مع منافسة “الإعلام الرقمي وبرامج اليوتيوب”.. هل ينقرض التليفزيون!
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
تقريبًا لا يوجد بيت على أرض المحروسة يخلو من التليفزيون، كما لا يوجد جيب يخلو من الهاتف الذكي الذي أصبح أكثر من وسيلة تواصل. الإعلام الرقمي وخاصة اليوتيوب حقق ارتفاعًا ملحوظًا في نسب المتابعين مؤخرًا، تكشف لنا عن قاعدة جماهيرية كبيرة حققها صناع المحتوى؛ حولت وسائل التواصل إلى فضائيات متنقلة تنافس قنوات التليفزيون وتستقطب جمهوره العتيد.
تاريخ التليفزيون في مصر غني عن التعريف منذ بداية البث الرسمي في 1960م، وحتى عصر الفضائيات حين أصبحت أول بلد عربي يطلق القمر الصناعي الخاص به “نايل سات” في 1998م. لكن الحداثة تفرض نفسها، فبعد هجران المشاهدين للفضائيات الرسمية لصالح الخاصة، أصبحت الأخيرة في خضم منافسة شرسة مع أعداد متزايدة من قنوات اليوتويب.
خسائر الفضائيات بالملايين مقابل إقبال متزايد على الإعلام الرقمي
وفقًا لموقع “ميديا لاند سكيب” 94% من المصريين يستخدمون التلفزيون على الأقل مرة أسبوعيًا لمتابعة الأخبار، وهو الاستخدام الأكثر شيوعًا. وعلى الرغم من وجود 84% يشاهدون التليفزيون بشكل مستمر على مدار الأسبوع؛ إلا أن الفضائيات الخاصة والحكومية تواجه كارثة مالية. حيث بلغ عجز المحطات المملوكة للدولة 1.6 مليار دولار، في حين تنفق الفضائيات الخاصة أضعاف أرباحها.
على الناحية الأخرى نجد منصات الإعلام الرقمي وبرامج اليوتيوب تحافظ على معدلات مشاهدة في ارتفاع مستمر، خاصةً بعد 2011م. فقد أصبح 46% من السكان مرتبطين بالإنترنت، وارتفع متوسط الوقت الذي يقضيه الفرد أسبوعيًا على الإنترنت من 18 ساعة في 2013م إلى 26 ساعة في 2017م.
ما يقدمه الإنترنت أكثر بكثير من بديل للفضائيات التي تتشابه محتوياتها بشكل كبير، فأمام محتوى متكرر من برامج (الحوار، السياسة، الطبخ، الدين، الترفيه، الأطفال)، يقدم الإعلام الرقمي كل تلك الفئات من خلال أشكال متعددة. لا يوجد ما يدفع المشاهد لمتابعة برامج ذات محتوى ضيق ومرتبطة بمواعيد محددة، إذا كان بإمكانه متابعة صانع المحتوى المفضل له في أي وقت وهو متأكد من أنه يتمتع بسقف حرية لا يمكن مقارنته بالفضائيات.
لماذا يتجه المشاهد لليوتيوب؟
اليوتيوب وحده أصبح يمثل فضائية شاملة تقدم عشرات البرامج غير مرتبطة بتوقيت أو مفروض عليها أي رقابة، فيما عدا ما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية. إذا رغب المستخدم في متابعة محتوى علمي على سبيل المثال، يجد نفسه أمام عشرات البرامج بكل اللغات والأشكال. وصناع المحتوى المصريون أبدعوا في تقديم المحتوى العلمي والتاريخي بأبسط الأشكال، بداية من الدحيح الذي تحقق قناته 700 ألف مشاهدة شهريًا ويعرض حاليًا على منصة نيو ميديا التي تحقق 25 مليون مشاهدة شهريًا؛ وحتى آخرون يحققون أرقامًا أقل لكنها في ارتفاع مستمر مثل فارماستان، والاسبتالية، وإيجيكولوجي.
أمًّا البرامج الترفيهية بعيدًا عن المحتويات المتكررة- والتي تستقطب فئة لا بأس بها من المشاهدين أيضًا-، فقد بدأت تأخذ شكل أكثر تطورًا بأفكار جديدة ومختلفة تجذب الشباب. مثل برامج منصة بيس كيك التي تحصل على حوالي 20 مليون مشاهدة وأرباح تتراوح بين 4-79 ألف دولار شهريًا. إضافةً لقنوات الرياضة التي غالبًا ما تدور في فلك كرة القدم مثل الكوير وصباحو كورة، ناهيك عن قنوات الطبخ، والتعليم، والفن المنتشرة بين جميع الفئات العمرية.
المعادلة واضحة، تواجه الفضائيات منافسة لا يمكنها مجابهتها، أمام مستوى مصداقية أعلى وتنوع في المحتوى لا متناهي؛ من الطبيعي أن يتجه الجمهور نحو الإعلام الرقمي. ليصبح التكيف هو الحل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهو بالفعل ما تقوم به العديد من الوكالات الإعلامية والفضائيات التي أصبحت تهتم بقنوات اليوتيوب وصفحات وسائل التواصل الخاصة بها. لكن حتى تلك الخطوات يمكن أن تكون غير كافية، وقد تشهد السنوات القادمة ما يمكن أن نطلق عليه “انقراض التليفزيون”.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال