“من أيام أبهاتنا وكبايرنا”..عن التسكع ليلاً في أزقة سوق أسوان السياحي
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في مثل كل يوم من أيام الأسبوع ما إن يأتي غروب الشمس حتى ترى زوارها الذين أخذوا القيلولة ثم خرجوا إلى سوق أسوان السياحي يتسكعون و بالتزامن ترى البائعين واحد تلو الأخر يبدأ في فتح المظلات أعلى المحلات الخشبية التي حفظتهم من حرارة الشمس الحارقة وأتى كل بائع منهم بدورق ماء وأخذ يرش به أمام دكانه على الأرضية التي صنعت من الجرانيت الأسواني.
“من أيام أبهاتنا وكبايرنا وإحنا على الحال ده” بهذه الكلمات بدأ محمد عويضة حفيد عويضة أحد أقدم بائعي العطارة في أسوان حديثه لنا وهو غارقًا في نشوة الحنين إلى أجداده الذين أسسوا أكبر محلات العطارة في المدينة وتحديدًا في السوق السياحي الذي يأتي له الناس من كل فج عميق ليشتروا بعض البهارات والتوابل الأسوانية ذات النكهات المختلفة لوضعها في أكلاتهم وغيرها من الزيوت والبخور وأعشاب أخرى تستخدم في الاستشفاء.
يتذكر ما بدأه أجداده قبل عقود و أمامه كميات وفيرة من الأعشاب والملوخية والويكا والتمر الهندي والخروب جميعها “زرع في أسوان” فقد زرع جده عويضة مثلها الكثير وساعده جو المدينة الجاف في الحفاظ على مذاقها الخاص ما جعل صيته يصل إلى كل زائر للمدينة فلا يمكن لاحد أن يتساءل عن مكان يبتاع العطارة في أزقة أسوان إلا وذكر أسم عويضة.
يقول محمد عرفة عويضة أحد بائعي العطارة في أسوان لـ الميزان:”إن بعض الأشياء يتم استيرادها من السودان ويكون محله الذي يتوسط شارع السوق السياحي ملئ بالبضاعة سواء المستوردة من السودان كالزيوت والحناء وغيرها أو البلدي التي يتم زراعة معظما في أسوان و قبل أسابيع من بدء شهر رمضان كل عام و أيضًا في شهور فصل الشتاء هي أفضل أوقات للبيع ويتم الاستعداد لها ويكون لدينا جميع الأصناف والأنواع وتعبأ الصناديق بكرات العرديب والشعيرية والأبريه الأسواني و الكركديه والدوم “.
التقى الميزان إسراء وهي فتاة عشرينية لم تزر أسوان منذ سنوات رغم أصولها النوبية أما جدتها المقيمة في مدينة الإسكندرية أوصتها ألا تعود إلا ومعها مشروب الأبريه وبعض البهارات و البامية الجافة و “الدريس” الملوخية الجافة وبعض القرفة واليانسون واصفة جلسة العصاري التي تعدها جدتها المرأة التي لم ينسيها الزمن عادات النوبة القديمة فتصنع لـ إسراء وباقي الأحفاد أكوابا من الأبرية بالليمون والكركديه في كل مساء مضيفة أن جدتها لا تنسى أبدًا تفصيص البلح وتقطيعه ثم غليه مع اللبن الساخن في الشتاء.
يتابع محمد عويضة أن العديد من الأشخاص الذين يحملون الجنسيات الأخرى ويأتون سائلين عن بعض أنواع العطارة والأعشاب التي تستخدم كوصفات طبيعية لمعالجة العديد من الأمراض والتى من أبرزها حلف البر واليانسون والقرفة والزنجبيل والدوم مؤكدًا أن هذه الأعشاب سأل عنها الكثير من السياح العرب والقليل من الأجانب ويستخدم لعلاج نزلات البرد خاصة الحرجل الذي يعالج السعال أما الجنسيات غير العربية يقول عويض:”إن الكثير من الإنجليز والفرنسيين والألمان وغيرهم يلجأون لشراء هذه المشروبات وعن الأكثر مبيعًا يضيف أنه مشروب الدوم والكركديه لعلاج ضغط الدم ويفضلون سرائ العصفر والكركم بشكل كبير بجانب البهارات الحراقة التي يشترون منها كميات كبيرة.
لكن بعضهم يعرض عليه بعض التوابل المختلفة ومنها المستورد من الهند والسودان والمصري كما أنهم يفضلون منها الأشياء الحراقة كالشطة السوداني يقول أحد أحفاد عويضة أقدم بائعي العطارة في أسوان مضيفًا بعض الأجانب يتساءلون أيضًا عن الأعشاب التي تستخدم في الاستشفاء خاصة المتعلقة بالمعدة ونعطي لهم القرفة والزنجبيل والينسون ونصف لهم طريقة غليه وشربه ونعطي لهم أوراقًا مكتوبة بلغتهم بمساعدة من أخرين وتوضع في الأكياس وبعضهم يطلب كميات كبيرة منها.
عند التمشية في السوق ستجد عشاقها من النسوة الأسوانيات اللائي يقمن بوضعها في غربال للتخلص من الشوائب وتجد السيدة سحر 46 عام موظفة حكومية أن الكيس الذي حصلت عليه من الملوخية الجافة يعتبر وجبة أساسية أسبوعية في مطبخها وتضع عليه شربه اللحم أو الفراخ ثم تفركها بالـ “مفركة” كما أنها تضع عليها بعض الكزبرة والملح مؤكدة أنها في العادة تشتريها خضراء في كل موسم وتقوم بقطفها بمساعدة جيرانها الذي منعتهم جائحة فيروس كورونا من قطفها وجمعها في حلة كبيرة ووضعها في الشمس لمدة شهور حتى تجف ثم طحنها ووضعها في الغربال وتعبئتها في أكياس وتخرج منها كيسًا واحدًا مع كل طبخة حسبما قالت للميزان.
إقرأ أيضًا…اختفاء مستعمرة مستعمرة “روانوك”…أقدم لغز في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية
لكن مع غياب السياحة عن المدينة التي يقبل عليها المصريين من المحافظات الأخرى أيضًا في أجازة نصف العام وشهور فصل الشتاء يفضلون شراء السلع ذاتها التي يستهلكها أهالي المحافظة الكركديه والتمر الهندي والخروب وغيرها مشروبات أساسية في فصل الصيف أما البهارات فلم تختلف كثيرًا الا في جودتها حسبما يرى حفيد عويضة أن درجة الحرارة العالية في المحافظة الواقعة أقصى جنوب مصر يعد سبب مؤثر في أن تحتفظ هذه السلع بنكهات توابلها سواء زراعتها أو تخزينها الذي يحتاج إلى الجو الحار كما يرى أن الشطة السوداني هي أكثر السلع المستوردة طلبًا بجانب الكمون والكزبرة والأنواع المختلفة من البخور.
أصيبت المدينة الأهم ساحيًا في الصعيد منذ أواخر شتاء 2019 بالذعر ومرت بتجربة تجارية هي الأولى من نوعها و لذلك أختتم محمد عرفة عويضة حديثه للميزان بنبرة حزينة عن سوق العطارة الذي يعد واحدًا من أهم الأنشطة التجارية في المحافظة السياحية وعن محل أجداده الشهير في أحد الشوارع المتفرعة من كورنيش أسوان بسوقها الأكبر والأهم قائلًا: “إن حركة السوق توقفت تمامًا منذ بداية ظهور فيروس كورونا فمع تسجيل أول حالة اصابة بالفيروس بدأت الحركة تقل تدريجيًا يومًا بعد يوم لكن في المقابل يوجد كان هناك إقبال على بعض المشروبات الساخنة والاعشاب.
وفي سوق يوجد به الكثير من هذه المحال التجارية التي تبيع السلع ذاتها تأثرت جميعها خاصة ما أوضحه عويضة للميزان بأن السوق السياحي يعتمد خلال موسم رمضان على زوار الأقاليم من المحافظة لكن الوضع جعل السوق “نائمة” حسبما عبر عويضة.
انتهت جولة الميزان في شوارع المدينة التي بدأ الصوت الصاخب يتسلل إليها ناحية كورنيش النيل المجاور لشارع السوق السياحي الذي لم يخرج دكاكينه صوت سوى صوت العظيم أحمد منيب و الكينج محمد منير فهما المطربين الأهم بالنسبة لهم وهو الحال في شارع الكورنيش الذي يملئه صخب المراكب و الباحثين عن الترفيه في نيلها وحول المولات والكافيهات في ليلها الساحر.
الكاتب
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال