ملف بليغ حمدي (2) : بليغ حمدي و الست أم كلثوم
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يظل جزء كبير من شعبية الملحن بليغ حمدي تكون عن طريق الروايات المتواترة الجدلية حول علاقاته الشخصية مع الوسط الفني، وبعض ملامح شخصيته الفوضوية البوهيمية التي تثير اهتمام الجمهور على العكس من شخصيات فنية أخرى هادئة الطباع وبطبيعة الحال لا تثير الجدل.
تستحوذ قصة لقاء بليغ حمدي مع السيدة أم كلثوم على الاهتمام الأكبر مع سيل من الروايات التي تناقض بعضها، مع بعض البهارات المثيرة التي تعجب الجمهور وتجدها على لسان الكثيرين مثل “وجدي الحكيم، محمد عشوب، أيمن الحكيم” بعضها يفتقر إلى المنطق مثل قصة تلحينه لأغنية أنساك دون أن يعلم أن محمد فوزي يلحنها لأم كلثوم والتي رددها عشوب مع معلومة انه أول لحن وضعه لأم كلثوم،وكواليس العشاء الذي تم تقديمه فيه إليها و تخلي أم كلثوم عن وقارها و جلوسها بجانبه على الأرض وهو يعزف على العود وتنازلها عن نظامها الصارم في المواعيد لأجله.
ثم ما تلبث أن تأخذ تلك الحكايات مناحي أخرى مثل أنه أصغر من لحن لأم كلثوم وهي مسألة أن كانت صحيحة فقد لا تمنحه أي أفضلية حيث تعاون معها وهو على مشارف الثلاثين من عمره وأغلب من تعاونوا مع أم كلثوم صنعوا روائع موسيقية في مثل عمره الفني ولكن ذكر مسألة السن جاء من زاوية عمر الست نفسها حيث كانت ضعف عمره تقريبًا وبالطبع كل تلك الروايات تصب نحو هدف واحد فقط هو منح بليغ عبقرية لا يحتاجها لأنه ملحن عبقري بالفعل.
ندع كل تلك الحكايات جانبًا ونذهب إلى بليغ نفسه الذي يحكي في لقاء تليفزيوني عن لقائه الأول بالسيدة أم كلثوم وخجله الشديد من غناء لحن “حب إيه” أمامها ثم الحاحها على تكراره ثلاث مرات ثم توتره عندما اعطته ميعادًا في صبيحة اليوم التالي ثم نيته عدم الذهاب لأنه كان يعتقد أنها تريد اللحن كي تعطيه لابن أخيها المطرب “إبراهيم خالد” لكن إصرار محمد فوزي جعله يبادر بالذهاب في موعده صباحًا ومن هنا بدأت الرحلة مع أم كلثوم.
في كتاب “أم كلثوم ” معجزة الغناء العربي تقول الدكتورة سمحة الخولي أن بليغ في تلك الفترة كانت يجري محاولًا تقليد “كمال الطويل، محمد عبد الوهاب”ولم يكن قد صنع بصمته الخاصة بعد، وأنه تفاجئ بإعجاب أم كلثوم بلحن “حب أيه” حيث كان يعتقد أنه اختارته لابن أخيها، وفي كتاب “المغنون العرب دفاعًا عن الأغنية العربية” ل إلياس سحاب يذكر أن لحن “حب ايه” جعل بليغ يخترق الدوائر الفنية سريعًا متخطيًا حواجز كثيرة جدًا وأن الظروف تجمعت كلها في صالحه في فترة الستينيات حيث دخل عبد الوهاب مرحلة التقليل والتدقيق في ألحانه للآخرين مع اعتزاله الغناء، احتجاب كمال الطويل عن التلحين قرابة العشر سنوات، انشغال الموجي باكتشاف مواهب جديدة مع احتجابه لفترة دامت سنوات وأن وصول بليغ المبكر لصوت أم كلثوم جعله يصل سريعًا إلى كافة الأصوات العربية “فايزة أحمد، نجاة،عبد الحليم حافظ،وردة”.
غنت أم كلثوم “حب ايه” لأول مرة في 1 ديسمبر عام 1960 في الوصلة الثانية بعد أن افتتحت الحفل بأغنية “هجرتك” من ألحان “رياض السنباطي” واختتمه بأغنية “هو صحيح الهوى غلاب” أخر ما لحن لها الشيخ زكريا أحمد، حققت “حب ايه” نجاحًا ضخمًا وصار لبليغ أغنية ثابتة في موسم أم كلثوم الغنائي بجانب رياض السنباطي وقبل دخول عبد الوهاب نفسه زمرة ملحنيها.
قدم بليغ لأم كلثوم عشرة ألحان عاطفية طويلة بالإضافة إلى قصيدة “إنا فدائيون” في تحليل شديد العمق للناقد الموسيقي “أسامة عفيفي” قسم ألحان بليغ إلى ألحان تقليدية في الفترة من 1960 حتى 1965 والتي اعتبرها تنتمي إلى مدرسة السنباطي التلحينية،وألحان محدثة بدءا من عام 1967 تحديدًا من لحنه الرائع جدًا “فات الميعاد” حتى أغنية “الحب كله” ثم عاد بلحن تقليدي جدًا في أخر لقاء مع أم كلثوم “حكم علينا الهوى” عام 1973، ثم تطرق إلى فكرة تجديد بليغ حمدي لأسباب تتعلق بتعاون عبد الوهاب مع أم كلثوم حيث ابتدع فكرة المقدمات الموسيقية الطويلة وهو ما جعل بليغ يعمل بكل جهد كي يخرج أفضل ما فيه حتى أصبحت مقدمة أغنية “ألف وليلة وليلة” أشهر مقدمة موسيقية لأغاني أم كلثوم المسرحية الطويلة.
أما قصة أغنية “أنساك” التي يثار حولها جدًلًا كبيرًا تظل الرواية الأكثر تماسكًا هي أن بليغ استكمل ما بدأه الشيخ زكريا أحمد حيث كان هناك اتفاقًا مسبقًا بين أم كلثوم وبينه على أربعة ألحان نفذ منها لحنًا واحدًا “هو صحيح الهوى غلاب” ووافته المنية قبل أن يستكمل “أنساك” بل أن تحيه ابنه الموسيقار الكبير طالبت بوضع اسم والدها بجانب بليغ مستندة على العقد الموقع بين أم كلثوم وبين والدها لتلحين الأغنية وبعد أن صدرت الأغنية خرج الشاعر ورسام الكاريكاتير صلاح جاهين بكاريكاتير ساخر يقول فيه “أهو ده اللي مش لحنك أبدًا”.
نقطة أخيرة في شأن علاقة بليغ حمدي بأم كلثوم، حيث نجد بعض التفسيرات النقدية وغير النقدية تبرر تعاون أم كلثوم مع بليغ في محاولة لتجديد مشروعها الغنائي وأن تكون أقرب إلى ذائقة الجمهور، لكن المؤكد ان بليغ حمدي لم يستأثر وحده بالتلحين لأم كلثوم في تلك الفترة حيث نجد أن السنباطي متواجدًا بقوة بل وصنع أيقونته معها “الأطلال” عام 1966، ثم يأتي التعاون الأشهر في حقبة الستينات مع الموسيقار محمد عبد الوهاب بداية من لقاء السحاب”أنت عمري” 1964 وانطلق معها بعدة أغنيات مطولة ثم دخل كلًا من “محمد الموجي، سيد مكاوي” في زمرة ملحني أم كلثوم إذن لم يكن المشروع الجديد لام كلثوم بفرض وجوده مبنيًا على ألحان بليغ فقط بل كانت ألحان بليغ جزء منه مع التسليم بنظرية أن ألحانه حققت شعبية ضخمة جدًا وأنها الأن أكثر أغنيات أم كلثوم استماعًا.
غاب قمر مجدي نجيب ورا الشبابيك
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال