مع الموت كل مرة نحزن وكأنها أول مرة
-
إيمان أبو أحمد
مترجمة وصحفية مصرية، عملت في أخبار النجوم وفي مجال ترجمة المقالات في عالم الكتاب ولها العديد من المقالات المترجمة، وعملت في دار الهلال ومجلة الكتاب الذهبي التابع لدار روزاليوسف. ولي كتاب مترجم صدر في معرض الكتاب 2021
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
إذا جاك الموت يا وليدي
موت على طول
اللي اتخطفوا فضلوا أحباب
صاحيين في القلب
كإن محدش غاب
واللي ماتوا حتة حتة
ونشفوا وهما حيين
حتى سلاموا عليكم مش بتعدي
من برة الاعتاب
أول مايجيك الموت افتح
أول ماينادي عليك أجلح
انت الكسبان
عندما يباغتك الموت تكتشف أنك ضعيف، وخائب، وأنه كل مرة يباغتك ويأخذك على غفلة، وكل مرة تندهش من هزيمتك أمامه.
كل مرة تواجه الموت تكتشف أنك لم تتعلم، وأنه قادر على دهشتك، وعلى جر دموعك، ووجع قلبك، كل مرة هو ينجح وأنت تفشل
هذا الأسبوع واجهت الموت مرتين، مرة مع والد صديقتي الذي كنت أحبه وجزء كبير من رغبتي لزيارتها كان من أجل والدها الذي كنت أتعلم منه، وأتحدث معه، وأأتنس به وبحواره، فجأة هاتفتني صديقتي ان والدها مرض وأن الطبيب أخبرها أن حالته تتطلب النقل إلى العناية المركزة، وعندما بادرت أن تنقله إلى العناية المركزة في أي مستشفى أخبرها الطبيب أنه لا داعي لذلك، وأن عليها ان تطعمه كل ما يطلب حتى وإن كان ممنوع منه، أو ضار على صحته، وابتسمت صديقتي وقالت: “ما له الدكتور ده، هو عاوز يقولي إن أبويا بيموت”.
وبالفعل مات أبوها بعد أسبوع من هذا الحوار، شعرت بالحزن الشديد وألمني الموت واعتصر قلبي، ورغم يقيني أنه آت لا محالة، وأننا كلنا أموات أبناء أموات، ولكن كل هذا اليقين لم يحميني من فخ السقوط في الحزن الذي يصنعه الموت.
وبعد يومين كنت أجلس ليلا عندما جاءنا خبر وفاة صديق، شاب ولديه أطفال صغار، كان في العمل وفجأة شعر بالألم وتم نقله إلى المستشفى وبمجرد وصوله مات.
إذا الموت لا يفرق، ليس لديه استثناءات أو أعذار، في أسبوع واحد لم يفرق بين شاب وعجوز، عليل أم سليم، فقط أشار بعصاته السحرية، فنقلهما إلى عالمه الذي ينقل فيه الأحباب ويتركنا نحن المنتظرين في الدو نتألم.
يا الله على الألم الذي يضاف إلى القلب، ومرة أخرى تقف عاجز أمام الموت، لا تستطيع أن تحمي نفسك ولا تملك إلا أن تحزن.
اللهم رفقًا بالأحياء، ولطفًا بهم من ذلك الضيف الذي لا أستطيع أن أنعته بالثقل أو الخسة والندالة، بالعكس أحيانا ما يكون الموت راحة.
وعندما تمعنت وجدت أننا نحن المصريون لدينا مخزون وعلاقة وثيقة بالموت، وربما هذه الموروثات من مصر القديمة لازالت بداخلنا وهي التي تحركنا وتجعل منه جزء أصيل من تركيبتنا، فعدما ذهبت إلى السعودية وجدت أنهم ليس لديهم المقابر ولا يبنونها مثلنا، وليس لديهم أيام للحزن مثلنا، فنحن لدينا ثلاثة أيام الأولى المخصصة للعزاء ولدينا الخميس الأول والثاني والأربعين، وكل منطقة أو عائلة لها طقوسها في إحياء الحزن والتجمع من أجل اجترار الذكريات، ومن ثم إعادة الحزن وإعلاء شأنه، ولدينا مهنة قديمة في التاريخ اسمها “المعددة”، وهي سيدة مهنتها الذهاب إلى الجنائز الجلوس وسط السيدات دورها أن تصرخ وتولول، وتجتر أحزان ودموع السيدات، وذكر مآثر ومزايا المتوفي، ومن ثم يتفاعلن معها ويتبادلن الصريخ والعويل، وفي نهاية اليوم تأخذ أجرها على ذلك، حيث أنها جعلت من الجنازة والعزاء ليلة مليئة بالحزن والصريخ والعويل.
وثقافة أن أهل الميت لا يطهون الطعام، ولا يصدر عنهم رائحة طبيخ لمدة أيام، وتظل بيوت الأقارب والجيران ترسل لهم الطعام كل يوم.
وقدس المصريون القدماء الموت واخترعوا طقس التحنيط للجثة حيث تكون كاملة عندما تنتقل إلى العالم الآخر، حيث تعاملوا معها على أنهاو عاء لا بد أن يظل كما هو لتعود إليه الروح، ويتمتع بها صاحبها.
إذا فإن الموت والحزن موجود في جيناتنا، وفي تركيبتنا الوراثية، وسنظل نحزن ونحتفي بالموت ونؤدي طقوسه مهما قلنا أننا في المرة القادمة سنتعلم، ولن نحزن.
الكاتب
-
إيمان أبو أحمد
مترجمة وصحفية مصرية، عملت في أخبار النجوم وفي مجال ترجمة المقالات في عالم الكتاب ولها العديد من المقالات المترجمة، وعملت في دار الهلال ومجلة الكتاب الذهبي التابع لدار روزاليوسف. ولي كتاب مترجم صدر في معرض الكتاب 2021
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال