ممدوح وافي وأحمد زكي.. حين يكون الموت وصال دائم
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
مشهد من منتصف الفيلم بدون ترقيم
في أحدى المستشفيات، يقف الصديق يبدو عليه القلق، يقوم فيقطع الطرقة جيئة وذهابا ثم يعود ليجلس، يخرج ليدخن سيجارة ثم يعود، يلصق اذنه على باب الحجرة، ربما تفر كلمة من سياج الأطباء، أو ربما ليتأكد أن صديقه العزيز لا يتألم من جراء الكشف و الفحوصات التي يجريها لمعرفة حالته الصحية وإلى أي مدى انتشر الخبيث في صدره، بعض الألم في المعدة ولكن لا يضر، ربما من القهوة على الريق أو السجائر وربما هو القولون العصبي الذي يداهمه مع التوتر، رغم ازدياد الألم إلى أنه مازال قلق على مصير أحمد زكي صديقه الخاضع حاليا تحت ايدي الأطباء، مرحلة جديدة في رحلة العلاج التي بدأها زكي بعد اكتشاف إصابته بالخبيث.
يخرج الطبيب من الغرفة ويسير مع ممدوح وافي، الصديق القلق على صديقه، ويري الطبيب ما يبدو على وافي من ألم ليسأله ما به، فيتجاهل وافي السؤال ليسأل هو الطبيب عن حالة أحمد زكي فيجيبه أنهم يحاولون مقاومة انتشار المرض وان الأمر ليس بالسهل، يشتد الألم على وافي ربما من الأخبار السيئة فكان يتمنى أن يخبره الطبيب أن صحة زكي قد تحسنت ولكن ما حدث كان عكس ذلك، ويصر الطبيب أن يعرف ما بوافي من ألم، فيخبره وافي بألم معدته، فيصر الطبيب أكثر أن يخضع وافي لعدد من الفحوصات والتحاليل.
مشهد بعد ذلك بقليل
يدخل الصديق على صديقه ولكن في منظر مختلف، يدخل وهو يرتدي زي مرضى المستشفى ويدخل خلفه سرير ليضاف لحجرة زكي ليقول وافي لزكي ” جاي أونسك أهو” ولكن زكي لا تنطلي عليه الحيلة، فيصر ويسأل، لتأتي الإجابة صادمة ومربكة، سرطان في المعدة، ربما ضحك الأثنان حتى البكاء، وربما بكى الأثنان حد الضحك، ولكن في النهاية لم يفترقا حتى في المرض، الخبيث عرف طريقه إلى الأثنان، الخبيث يعرف كيف يضرب ضربته.
مشهد أول ” فوتو مونتاج”
ولد ممدوح وافي في 11 مايو عام 1951، لعائلة ميسورة الحال، عشق الفن منذ صغره ولكنه لم يلتحق بأي معهد فني بعد الثانوية العامة بل التحق بكلية التجارة ليتخرج منها وتضمن له عائلته وظيفة جيدة في أحد البنوك، سرعان ما يتركها ليدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، ويتخرج منه ليبدأ رحلة مختلفة كليا عما خططت له عائلته.
ربما السينما لم تعرفه نجما، وقف على تلك الدرجة التي تعرف باسم السنيد ولكن على عكس كل درجات السلم، تلك الدرجة بالتحديد يراها من فوق ويسمعها من تحت، بكوميديا وخفة ظل، غرس ممدوح وافي اقدامه في تلك الدرجة، ليصبح أحد سنيدة الثمانينات والتسعينات بدون منازع.
متى أصبحا صديقين؟ هل تهم إجابة هذا السؤال بالفعل، المهم أنهما أصبحا صديقين وكفى، كان زكي يعلم أن وافي يفضل أن يكون معه في عمل فني على أن يعمل في مكان أخر، لذلك كان زكي حريصا أن يكون لوافي دورا كبيرا في أعماله، رغم أن وافي لم يطلب لمرة ان يأخذ دورا في أفلام زكي، ولكنك ستجده في العديد من الأفلام مثل “الباشا” و”سواق الهانم” واستاكوزا، وأبو الدهب وغيرها.
ورغم أنه النجومية السينمائية لم تكن من نصيبه كانت نجومية المسرح لها رأي أخر، فكان بطلا للعديد من المسرحيات ربما أبرزها وأشهرها “حمري جمري”، البطولة التي غابت عن وافي في السينما والتلفزيون عوضها في المسرح، بنفس خفة الظل والشكل الكوميدي الذي اعتاده منه الجمهور، رغم أن وافي يحمل بداخله “مشخصاتي” موهوب وكوميديان كبير إلا أنه راهن دوما على ما اعتاده الجمهور، وللأسف كان رهانا خاسرا.
مشهد في نهاية الفيلم وربما يكون الأخير
يوصي الصديقين أن يدفنا سويا، رغم أن أحمد زكي كان قد ضرب سياجا حوله في المستشفى ويرفض أن يزوره أحد إلا أن قليل من الأصدقاء كانا استثناء، وربما تلك القاعدة بالأساس لا تسري على اثنين، الأولى كانت شبه تعيش معه في المستشفى وهي الفنانة رغدة، والثاني كان ممدوح وافي، يشد المرض على الصديقان فيظل سؤال يدور في العيون من سيرحل قبل الأخر.
الخبيث يكثف ضرباته، من سيسبق الأول إلى الراحة؟ من سيكون أكثر تحملا من الأخر، في النهاية أعلن الخبيث انتصاره على أبن الاسرة الميسورة، ليرحل ممدوح وافي أولا يرحل في 17 أكتوبر عام 2004، ليصبح هو أول من يدفن في تلك المقبرة التي خصصها زكي له ثم أوصي أن يشاركه فيها ممدوح وافي، رحل ومع روحه خرجت جمله وصلت لزكي جملة ” لا تتركني وحيدا” ليوفي الصديق وعده، ويلحق بصديقه بعد 5 أشهر وايام قليلة، ليجلس الاثنان سويا في قبر واحد، ويمتد الوصال.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال