وهذه من المعجزات والآيات التي أيّد الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وخصه بها.
الحاصل أن هذا الأمر : هو من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه، لكن هذا لا ينفي من اختصاص الله بعلم الغيب ؛ لأن الله قد يطلع من شاء من رسله، على ما شاء من أمور الغيب؛ وحينئذ : يعلم الرسولُ من أنباء الغيب ، ما أعلمه به ربه سبحانه.
والمذكور في هذا الحديث: ليس من علم الغيب في شيء، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : إني أعلم ما غاب عن بصري ، أو أعلم كذا وكذا ؛ بل هذا الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر موجود ، مشهود ؛ كل ما في الأمر أن العادة قد جرت ألا يرى الإنسان إلا ما يقابله والرسول صلى الله عليه وسلم ، في هذا المقام : رأى ما وراء ظهره ، فانخرقت العادة، وصحت له الرؤية.
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال