همتك نعدل الكفة
55   مشاهدة  

ملف بليغ حمدي (5) : بليغ حمدي ينافس الأخوين رحباني

بليغ حمدي
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



عندما أُثيرت قضية الاستعانة بالفلكلور في الألحان الجديدة ووجهت سهام الانتقاد نحو بليغ حمدي معتبرين ما فعله يعد إفلاسًا فنيًا، ذكر بليغ في معرض دفاعه أن هناك تجارب عديدة صاغت أغلب ألحانها على تنويعات من الفلكلور وذكر اسم الاخوين رحباني للتدليل والتأكيد على مشروعية هذا الفعل، وأن استخدام الفلكلورلا يعد جريمة في حق الموسيقى.

لم يخفي بليغ حمدي إعجابه الشديد بمشروع الأخوين رحباني مع المطربة فيروز وأن لم يقل ذلك صراحة، كان مشروع الرحابنة قد خرج من نطاق حدوده المحلية ليجتاح الوطن العربي بأكمله، بل وأصبح المشروع الموسيقى الوحيد المعني بتطوير شكل الأغنية العربية في فترة كانت قد بدأت الدخول في مرحلة ركود فني.

شأنه شان الكثيرين كان بليغ حمدي يمني النفس بالتعاون مع فيروز وبدأ فعليًا في صنع عدة أغنيات أوكل مهمة كتاباتها إلى الشاعر مجدي نجيب وطارا سويًا إلى لبنان في محاولة لـ لقاء فيروز لكنه اصطدم بالسياج المفروض عليها من الأخوين رحباني وفشلت كل محاولات الوصول إليها بل لم تكن هناك فرصًا للنقاش والأخذ والرد سواء بالقبول والرفض وكان أمرًا مخيبًا جدًا لاّمال بليغ الذي عاد غاضبًا إلى مصر.

شخصية بليغ المتمردة والعنيدة جعلته يفكر في صياغة مشروع ينافس به مشروع الأخوين رحباني بالأخص في المسرح الغنائي، بدأ ذلك من خلال مسرحية “تمر حنة” التي عرضت في معرض دمشق الدولي بجانب بعض الأعمال المسرحية للأخوين رحباني، وعندما عاد إلى القاهرة كان قد بدأ يفكر في شكل أغنية “الفورم” التي طورها الرحابنة وهي شكل من أشكال الطقطوقة الغنائية حيث تتكرر الألحان في الكوبليهات دون تغيير وهو الشكل الذي يسود أغلب الأغاني حاليًا.

لم يقف بليغ عند هذا الحد حيث حاول إعادة توزيع بعض أغنيات محمد عبد الوهاب وسيد درويش مثلما فعل الأخوين رحباني مع فيروز من خلال الصوت الجديد “عفاف راضي” بدأها بأغنية “مين عذبك” بمباركة عبد الوهاب نفسه الذي يبدو أنه ورطه في الأمر حيث خرجت الأغنية بشكل سئ جدًا فنيًا بل والأدهى أن عبد الوهاب سخر منها بخبث بعد ذلك قائلًا : ما فعله بليغ لا يهمني الذي يهمني الأعمال التي قدمتها أنا! ويبدو أن هذا الفشل جعل بليغ يعدل عن استكمال الفكرة والتعويل أكثر على صوت عفاف راضي حيث قال للشاعر مجدي نجيب  أنه سلاحه الوحيد في المنافسة مع الأخوين رحباني.

YouTube player

صوت عبقري يحمل زعامة الغناء.

 عندما زار الأخوين رحباني ومعهم فيروز وشقيقتها هدى حداد مصر أواخر الستينات؛ عقدت العديد من الندوات الفنية احتفاء بتلك الزيارة، منها ندوة أقامتها مجلة الكواكب تحت إشراف رئيس تحريرها رجاء النقاش الذي قدم فيها صوتًا نسائيًا جديدًا قائلًا: هذه عفاف راضي طالبة بالكونسرفتوار وهي أمانة في أعانقكم وطالب رأي الحضور في صوتها دون مجاملة حتى نضعه في مكانه الصحيح.

اختلفت الأراء حول هذا الصوت الجديد حيث شبهها البعض بأنها لون قريب من نجاة وفيروز وانها بحاجة إلى دراسة الغناء الشرقي لأنها تدرس الغناء الأوبرالي في الكونسرفتوار وعرضا الأخوين رحباني عليها السفر إلى لبنان و تبنيها فنيًا وضمها إلى الفرقة الشعبية لكنها اعتذرت لأنها لازالت تدرس بالإضافة إلى سنها الصغير.

انفضت الندوة وبرغم الوعود الكثيرة التي قطعت لتبني تلك الموهبة لكن لم ينفذ منها أي حرف ودخلت عفاف طي النسيان حتى أعاد اكتشافها من جديد بليغ حمدي الذي بدأ العمل معها وكانت مشروعه الذي سوف ينافس به الرحابنة.

وقفت عدة مشاكل أمام بليغ حيث كان يريد تسجيل لحنًا لها في الإذاعة لكنها لم تكن معتمدة ومسألة تقدمها إلى لجنة الاستماع تحتاج إلى وقت طويل حيث أن اللجنة لا تجتمع كثيرًا حتى ذهب بها إلى السيدة أم كلثوم التي اثنت على صوتها ثم حجز لها استوديو صوت القاهرة الموجود في الإذاعة ودفعت أم كلثوم  مبلغ الحجز وقدم لها أول لحن في حياتها “ردوا السلام” من كلمات “سيد مرسي”.

احتفت مجلة الكواكب بهذا الأمر وأطلقت عليها مطربة الكواكب وقامت بتوثيق رحلة دخولها إلى الأستوديو لأول مرة  صحبة بليغ في تقرير لها بعنوان مولد صوت عبقري يحمل زعامة الغناء، ثم قدمها بليغ بشكل رسمي في حفل أضواء المدينة عام 1970 بل وقاد فرقة صلاح عرام بنفسه حيث قدمت أغنيات “مين عذبك” التي اعاد توزيعها بليغ من جديد مع أغنياتها الجديدة “ردوا السلام،هوا يا هوا”.

بليغ حمدي
تقرير مجلة الكواكب عن عفاف راضي

بدأ بليغ رحلته مع صوت عفاف راضي سلاحه في منافسة الرحابنة وعندما حاول الشاعر مجدي نجيب تنبيه إلى أن الرحابنة مشروع فني يعتمد على الكلمات الجديدة والموضوعات المبتكرة جاء رد بليغ لا مباليًا : الموسيقى هي المهم وليس الكلمة.

ملحن موهوب وصوت موهوم!

لحن بليغ حمدي لعفاف راضي أكثر من 50 لحنًا توزعت ما بين أغاني مسرحية،وطنية والمسلسلات الإذاعية، وصولًا إلى فيلمها الوحيد “مولد يا دنيا” والذي كان محاولة لعودة الفيلم الغنائي إلى السينما أواخر السبعينات.

تأثر بليغ في العديد من الألحان بالشكل الرحباني بالأخص في الإخراج الموسيقي مثل “ردوا السلام” لكن تظل أغنية “لمين يا قمر” التي ظهرت في المسلسل الإذاعي”لمين يسهر القمر” 1973، في تلك الأغنية يتخلى بليغ عن ركنان اساسيان في معظم أعماله “الكورال، الإيقاع” التأثير واضح في عدم استخدام عفاف راضي مساحة صوتها بالكامل فخرج أشبه بالهمس مثلما كان يفعل الاخوين رحباني مع صوت فيروز واستخدامه للأورج الكنسي والبيانو في افتتاحية الأغنية التي لو لم تعرفها لأعتقدت أنها أغنية لفيروز، بالإضافة إلى اللزمة الموسيقية التي تعكس أجواء رحبانية خالصة.

YouTube player

مثلما طور الرحابنة بعض الألحان الفلكلورية صاغ بليغ العديد من الألحان الفلكلورية مع عفاف راضي في أغنيات “ هوا يا هوا، جرحتني عيونه السودا” وقدم لها العديد من الأغنيات التي كانت تعكس تيار الأغنية السائد المعتمد على الكلمة الجديدة مثل “كله في المواني،تساهيل،عطاشا،قضينا الليالي،حاسب وانت ماشي”

إقرأ أيضا
أيسلندا

رغم نجاح بليغ في تقديم عفاف راضي إلى الساحة الغنائية إلا أن التجربة لم يستسيغها البعض ومنهم الناقد كمال النجمي الذي وصف صوت عفاف راضي بغير الناضج الذي لا يصلح للغناء منفردًا إلا في الألحان الغربية فقط وأن السكوت عن الصوت الناشئ قد يكون تشجيعًا له بالاستمرار في ارتكاب الاخطاء والمستمع بمرور الوقت قد يكتشف الفارق بين الصوت الموهوب والصوت الموهوم.

YouTube player

نترك كلمات النجمي القاسية التي اغفلت السياق الزمني الذي ظهرت فيه عفاف راضي وأن المشروع الغنائي قد لا يعتمد بالضرورة على صوت المطرب فقط، وأن بليغ نفسه بمرور الوقت أدرك الفارق الكبير بين ما قدمه عبر صوت عفاف راضي وبين مشروع الأخوين رحباني مع فيروز وأن المنافسة حسمت مسبقًا لصالحهما،بالإضافة إلى أن عفاف راضي تعاونت بعد ذلك مع ملحنين اخريين مثل الموجي وكمال الطويل ومنير مراد وصولًا إلى عمار الشريعي الذي يجب ان نعطيه حقه في انه الوحيد الذي قدمها بشكل مختلف جدًا سواء في الأغاني العاطفية مثل “بتسأل يا حبيبي، وضحكتلي، قالي تعالي” أو في أغاني الأطفال.

ألبوم إليسا أنا سكتين كيف يصنع الفنان جمهوره

المصادر

أرشيف مجلة الكواكب

كتاب الشاعر مجدي نجيب من  صندوق الموسيقي زمن الغناء الجميل

الكاتب

  • بليغ حمدي محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان