ملف تحرش محفّظي القرآن الكريم.. كيف تهزم طفلك في لحظات
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ألقت قوات الأمن المصرية القبض على محفظ قران ومنشد ديني بتهمة التحرش بالفتيات في مركزه الخاص لتحفيظ القرآن في البدرشين. يبدو من عنوان الخبر أنها مؤامرة لتشويه سمعة رجل الدين الحافظ لكلام الله المُعلم له. ذلك هو الخبر وتلك هي ردود الفعل على الواقعة أو على أي واقعة تخص رجل دين أو محفظ قرآن دون التحقق من صحة المعلومات الواردة في متن الخبر، وهذه هي الآفة التي أعطت الأحقية لرجل الدين أو المحفظ أن يُخطئ ويتوهم أنه لا حساب، فهو المؤلّه عند العوام الذين يعرفون الدين فقط من الظاهر، يعرفون الملتزم من اللحية والجلباب الأبيض القصير دون الخُلق، يعرفون المرأة من الخمار والنقاب دون العلم، والدين، الخلق.
تحرش وابتزاز .. اعترافات محفظ البدرشين
إن واقعة محفظ البدرشين، تتمثل في تصوير الفتيات اللاتي يترددنّ على مركزه في البدرشين، وتحرشه بهنّ واقعة حقيقية أثبتتها الشرطة، وتحققت منها النيابة، بل هناك تصريحات لمحامي الدفاع عن المتهم تُثبت التهمة عليه، بل في الواقع أقوال المتهم نفسه الذي يُدعى “مصطفى” تثبت الجريمة الذي ارتكبها دون شك أو جدال، إذ قال أنه تعرف على الفتاة التي أبلغت عنه أثناء ترددها على مركزه، كما اعترف أنه أرسل إليها رسائل تحرش صريحة على تطبيق “واتساب”، ولم يكتفي بذلك الفعل الدنيء، بل قال أنه تحرش بها وبعدد من الفتيات وكان يحتفظ بتلك المقاطع على هاتفه الشخصي من أجل تفريغ طاقته الجنسية بها.
سقوط محفظ البدرشين كان من خلال تقديم بلاغ لمراهقة تضررت من رسائل الـ”واتساب” المليئة بالألفاظ والإيحاءات الجنسية، ثم توالت البلاغات من المتضررات، ليسقط القناع عن المحفظ وصاحب الدار الأشهر في البدرشين، وهنا هل “مصطفى” خرج من العدم بهذا الكم من الفيديوهات دون إدراك العواقب؟ باختصار هو لم يفكر أصلًا في العواقب، وهذا لعدة أسباب، الأول: في الأقاليم أو المناطق الريفية، فإن رجل الدين مؤلّه لا يُخطئ، الخطأ على الفتيات اللواتي بالتأكيد يتدللن عليه ويسمحنّ له بفعل التحرش وهو بشر، والثاني: أنه على افتراض ثبوت الواقعة وأن الفتاة لم تخطأ فيخاف الأهل من الفضيحة، بالتالي يتسترنّ على هذه الأفعال دون محاسبة المخطئ، السبب الثالث: تبرير الفعل لصاحب الفعل المشين، والأمثلة كثيرة جدًا.
في العام الماضي في إحدى قرى محافظة الغربية ـ أنا كنت شاهدة على عدة أحداث ووقائع في نفس القضية ـ إذ فوجئت أم بسيطة بوجود آثار دماء على ملابس ابنها الذي لا يتعدى العشر سنوات، وكانت هذه الآثار موضع فتحة الشرج، ففزعت الأم وباتت تسأل الطفل من فعل بك هذا قال لها الشيخ فلان، أي الشيخ الذي يحفظ عنده القرآن، والشيخ في العقد الثالث من عمره. منظر الولد كان سيئ ـ حسب تعبير عمه ـ ذهبوا إلى الشيخ وافتعلوا مشكلة كبيرة، فقد وجدوا أثار متكررة لفعل التعدي، لكن تدخل كبار القرية لفض هذا النزاع قائلين: أن الولد يتبلى على الشيخ وألصقوا بها جملة شهيرة ـ احنا مش عارفين الجيل ده بيعرف الحاجات دي منين ! ـ المهمُّ انتهت المشكلة دون حساب الشيخ وارتضى الأهل بحكم كبار القرية التي حمّلت الولد مسؤولية تشويه سمعة المحفظ.
وبعدها بحوالي شهرين فوجئنا في نفس القرية بظهور فتيات عبر منصات التواصل الاجتماعي ينشرن رسائل محفظ شباب في أواخر العقد الثاني من عمره يُحفظ القرآن، ويعلم العلوم الشرعية في مركزه الخاص، وبها إيحاءات جنسية، ومنهنّ من قالت أنه يتحرش بهنّ لكن بعضهنّ وأكدنّ هذا بقولهنّ نستطيع التفرقة بين التحرش وهزار، تدخل من يسمون كبار القرية و قالوا ” دي بنات قليلة الرباية الزاي بنت تتكلم في الحاجات دي أصلًا” وبعد مدة بسيطة لا تتخطى الأسبوعين عاد المحفظ مرة أخرى ومارس عمله وكأن شيء لم يكن، و تكررت ممارسته ضد الفتيات حتى أنهن اعترضن، وقرروا عدم الذهاب مرة أخرى، لكن بعض الأهالي رفضوا وبرروا بأنه شخص ملتزم، والبنات تريد الهرب من حفظ القرآن ودراسة العلوم الشرعية .
هذه نماذج بسيطة لما يحدث، لكنّ الملاحظ أن ازدياد هذه الحوادث بات أقرب إلى الظاهرة لاسيما في القرى أو المناطق المغلقة، ظاهرة منتشرة في الدروس الخصوصية وفي دور التحفيظ وبين المعلم والطالب دون إدراك لما تشكله هذه الحوادث من تغير شامل لأخلاقيات المجتمع، وبين قوسين ( المتدين بطبعه ) يبدوا أنها أسطورة كما الأساطير التي نختلقها لنستر على تقويم السلوكيات الخاطئة، وكذا للتستر على أخطاء ممن يعلمون الدين، وممن لديهم أبناء لا يقومون بتوعيتهنّ أو الدفاع عنهنّ خوفًا من المجتمع، أو تجبرهم عقولهنّ على تصديق أن المحفظين لا يخطئون ولا يفعلوا هذه الأفعال لكنها حكايات يختلقها الأبناء.
والواقع إن الأبناء مهما كانت أصواتهم خافتة أو مضطربة، لكنها تحمل بين طياتها صدقًا لا يمكن تجاهله، ففي مثل هذا العمر لا يتبلون على أنفسهم بلا سب، ولا ينطقون بكلماتهم عبثًا، فحينما يأتون بقصة أو شكوى فإنهم يضعون بين يديك أمانتهم، ويطلبون منك الحماية والرعاية، وحينما يكون حصن الأمان مصدر تكذيب، ينهار هذا الحصن سريعًا وتتداعى القيم الأخلاقية كما تتداعى قطع الدومينو. في لحظة من الإنكار، يُقتل الإيمان، وتهتز القيم الدينية ويتحول القلب من براءة الطفل إلى ظلام المراهق التائه.
اقرأ أيضًا: الخطاب الشعبوي بين السلفية والصوفية . مضمون صادم يتصل بالعنف والتطرف
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال