ملف بليغ حمدي (6) : بليغ و وردة و قصة الحب اللي كان
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
عندما تأتي سيرة بليغ حمدي و المطربة وردة يتركز أغلب الحديث عن قصة الحب التي جمعت بينهما دون التطرق بشكل كبير إلى تحليل وتفكيك الأعمال الفنية الكثيرة التي جمعت بينهما بالأخص في فترة زواجهما حقبة السبعينات.
تمتزج العديد من القصص والروايات حول طبيعة تلك العلاقة العاطفية أشهرها منشور تم تداوله بكثرة الفترة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي عن رد وردة على سؤال أحد المقربين عن أحوال بليغ حمدي ولم يكن على علم بوقوع الطلاق بينهما لتجيب وردة بكل برود : مين بليغ حمدي الذي علم بالرد واستشاط غضبًا وقرر أن يرسل إليها رده عبر أغنية “الحب اللي كان” التي كتبها ولحنها وجعل صوت ميادة الحناوي رسول الغرام بينهما.
رغم تداول المنشور على نطاق واسع فأن حتى الآن ليس معروفًا من هو مصدر تلك القصة وما مدى مصداقيتها وأن كان انتشارها يغذي فكرة اساسية لدى عشاق بليغ الذي كان دائمًا ما يرسل رسائل غرامية لوردة عبر الأغاني التي يلحنها مع أصوات أخرى ووصلت حد المبالغة باستخدام صوت “أم كلثوم” حيث تم تأويل أغنيات “أنساك ده كلام، بعيد عنك حياتي عذاب” على أنها موجهة بشكل مباشر إلى وردة التي كانت متزوجة من رجل آخر غيره وقت صدور تلك الأغاني.
من كثرة ما يروى عن علاقة بليغ بوردة تختلط فيها القصص الحقيقة مع الأخرى التي تفتقر إلى الدقة وتخرج عن السيطرة أحيانًا أما لشيطنة وردة التي تنكر وجوده قائلة “مين بليغ” ومحاولة إضفاء صورة العاشق المتيم الولهان المظلوم في حبه على بليغ حمدي، والغريب والمضحك في نفس الوقت أن من يروجوا لتلك الحكايات منهم “إعلاميين وصحفيين وأصدقاء مقربين من بليغ” هم مني يروجوا ايضًا لقصص تعكس وجهًا أخر لبليغ مثل قصة هروبه على لبنان يوم زواجه من وردة لعدم استعداده لإتمام الأمر أو الترويج لعلاقاته النسائية وطلبه الزواج من إش إش بنت الموسيقار محمد عبد الوهاب أو زواجه من أمينة طحيمر الذي لم يستمر أكثر من شهرين أو محاولة الزواج من سامية جمال ثم أخيرًا علاقته العاطفية مع الكاتبة غادة السمان التي لحن في حبها “ورمش الأسمراني شبكنا في الهوا”.
أذن أين كانت وردة من كل هذا وأين صورة العاشق المهزوم في حبه وهو نفس الشخص الذي وصفه صديقه عبد الحليم بأنه يحب في الليلة الواحدة ثلاث مرات، ثم التركيز على أن رسائل الغرام الغنائية زادت بعد الطلاق مع وردة التي بالمناسبة لم تقطع علاقتها الفنية به حيث غنت له أكثر من لحن أشهرها “من بين ألوف” التي قاد فيها بليغ الأوركسترا بنفسه ليلة هروبه إلى فرنسا بعد الحكم عليه في قضية سميرة مليان ثم الحاحه عليها لغناء “بودعك” لمروره بضائقة مالية وقت وجوده في فرنسا وهي الأغنية التي يتم الترويج لها على أن بليغ كتب كلماتها في جواب لها وقت أزمة الطلاق.
حب في السماعات
تتواتر قصص عديدة حول اللقاء الأول بين بليغ حمدي ووردة، أكثرها تداولا قصة اعجاب وردة بأغنية “تخونوه” التى لحنها بليغ وغناها عبد الحليم حافظ في فيلم الوسادة الخالية وقتها كانت وردة لازالت في باريس وركزت على التعرف على ملحن تلك الأغنية التي لم تكن تعرفه، أما وردة نفسها فذكرت في حوار من برنامج “هذا أنا” مع الإعلامية رانيا برغوث مطلع الألفية انها تعرفت على بليغ من لحن أغنية “حب إيه” لأم كلثوم أما الطرف الأخر فيقال أن بليغ تعرف على صوت وردة من خلال شريط كاسيت غنت فيه أغنية أم كلثوم “يا ظالمني” فأعجبه صوتها وانه قادر على إخراج منها الكثير لو تعاون معها إذن ولدت شرارة الاعجاب والحب من خلال سماعات الصوت!
قدمت وردة إلى مصر عام 1960 حيث كانت تبحث عن تقديم نفسها إلى القاهرة المركز الأكبر لتجمع النجوم في الوطن العربي وفي زمن الصوت النسائي الأهم “أم كلثوم” خلفها نجمات بحجم “نجاة، صباح، فايزة أحمد”.
بدأت وردة بالتعاون مع كبار ملحني تلك الفترة وبالمناسبة لم يكن من بينهم بليغ حمدي حيث تم ترشيحها للملحن الكبير محمد عبد الوهاب كي تغني مقطعًا عن الجزائر في نشيد الوطن الأكبر، ثم تعاقدت مع المنتج والمخرج حلمي رفلة على بطولة فيلم “ألمظ وعبده الحامولي” حيث قدمت فيه “روحي وروحك” من ألحان فريد الأطرش “إسأل دموع عنيا” من ألحان محمد عبد الوهاب، ثم كان التعاون الأول مع بليغ حمدي في أغنية ” يا نخلتين في العلالي” المستوحاة من الفلكلور المصري في فترة كان بليغ يدشن مشروعه الشعبي في الأغنية المصرية.
الفترة الأولى لوردة في القاهرة سيطر على أدائها النزعة الكلاسيكية الرصينة في محاولة للسير على خطى الشكل الغنائي السائد، اشتهرت لها أغنية “لعبة الأيام” من ألحان السنباطي، ثم بدأت علاقة تعارف مع بليغ حمدي وسط تواتر قصص عن لقاءات في الخفاء بينهما ثم رفض أهلها زواجها منه لأن والدها لم يكن يريدها الارتباط بأي شخص من الوسط الفني ثم المفاجأة في انتشار إشاعة إبعادها عن مصر لارتباطها بعلاقة مع أحد كبار الدولة والتي نفتها وردة في حوار مع المذيع طارق حبيب وطارت وردة إلى الجزائر كي تتزوج وتنجب وتعتزل الغناء.
انفلات الصوت أم تحرره
عادت وردة إلى الغناء مرة أخرى في عيد الاستقلال العاشر في الجزائر ثم حدث الطلاق وقررت العودة إلى القاهرة لاستكمال مشوارها الغنائي.
ظهر لها أوائل السبعينات لحن “أحبك فوق ما تتصور” لبليغ حمدي وهو لحن لا يشبه ألحانه في تلك الفترة ثم أغنية “العيون السود” التي قيل أنها عربون المحبة والزواج بينهما التي كانت معدة كي تغنيها نجاة.
ارتباط وردة وبليغ حمدي على المستوى الفني أطلق صوتها كثيرًا وحررها من الشكل الكلاسيكي التي بدأت به مشوارها الفني، انطلق معها في مشروع مسرحية “تمر حنة” في محاولة لاستعادة المسرح الغنائي مرة أخرى ولم تنجح التجربة لكن الشهرة الأكبر كانت في سلسلة الأفلام التي قام ببطولتها “حكايتي مع الزمان،صوت الحب، اّه يا ليل يا زمن” والتي حاز فيها بليغ على نصيب الأسد في الألحان، ثم انطلق معها في بعض الأغاني المطولة أشهرها” أسمعونى،لو سألوك” وقدم معها أشهر أغنيات حرب أكتوبر “على الربابة”.
برغم النجاحات الكبيرة التي حققتها وردة عبر ألحان بليغ إلا أن التحرر في أدائها الصوتي شابه بعض الإنفلات و الأفورة في بعض الأغنيات مثل “اسمعوني،اشتروني، عايزة معجزة، حكايتي مع الزمان” في فترة كان بليغ يحقق انتشارًا غير مسبوقًا داخل الوسط الغنائي ولم يكن يبحث عن ترويض صوت وردة بقدر الانتصار لأفكاره هو حتى لو لم يتناسب مع أداء وردة ولست بصدد المقارنة مع أحد لكن وردة مع الملحنين الآخرين كان أكثر هدوء ورصانة في الغناء مثل “لولا الملامة” التي دائمًا ما تنسب بالخطأ لبليغ حمدي رغم أنها ألحان محمد عبد الوهاب، أو “بكرة يا حبيبي، من ألحان كمال الطويل، وحتى في الأغنيات المسرحية الطويلة تظل أفضل ما قدمته وردة كان من ألحان عبد الوهاب في أغنية “في يوم وليلة” او مع سيد مكاوي في “أوقاتي بتحلو، قال ايه بيسألوني”.
الحب اللي كان
مع أواخر السبعينات كانت العلاقة قد بدأت في التوتر بين بليغ حمدي و وردة لانشغاله الدائم بسفرياته واكتشافاته الجديدة”توفيق فريد، على الحجار، سوزان عطية، سميرة سعيد” حتى وصلت الأمور إلى طريق مسدود مثلما أفصح رياض ابن وردة في إحدى الحوارات حيث قال أن السبب الرئيسي هو أن بليغ لم يكن بجانب وردة اثناء مرضها وإجرائها أحدى العمليات الجراحية، وبالطبع بدأت الصحافة تنقل أخبارًا حول ارتباط بليغ عاطفيًا ببعض الأصوات الجديدة مثل “سميرة سعيد، ميادة الحناوي”.
الشاهد أن علاقة بليغ و وردة أخذت عدة منعطفات بدأت بإعجاب في الستينات وانتهت على وقع الطلاق أواخر السبعينات لكن لم تنقطع العلاقة الفنية حيث ساندته وردة إبان محنته في أزمة “سميرة مليان” وغامر بليغ بقيادة الأوركسترا لها في أغنية “من بين ألوف” قبل سفره إلى فرنسا بيوم واحد ثم غنت له بودعك والتي كانت ختامًا لمسيرتهما الفنية، والتي تلخص تلك العلاقة التي مازالت تثير الجدل وتنسج حولها الحكايات والأساطير حتى الآن.
جديد روبي الليلة حلوة أغنية مصطنعة واداء باهت جدا
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال