مع هاني مهنى “كثير من الكلام قليل من الطرب” على إذاعة الأغاني
-
محب سمير
كاتب نجم جديد
طوال ستة أشهر تواصل إذاعة الأغاني المصرية إذاعة برنامج بعنوان مع هاني مهنى يسرد خلال حلقاته الموسيقار المصري سيرته الذاتية، منذ نشأته، وشبابه، ومن ثم شهرته كعازف أكورديون وجيتار شهير، صاحب خلالها بعض كبار المطربين في حفلات الزمن الجميل. وأيضا كموسيقي لحن الأغاني ووضع الموسيقى التصويرية لعدد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية منذ ثمانينيات القرن الماضي، حتى لو كنت لا تذكر أي منها الآن.
اقرأ أيضًا
الأستاذ هاني مهنا لا يتوقف عن الكذب أبدًا
طوال هذه الشهور الستة، مدة إذاعة البرنامج، أحاول جاهدا أن أجد ما يمكن أن يضيفه البرنامج من متعة لي أو معلومة أو أية قيمة ولو ضحكة صغيرة، باعتباري مستمع لمحطة إذاعية أعتز بها. لكني لم أجد. بحثت عن ما قد يفوت أرشيف الإذاعة المتخصصة الأشهر في إذاعة الأغاني العربية منذ أكثر من ربع قرن إذا لم تنتج هذا البرنامج كثير الحلقات والممل. لكن دون جدوى في بحثي.
لقد خرج البرنامج “مسلوقا” دون المستوى في الإعداد الذي يقوم به هاني مهنى بنفسه، وكذلك التقديم، حيث يستمر مهنى طوال الحلقات يلوك في قصص قديمة مستهلكة عن مشاهير الطرب في مصر، أمثال أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وصباح ووردة وغيرهم. قصص لم تعد من النوادر الفنية، وسمعناها منه ومن غيره في مئات اللقاءات بالبرامج، وعلى صفحات الذكريات والنوستالجيا الفنية على مواقع التواصل. لقد تحول شعار الإذاعة الشهير “قليل من الكلام ، كثير من الطرب” طوال مدة البرنامج إلى “كثير من الكلام قليل من الطرب” على يد مقدمه الذي لا يفوت مناسبة في الحلقات من استرسال في الحديث عن علاقاته بالقيادات المتعاقبة على حكم مصرـ إبان عصر مضى وانقضى ولا نتمنى له أن يعود. ولقاءاته بالسادة المسئولين البارزين الراحلين وشكر الأحياء منهم في كل الوطن العربي.
البرنامج الذي اهتمت به الإذاعة ومسئولوها، ويتم تنفيذه تحت إشراف وقيادة محمد نوار، رئيس الإذاعة المصرية بنفسه، بمعاونة مدحت فهمي، نائب رئيس الإذاعة والمشرف العام على إذاعة الأغاني، ويعتبر أول تجربة ل “مهني” في الإذاعة، يعتبر جريمة في حق الإذاعة المصرية، وتبدو فيه المجاملات واضحة لتنجيم مهني بهذه الطريقة. ولا يزيد على كونه سبوبة صغيرة، مدتها نصف ساعة، ولا دليل على ذلك أكثر من تسجيل كل حلقات البرنامج الممتدة في منزل هاني مهني، رغم ذلك يفتقر البرنامج إلى وجود أية تسجيلات حصرية أو مداخلات هاتفية حتى. بل أنه في بعض الحلقات يستعرض لنا مقدمه صورا فوتوغرافية له بمصاحبة بعض المشاهير، ويبدأ يشرح لنا الصورة لنتخيلها ويحكي عن ذكرياته معها؟ تخيل؟ صورة في الإذاعة! ناهيك عن عدم حضور مهنى في مجال الحكي عن الموسيقى والغناء، منطقة عمله الأساسية. وذلك ليس عيبا في “مهنى” الموسيقي بقدر ما هو اختيار خاطئ من مسئولي الإذاعة أنفسهم لفرد هذه المساحة لبرنامج دون المستوى، بينما هناك تجارب موسيقية مصرية أحق للحكي عنها وتأملها، وأكثر تميزا من تجربة مهنى الموسيقية، مشاريع موسيقية مغايرة لها تأثيرها في الحقل الموسيقي والفني، مثل الموسيقار هاني شنودة أو مودي الإمام.
إذاعة الأغاني سبق لها تقديم عدد كبير من البرامج طوال تاريخها، بعضها جيد والبعض الأخر ضعيف المستوى، لكن ينفرد برنامج هاني مهنى باعتباره الأضعف من بينها جميعا، ولا مجال لمقارنته بتجارب كبار الموسيقيين في تقديم البرامج، وعلى رأسها “غواص في بحر النغم” التجربة الفريدة التي قدمها الموسيقار الراحل عمار الشريعي للإذاعة، وتم إذاعته أكثر من مرة وكل مرة نعاود الاستماع والانصات لتحليلات الشريعي لكل تفصيلة في اللحن ليفهم المستمع العادي كيف يفكر الموسيقي وهو يضع لحنا لأغنية، وكيف يختار النغمة المناسبة للكلمة والحالة الشعرية، لقد حول الشريعي الموسيقى إلى لغة بسيطة يفهمها أي إنسان. والأمر بالأمر يذكر، فقد كانت فكرة البرنامج في الأصل لرئيس الإذاعة وقتها الإذاعي الكبير عمر بطيشة، الذي عرض الفكرة على حلمي بكر ليقدمها، لكن الأخير رشح له الشريعي ليقدم البرنامج، لقدرته على تحليل الأغاني والألحان بسهولة وبطريقة تصل إلى المستمع العادي، وقد كان ولاقى البرنامج نجاحا كبيرا وتم استنساخه أكثر من مرة. إذن ليس عيبا أن يعترف الشخص أنه غير جدير بالمهمة، لكن هاني مهنى لم يفعل بالطبع، ورغم وضعه في موعد مميز، العاشرة مساء يوم الخميس من كل أسبوع، وإعادة إذاعته يوم الاثنين بعد وصلة أم كلثوم منتصف النهار، لكن يضطر البعض في هذا التوقيت تحويل مؤشر الإذاعة عن المحطة لمدة نصف ساعة، ويعود بعد انتهاء البرنامج وأنا من هؤلاء.
وجدير بالحزن بالنسبة لي أن برنامج هاني مهنى جاء بعد وقت قصير من توقف برنامج ذكرياتي للفنان سمير صبري بسبب وفاته العام قبل الماضي. وقد استمر الراحل في تقديم البرنامج حتى أيام قليلة قبل وفاته بسبب كورونا. ورغم تقدم صبري في العمر وتأخر صحته أثناء تقديمه البرنامج، إلا أنه كان يسجل أغلب حلقاته خارجي، من منازل واستديوهات كبار الفنانين ونجوم الإعلام أو استضافة بعضهم عبر الهاتف. وكانت تجربة ثرية مليئة بالحكايات الطازجة واللقاءات الحصرية الأخيرة لنجوم كبار رحلوا عن عالمنا خلال الثلاث سنوات الماضية. وأذكر أن أخر حلقات البرنامج قدمها الراحل مباشرة من مهرجان الجونة السينمائي بالغردقة عام 2022. وجاء اسم المخرج الإذاعي محمد ترك ليربط بين العملين، الذين تولى مسئولية إخراجهما، لكن شتان الفارق بين التجربتين، فتجربة المخرج الأخيرة مع هاني لا تظهر فيها تدخلاته أو توجيهاته، وتركه في حكاياته المكررة واختياراته الموسيقية. وقد سحبت التجربة من رصيده كمخرج إذاعي، ارتبط اسمه بفنان كبير وبرنامج مميز مع سمير صبري.
الكاتب
-
محب سمير
كاتب نجم جديد