من الطرب الجنسي إلى صوت ثومة..مواقف من حياة أم كلثوم (14)
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الرابعة عشر من قصة كوكب الشرق الآنسة أم كلثوم إبراهيم، وكنا قد انتهينا في اللقاء السابق حيث الصراعات الفنية التي عاشتها أم كلثوم في الفترة ما بين سنة 1920م وحتى 1930م، جدير بالذكر أن أم كثلوم كانت حتماً ستمر بتلك الصراعات، كان لازما أن تشغل الناس، ليس غريبا أن يحدث ذلك لفتاة ريفية أتت للقاهرة بانتقالها الأكبر عام 1923م، لتبد خطوات المجد الأولى منذ العام التالي لهذا القدوم مباشرة، فسرعان ما تعرفت على رامي وسرعان ما لحن لها القصبجي وسرعان تهافت عليها الجميع بمجرد ذيوع الخبر بأن أم كلثوم قد استقرت في القاهرة.
وقبل أن ننتقل لموضوع الحلقة والذي سيكون عن علاقة أم كلثوم بالقصبجي وداوود حسني، ننقل بعضا مما جاء في الصحف والمجلات قديما عن طبيعة المقارنات بين أم كلثوم وغيرها من المطربات اللاتي تربعن على عرش الطرب وقت أن جاءت ثومة إلى القاهرة، ففي مقال بمجلة الناقد صدر في السابع عشر من شهر أكتوبر 1927م جاء: منيرة المهدية لها صوت رنان جميل النغم وقد وهبتها الطبيعة حنجرة سليمة الأوتار لولا أنها لا تحسن استخدامها، وما قيمة التبر لدى من يجهله والماس عند من لا يفرقه عن الزجاج….. إنها تغني لتطرب أذنك وحاستك المادية فقط، أما دون ذلك فتطلبه عند أم كلثوم وفتحية أحمد.
وفي
لسيرة الكلثومية.. قصة درة القرن العشرين وكوكب الشرق الآنسة أم كلثوم إبراهيم.. الحلقة الخامسة
وفي جريدة السائح التي تصدر في مدينة نيويورك جاء في عام 1926التي تناولت حياة أم كلثوم تلك الفتاة ذائعة الصيت التي ما زالت تتقدم في عالم الغناء منذ أن وصلت إلى القاهرة فتاة ساذجة حتى أصبحت اليوم سيدة المغنيات وأميرة المطربات بلا منازع ففي مجلة الإذاعة 1975م يقول عبد الفتاح غبن: كانت في صوت منيرة المهدية بحة جنسية يطير لها صواب الناس وكان الطرب في أغلبه يعبر عن الجنس، ولكن هذه الفتاة الجديدة (أم كلثوم) مختلفة تماما.
ويكمل غين:” جاءت ولا رصيد لها إلا صوتها منذ جاءت تغني قصائد دينية على طريقة المشايخ وورائها أهلها يرتدون العمم وهي نفسها ترتدي البالطو الأزرق فوق جلابية بسيطة وعلى رأسها عقال، كانت جميلة نعم ولكن هذا الإطار من حولها بما فيه ثيابها لم يكن يسمح لها بأن تخاطب الناس إلا بشيء واحد هو صوتها، ولأن صوتها كان خارقا فقد أصبح لها بسرعة أنصار كثيرون”.
أم كلثوم ومحمد القصبجي
دأ التعاون الفني بين أم كلثوم والمرحوم الأستاذ محمد القصبجي منذ عام 1924م، فقد ذكرنا في اللقاءات السابقة أن أول من لقنها ضرب العود كان المرحوم الدكتور أحمد صبري النجريدي ثم صارت الأمور بعد ذلك للأستاذ محمد القصبجي، وعن ذلك يقول الموسيقي مدحت عاصم في حديث نقله عنه الدكتور فيكتور سحاب في كتابه السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة: اتخذ القصبجي من الفتاة التي تصغره بنحو عشر سنين موقع الأستاذ من تلميذه.
وقد على معارفه الثرية في علم المقامات وأخذ بيدها ولحن لها روائع كثيرة منها: قال إيه حلف مايكلمنيش، والبعد طال والله عليا، وتبيعيني ليه، وحبيت ولا بانش عليا، فأخذت معالم الاشتهار تبدو شيئا فشيئا أمام هذه الفنانة الصاعدة التي دفعت ثمنا قبل أن تعرف لنفسها حق قدرها في دنيا الغناء، وكانت الساحة الأساطين لم يكن آخرهم سيد درويش وداوود حسني وفتحية أحمد وسلامة حجازي وعبد الحي حلمي وصالح عبد الحي.
ففي عام 1928م، غنت أم كلثوم من ألحان المرحوم محمد القصبجي مونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسية من مقام الماهور الذي لم يكن مطروقا آنذاك، فخيرها مدير مكتب جرامافون أن تتقاضى أجرا ثمانين جنيها مرة واحدة أو خمسة قروش لقاء كل نسخة تباع وفضلت أم كلثوم أن تأخذ الثمانين جنيها لكنها ندمت بعد ذلك حين باعت الاسطوانة ربع مليون نسخة فخسرت بذلك إثني عشر ألفا وخمسمائة جنيه، أما القصبجي فاكتفى بعازفة اسطوانات قدمتها إليه شركة جرامافون كهدية بدل اللحن.
وخلال هذه المرحلة بدأت أم كلثوم تظهر على المسارح في القاهرة والأقاليم مع فرقة موسيقية تضم المرحوم محمد القصبجي على العود ومحمد العقاد على القانون وسامي الشوا على الكمان، واستمرت مرافقة محمد القصبجي لأم كلثوم منذ عام 1924م بدا من طقطوقة قال إيه حلف ما يكلمنيش حتى عام 1948م حين لحن لها أغنيات فيلم فاطمة، إلا أنه ظل يعزف على العود في فرقة أم كلثوم حتى وفاته سنة 1966م.
هي رحلة طويلة رافق فيها محمد القصبجي كوكب الشرق، بدأ معها بالطقاطيق البسيطة ثم أحدث ثورته الكبيرة في ميدان المونولوج عام 1928م حين لحن لها إن كنت أسامح وأنسى الأسية ليصل بالمونولوج لذروته الفنية في مونولوج رق الحبيب الذي تأثر به المرحوم رياض السنباطي في رائعته غلبت أصالح في روحي.
أم كلثوم وداوود حسني
يعتبر المرحوم داوود حسني أحد الكبار في عالم الموسيقى الشرقية وفي حياة الست في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ويرجع له عظيم الفضل في اكتشاف الكثير من الأصوات كأسمهان ومحمد عبد المطلب وليلي مراد وغيرهم، وإلى جانب ذلك هو أحد الرعيل الاكبر الذي لحن لأم كلثوم في بداياتها الفنية وبشكل أدق هو من أوائل الملحنين لها في بدايات ثورتها الفنية التي اسميتها من قبل بالربيع الكلثومي، فقد بدأ تعاونها مع المرحوم داوود حسني سنة 1930م وانتهى ذلك التعاون سنة 1932م.
وقد لحن لها خلال تلك الفترة إحدى عشرة عملا (عشرة أدوار وطقطوقة واحدة)، والحقيقة أن حديثي عن ألحان داوود حسني لأم كلثوم دائما ما يخرج مني عن إطار التقييم النظري إلى التقييم الشخصي نوعا ما، فأنا أحد المغرمين بألحانه لأم كلثوم وكثيرا ما أقول أن فكرة التعبير المقامي عن شيء ما قصده الكاتب والملحن هي منطقة برع فيها داوود ولم يخفق في جملة واحدة داخل تلك المنطقة، فمثلا دور روحي وروحك في امتزاج الذي لحنه لأم كلثوم من مقام الطرز الجديد.
و وجهة نظري انه من أعظم أدوار القرن العشرين بل إن مذهبه (قلبي يميل ليه للجمال) هو أعظم مذهب سمعته في دور مما وصل إلينا من نتاج ذلك الميدان في القرن العشرين، كذلك دورحسن طبع اللي فتني، الذي لحنه لها على مقام الراست من أعظم الأدوار التي غنتها أم كلثوم بل التي وصلتنا من هذا العصر الذهبي، وغيرهما من الألحان التي دائما ما أصفها بالكمال استنادا لفكرة الموسيقى التقليدية التي حافظ عليها داوود في ألحانه.
ومن ألحان داوود حسني لأم كلثوم:
دور شرف حبيب القلب من تأليف المرحوم أحمد رامي 1930م
دور البعد علمني السهر من تأليف المرحوم أحمد رامي 1931م
دور حسن طبع اللي قتني من تأليف المرحوم كامل الخلعي 1931م
طقطوقة جنة نعيمي في هواكي من تأليف المرحوم أحمد رامي 1931م
دور روحي وروحك في امتزاج من تأليف المرحوم حسين والي 1931م
دور كل ما يزداد رضا قلبك عليا 1931م
دور كنت خالي من تأليف المرحوم كامل الخلعي 1931م
دور يوم الهنا حبي صفالي من تأليف المرحوم أحمد رامي 1931م
دور يا فؤادي إيه ينوبك من تأليف المرحوم أحمد رامي 1931م
دور قلبي عرف معنى الأشواق من تأليف المرحوم كامل الخلعي 1931م
دور يا عين دموعك من تأليف المرحوم أحمد رامي 1932م.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال